مهرجان تورونتو: لا وجود للأفلام التجارية.. والقيمة الفنية مسيطرة

المخرجة جولي تايمور تستلهم من شكسبير فيلما جديدا ورايتمان ينتقد الأزمنة المعاصرة

جولي تايمور  -  نيكولاس كايج  -  آبل فيرارا: لا تلمسوا فيلمي
جولي تايمور - نيكولاس كايج - آبل فيرارا: لا تلمسوا فيلمي
TT

مهرجان تورونتو: لا وجود للأفلام التجارية.. والقيمة الفنية مسيطرة

جولي تايمور  -  نيكولاس كايج  -  آبل فيرارا: لا تلمسوا فيلمي
جولي تايمور - نيكولاس كايج - آبل فيرارا: لا تلمسوا فيلمي

هناك خامة من الأفلام التي تعرضها السينما الأميركية في مهرجان تورونتو المنطلق منذ الرابع من هذا الشهر والذي سيغلق أبوابه صباح الخامس عشر منه. ليس صحيحا أن أي فيلم تنتجه هوليوود يتوجّه إلى المهرجان الكندي فمثلا لن تجد فيه الكثير من الأفلام المستقلة أو الصغيرة حيث إن ميزانيّاتها لا تسمح لها بمنافسة الأفلام الكبيرة في استقطاب جمهور أو موزّعين ومجالها الأول هو مهرجان صندانس بعد أربعة أشهر. أيضا لن تجد الكثير من الأفلام التجارية الرديئة، لأن هذه ليست بحاجة إلى مهرجان في الأساس بل يجري توزيعها وعرضها من دون صعوبة.
ما تجده هنا هو تلك الأفلام المنتجة من شركات هوليوود الرئيسة، أو على نحو ما تنتجه تلك الشركات، التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها. طبعا هي إنتاجات تجارية، لكنها ذات قيمة فنيّة بصرف النظر عن نجاحها. بكلمات أخرى، أفلام أكثر عمقا من السائد.
على هذا الأساس ترد الكثير من الأفلام التي تستفيد من الاهتمام الإعلامي الأميركي والكندي ومن ثم الدولي، لكي تنتقل به إلى المحطّة التالية من رحلتها المستقبلية. وبقدر ما ينجح الفيلم هنا، بقدر ما يمر بمحطات أكثر وصولا، كما هو مأمول، إلى المحطة الختامية المعروفة بجوائز الأوسكار.
هناك معدّل يبلغ 400 ألف مشاهد يؤمّون هذا المهرجان كل سنة والأمر لا يختلف هذه المرّة. المنظر السائد هو رؤوس مطأطئة تدرس خارطة العروض في البرنامج التي تنتقل به من صالة إلى أخرى. عند أبواب الصالات دائما ما تجد صفا طويلا من الناس تمتد من مدخل الصالة حتى زاوية المبنى ثم تلتف بالتفاف المبنى، وإذا ما كان الفيلم كبيرا، تجدها تلتف أو تكاد عن الزاوية التالية أيضا.
إدارة المهرجان تبذل جهدا كبيرا للحفاظ على هذا النجاح، لكنها لا تتعب كتعب المهرجانات الأوروبية حين ترغب في استضافة أفلام أميركية. فمهرجان «كان» على سبيل المثال غالبا ما يجد نفسه في مواجهة أفلام أميركية مدجّنة، إذ جرى إنتاجها من قِبل شركات أوروبية، وإن لم يكن فأفلام مستقلة النزعة أو ذات منهج يتبع ما يُسمّى بـ«سينما المؤلف». لكن بما أن الأعمال الأوروبية أنجح في هذا الطابع من تلك الأميركية، فإن الجوائز غالبا ما تذهب إلى تلك الأفلام وليس إلى إنتاج أميركي. حتى حين تنبري مؤسسة ضخمة مثل «وورنر» وترسل فيلما لكلينت إيستوود لكي يشترك في المسابقة، كما حدث أكثر من مرّة، تتمنع لجان التحكيم وتضن عليه بالجائزة التي قد يستحق على أساس أنه ليس بحاجة إلى التشجيع. تورونتو في المقابل هو أكبر مهرجان دولي بلا جوائز. هذا بدوره راحة لا للإدارة فقط، بل للجمهور الذي يستطيع التعامل مع غالبية الأفلام الـ300 التي يعرضها المهرجان على أساس متساو.
