«جداريات أصيلة» شاهدة على 41 سنة من مواسمها الثقافية

معرض مفتوح ودائم يزين المدينة العتيقة

إحدى {جداريات أصيلة}
إحدى {جداريات أصيلة}
TT

«جداريات أصيلة» شاهدة على 41 سنة من مواسمها الثقافية

إحدى {جداريات أصيلة}
إحدى {جداريات أصيلة}

يستيقظ سكان مدينة أصيلة المغربية وزوارها صيف كل سنة، على وقع معرض فني كبير، يتشكل من لوحات لكبار الفنانين التشكيليين، لوحات مثبتة على الجدران، لا يمكن حملها أو شراؤها، يشاهدها المارة وهم يتمشون في زقاق المدينة العتيقة ليل نهار، بل على طول السنة، ويكون موعد تجديدها انطلاق فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي.
جداريات تلفت انتباه المارة الذين يضطرون للوقوف لحظة تأمل في جمالياتها والغوص في كنهها وفهم مغزاها والتقاط صور لها وأخرى «سيلفي» حتى لا يكون مرورهم أمامها مجرد لحظة عابرة من الزمن.
فجداريات أصيلة تحمل رسالة ثقافية وجمالية، تتزين بها دروب أصيلة، وتتسع مساحتها وتزيد حدودها حينما تمتزج مع ألوان عمرانها وزرقة البحر والسماء، لتصير لوحة فنية منتشرة في المدى، تسحر المارة والزوار.
وشارك في جداريات موسم أصيلة الـ41. أزيد من عشرة مشاركين من المغرب وفرنسا، تعددت مواضيع لوحاتهم الفنية، واختلفت ألوانهم وأشكالهم، اجتمعوا في أصيلة ليعبر كل منهم عن رؤيته الجمالية المبدعة، بإشراف الفنانين التشكيلين المغربيين، محمد عنزاوي وسناء السرغيني عيدة.
وتكمن القيمة المضافة للجدارية مقارنة مع اللوحة العادية، في كونها تشكل بالنسبة للفنان تحدياً جديداً ليس بمقدور كل الفنانين تنفيذه، فهي عمل أفقي ولوحة جامدة لا يمكن تحريكها، على عكس اللوحة العادية التي يمكن للفنان رسمها من وضعيات مختلفة والتعامل معها بأريحية.
وبالنسبة للمتلقي، فإنّه يدرك الفرق بأنّ الجدارية ليست لوحة فنية عادية، التي من الممكن رؤيتها في المعرض وشراؤها، ومن ثم يعرضها في منزله أو يهديها لشخص ما، فهو يعي تماماً أن الجدارية لا تقدر بثمن، وأن قيمتها لا تعوض بالمال، إذ إنه لا يمكن شراؤها، فيبقى أمراً جميلاً أن تشاهد لوحة فنان بحجم كبير، وعلى جدار بقيمة رمزية غاية في الروعة.
وتحدث عنزاوي عن تاريخ الجداريات، وقال إنّ فن الجداريات يعود إلى قرون خلت والبدايات الأولى للإنسان، مشيراً إلى أنّه بعد مرور 41 سنة من عمر موسم أصيلة الثقافي، ساهمت «الجداريات» بجدارة في تربية الإنسان الأصيلي، خاصة الأطفال، والرقي بذوقه وحسه الفني، حتى بات اسم «أصيلة» مرتبطاً بها، إذ صارت أحد مميزات مواسمها الثقافية، وأصبحت أصيلة، مدينة الفنون بذلك «عاصمة الجداريات».
ويرى عنزاوي أنّ الجدارية في أصيلة ليست مجرد لوحة فنية مرسومة على حائط بقدر ما تشكل ثقافة مدينة، وأنّ أي فنان لا ينطلق في تنفيذ جداريته قبل أن يتعايش مع سكان أصيلة نحو أربعة أيام على أقل تقدير، يخالطهم ويتواصل معهم ويجوب أحياء المدينة ويشاهد عمرانها وما تزخر به من ألوان وعبق، حتى يجد إلهامه ويجدد أفكاره ويتقرب من جمهور جداريته.
وبخصوص المواضيع التي احتفت بها جداريات هذا الموسم، يوضح عنزاوي أنّ منتدى أصيلة «لا يحدد مواضيع بعينها للفنانين، بل يتركهم على سجيتهم في تقديم ما يرونه ملائماً ومناسباً، مكتفياً بتقديم الحرية وفضاء أصيلة وألوانها لهم»، مبرزاً أنّ هناك بعض فناني الجداريات تكون مواضيع لوحاتهم جاهزة قبل قدومهم إلى أصيلة، لكن عند الوصول إليها يغيرون أفكارهم حسب ما ألهمتهم إياه أجواء المدينة وفضاءاتها، فهناك مثلاً، فنانون لم يستعملوا مطلقاً اللون الأزرق في لوحاتهم، ولكن عند زيارتهم لأصيلة نجد أنّهم رسموا جدارية تحتوي على اللون الأزرق تأثّراً بلون المدينة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».