الجمهور المذنب
يوم أمس (الأربعاء) كان موعد الجمهور الكندي مع بيير باولو بازوليني كما قدّمه، في ساعات حياته الأخيرة، المخرج الأميركي أبل فيرارا في فيلمه الجديد «بازوليني». الفيلم الذي عُرض أولا في فينسيا لا يحل إشكالا حول هوية قتلة المخرج والشاعر بازوليني وهي المسألة التي أثارت ولا تزال الجدل بين الكثير من المثقفين والسينمائيين وآخرين ممن شاركوا البحث، ولا يبدو أنه عرف مقصده من وراء مادته. لا يبدو الفيلم تخليدا ولا إعجابا ولا ذمّا وهو بالتأكيد ليس حكاية حول غموض قضية أو هي منسوجة كجزء من سيرة حياة. بالتالي جمهور هذا الفيلم سيشاهده بسبب اسمين فقط: بازوليني وفيرارا.
بعد ذلك، لا بازوليني اسم أميركي كبير ولا المخرج فيرارا يستطيع باسمه تحريك الجمهور الكامن وراء المهرجانات. لكن فيرارا يعرف كيف يُثير الاهتمام ويسرق العناوين الصحافية. أول ما وصل إلى تورونتو في الخامس من هذا الشهر أطلق تصريحا هاجم فيه شركة IFC التي عادة ما تتبنّى الأفلام المستقلة لتوزيعها قائلا: «هذه شركة لا تكترث بالأفلام ولا بصانعيها». وهو لا يتحدّث عن فيلمه «بازوليني»، بل عن فيلم آخر حققه هذا العام أيضا بعنوان «مرحبا في نيويورك» Welcome to New York
هذا الهجوم كان نتيجة إبلاغ المخرج أن الشركة تطالبه بنسخة جديدة تحتل زمن عرض أقل ما يعني، بالنسبة إليه، إنها تدخلت في حقّه كفنان. المفاجأة التي لم يكن يعلم بها، أن منتجه من عام 2001 فنسنت مارافال (وهو رئيس الشركة الفرنسية «وايلد بنش» أطلق تصريحا مضادا ذكر فيه أن الشركة الموزّعة لم تسأل فيرارا قطع أي مشهد بل وضعت ملاحظات حول بعض المشاهد الجنسية التي قد تعرّض الفيلم لأجندة توزيعية مختلفة. ويضيف في تصريح له لمجلة «ذا هوليوود ريبورتر» التي تصدر أعدادا يومية خاصّة هنا: «معاونون عندي هم الذين قاموا بحذف بعض اللقطات وهي صغيرة لا تذكر وذلك بعدما رفض هو إجراء ذلك»
بعد الحذف أرسل مارافال نسخة إلكترونية من الشريط المُعالج لكن فيرارا رفض مشاهدته وهدد برفع دعوى قضائية على كل من «يلمس الفيلم» حسب قوله وبل أضاف: «كل من يشاهد النسخة المعدّلة من الفيلم هو مذنب أكثر من سواه!».
شكسبير من جديد
بعيدا جدّا عن كل هذا يأتي فيلم جولي تايمور الجديد «حلم ليلة منتصف صيفية» A Midsummer Night‪›‬s Dream، أقرب إلى حبل نجاة بالنسبة لأولئك الذين يريدون دخول السينما للهرب من الواقع وليس للمزيد منه.
جولي تايمور من أكثر مخرجي السينما الأميركية حبّا لوليام شكسبير (لجانب البريطاني كينيث براناه والأميركي آل باتشينو). سنة 1986 أنجزت فيلم فيديو من مسرحية «العاصفة» ثم غابت 13 سنة لتعود سنة 1999 بفيلم «تايتوس» وبعد أن أخرجت «فريدا» سنة 2002 و«عبر الكون» سنة 2007 قامت عام 2010 بتحقيق «العاصفة» من جديد والآن تعود بفيلم آخر تقتبس فيه الكاتب البريطاني المبدع.
«حلم ليلة منتصف صيفية» يختلف، رغم ذلك عن «تايتوس» و«العاصفة» في حين أنه ينتمي إلى المسرح المصوّر. فهي كانت سابقا قد أخرجت عملي شكسبير على نحو يدمج المادة الأصلية بروح المشكلات العصرية وبنجاح. هنا تختار تقديم عرض مصوّر لمسرحية شكسبير كما قامت بإخراجها في العام الماضي على أحد مسارح نيويورك. على صعيد آخر، وكعادتها، لا تفتقر المخرجة للخيال. لديها أفكار خاصّة لم يسبقها إليها أحد في معالجة نص شكسبيري. تملأه بالحيوية والحركة والصور الفنية.
لكن كل هذا كان سيضيع هباء لو أساءت المخرجة اختيار ممثليها أو لو أن أحدهم سقط تحت عبء النص عوض أن يسيطر عليه. تستعين بالبريطانية كاثرين هنتر وبالأميركيين ليلي إنغلرت وديفيد هاروود وتيان بكنو وعدد كبير آخر لتمنحهم فرصة يتوق لها كل ممثل موهوب يعد أن أداء شكسبير بالنسبة إليه هو مثل الوصول إلى حلبة الأوسكار بالنسبة لصانعي الأفلام أو ربما أصعب.
رايتمان الأب والابن
المخرج جاسون رايتمان الذي نال مدحا مستحقا عن فيلميه السابقين «في الجو» Up in the Air وJuno يعود في كوميديا من بطولة أدام ساندلر وجنيفر غارنر مع مشاركة جودي غرير وإيما تومسون. الفيلم هو «رجال، نساء وأطفال» الذي يحيط بشخصيات من أعمار مختلفة تحاول التعايش مع مسلمات الأمس والأزمنة المعاصرة بما حملته من اضطراب في العلاقات الأسرية. هو مأخوذ عن رواية كتبها تشاد كولتجن قبل ثلاثة أعوام بالعنوان نفسه. من قرأ الكتاب وشاهد الفيلم يقول إن العملين يتجاوران من حيث الرغبة في الحديث عما يفرّق الناس في هذه الأيام. الفيلم بحد ذاته يتعامل مع هذا الموضوع بوضوح. لقد دخل الكومبيوتر لا حياة الناس فقط، بل عرين العلاقات العائلية كما يتبدّى في الحكاية الماثلة: دون (ساندلر) يبحر على أثير الشبكة ليشاهد الأفلام الجنسية في نهم واضح، علما بأنه متزوّج ورب عائلة. آخر (أنس إلغورت) أدمن على متابعة ألعاب الفيديو العسكرية العنيفة. وهناك، من بين الشخصيات الأخرى، امرأة شابة تحاول الوصول إلى هوليوود عبر الكتابة عن حياتها العاطفية والجنسية في كل وسيط إلكتروني ممكن لعلها تنجز ما لم تحققه أمها: التحول إلى إعلامية أو إلى ممثلة هوليوودية.
كل من في الفيلم في الواقع يمضي الوقت على الكومبيوتر بمن فيهم امرأة (جنيفر غاردنر) تفهم خطره المحتمل على ابنتها فتمضي الوقت وهي تصطاد المواقع المخلة للآداب أو المنحرفة لكي تمنعها عن ابنتها. غاية نبيلة لكنها تحوّل الأم إلى مدمنة بدورها. الفيلم بذلك يرصد وينتقد أكثر مما يسلي. تستطيع أن تعده عملا جادّا وهادفا ولو أنه فنيّا محدد بأسلوب عمل يتحوّل إلى قدر من الروتينية.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.