مهرجان تورونتو: لا وجود للأفلام التجارية.. والقيمة الفنية مسيطرة

المخرجة جولي تايمور تستلهم من شكسبير فيلما جديدا ورايتمان ينتقد الأزمنة المعاصرة

جولي تايمور  -  نيكولاس كايج  -  آبل فيرارا: لا تلمسوا فيلمي
جولي تايمور - نيكولاس كايج - آبل فيرارا: لا تلمسوا فيلمي
TT

مهرجان تورونتو: لا وجود للأفلام التجارية.. والقيمة الفنية مسيطرة

جولي تايمور  -  نيكولاس كايج  -  آبل فيرارا: لا تلمسوا فيلمي
جولي تايمور - نيكولاس كايج - آبل فيرارا: لا تلمسوا فيلمي

هناك خامة من الأفلام التي تعرضها السينما الأميركية في مهرجان تورونتو المنطلق منذ الرابع من هذا الشهر والذي سيغلق أبوابه صباح الخامس عشر منه. ليس صحيحا أن أي فيلم تنتجه هوليوود يتوجّه إلى المهرجان الكندي فمثلا لن تجد فيه الكثير من الأفلام المستقلة أو الصغيرة حيث إن ميزانيّاتها لا تسمح لها بمنافسة الأفلام الكبيرة في استقطاب جمهور أو موزّعين ومجالها الأول هو مهرجان صندانس بعد أربعة أشهر. أيضا لن تجد الكثير من الأفلام التجارية الرديئة، لأن هذه ليست بحاجة إلى مهرجان في الأساس بل يجري توزيعها وعرضها من دون صعوبة.
ما تجده هنا هو تلك الأفلام المنتجة من شركات هوليوود الرئيسة، أو على نحو ما تنتجه تلك الشركات، التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها. طبعا هي إنتاجات تجارية، لكنها ذات قيمة فنيّة بصرف النظر عن نجاحها. بكلمات أخرى، أفلام أكثر عمقا من السائد.
على هذا الأساس ترد الكثير من الأفلام التي تستفيد من الاهتمام الإعلامي الأميركي والكندي ومن ثم الدولي، لكي تنتقل به إلى المحطّة التالية من رحلتها المستقبلية. وبقدر ما ينجح الفيلم هنا، بقدر ما يمر بمحطات أكثر وصولا، كما هو مأمول، إلى المحطة الختامية المعروفة بجوائز الأوسكار.
هناك معدّل يبلغ 400 ألف مشاهد يؤمّون هذا المهرجان كل سنة والأمر لا يختلف هذه المرّة. المنظر السائد هو رؤوس مطأطئة تدرس خارطة العروض في البرنامج التي تنتقل به من صالة إلى أخرى. عند أبواب الصالات دائما ما تجد صفا طويلا من الناس تمتد من مدخل الصالة حتى زاوية المبنى ثم تلتف بالتفاف المبنى، وإذا ما كان الفيلم كبيرا، تجدها تلتف أو تكاد عن الزاوية التالية أيضا.
إدارة المهرجان تبذل جهدا كبيرا للحفاظ على هذا النجاح، لكنها لا تتعب كتعب المهرجانات الأوروبية حين ترغب في استضافة أفلام أميركية. فمهرجان «كان» على سبيل المثال غالبا ما يجد نفسه في مواجهة أفلام أميركية مدجّنة، إذ جرى إنتاجها من قِبل شركات أوروبية، وإن لم يكن فأفلام مستقلة النزعة أو ذات منهج يتبع ما يُسمّى بـ«سينما المؤلف». لكن بما أن الأعمال الأوروبية أنجح في هذا الطابع من تلك الأميركية، فإن الجوائز غالبا ما تذهب إلى تلك الأفلام وليس إلى إنتاج أميركي. حتى حين تنبري مؤسسة ضخمة مثل «وورنر» وترسل فيلما لكلينت إيستوود لكي يشترك في المسابقة، كما حدث أكثر من مرّة، تتمنع لجان التحكيم وتضن عليه بالجائزة التي قد يستحق على أساس أنه ليس بحاجة إلى التشجيع. تورونتو في المقابل هو أكبر مهرجان دولي بلا جوائز. هذا بدوره راحة لا للإدارة فقط، بل للجمهور الذي يستطيع التعامل مع غالبية الأفلام الـ300 التي يعرضها المهرجان على أساس متساو.
الجمهور المذنب
يوم أمس (الأربعاء) كان موعد الجمهور الكندي مع بيير باولو بازوليني كما قدّمه، في ساعات حياته الأخيرة، المخرج الأميركي أبل فيرارا في فيلمه الجديد «بازوليني». الفيلم الذي عُرض أولا في فينسيا لا يحل إشكالا حول هوية قتلة المخرج والشاعر بازوليني وهي المسألة التي أثارت ولا تزال الجدل بين الكثير من المثقفين والسينمائيين وآخرين ممن شاركوا البحث، ولا يبدو أنه عرف مقصده من وراء مادته. لا يبدو الفيلم تخليدا ولا إعجابا ولا ذمّا وهو بالتأكيد ليس حكاية حول غموض قضية أو هي منسوجة كجزء من سيرة حياة. بالتالي جمهور هذا الفيلم سيشاهده بسبب اسمين فقط: بازوليني وفيرارا.
بعد ذلك، لا بازوليني اسم أميركي كبير ولا المخرج فيرارا يستطيع باسمه تحريك الجمهور الكامن وراء المهرجانات. لكن فيرارا يعرف كيف يُثير الاهتمام ويسرق العناوين الصحافية. أول ما وصل إلى تورونتو في الخامس من هذا الشهر أطلق تصريحا هاجم فيه شركة IFC التي عادة ما تتبنّى الأفلام المستقلة لتوزيعها قائلا: «هذه شركة لا تكترث بالأفلام ولا بصانعيها». وهو لا يتحدّث عن فيلمه «بازوليني»، بل عن فيلم آخر حققه هذا العام أيضا بعنوان «مرحبا في نيويورك» Welcome to New York
هذا الهجوم كان نتيجة إبلاغ المخرج أن الشركة تطالبه بنسخة جديدة تحتل زمن عرض أقل ما يعني، بالنسبة إليه، إنها تدخلت في حقّه كفنان. المفاجأة التي لم يكن يعلم بها، أن منتجه من عام 2001 فنسنت مارافال (وهو رئيس الشركة الفرنسية «وايلد بنش» أطلق تصريحا مضادا ذكر فيه أن الشركة الموزّعة لم تسأل فيرارا قطع أي مشهد بل وضعت ملاحظات حول بعض المشاهد الجنسية التي قد تعرّض الفيلم لأجندة توزيعية مختلفة. ويضيف في تصريح له لمجلة «ذا هوليوود ريبورتر» التي تصدر أعدادا يومية خاصّة هنا: «معاونون عندي هم الذين قاموا بحذف بعض اللقطات وهي صغيرة لا تذكر وذلك بعدما رفض هو إجراء ذلك»
بعد الحذف أرسل مارافال نسخة إلكترونية من الشريط المُعالج لكن فيرارا رفض مشاهدته وهدد برفع دعوى قضائية على كل من «يلمس الفيلم» حسب قوله وبل أضاف: «كل من يشاهد النسخة المعدّلة من الفيلم هو مذنب أكثر من سواه!».
شكسبير من جديد
بعيدا جدّا عن كل هذا يأتي فيلم جولي تايمور الجديد «حلم ليلة منتصف صيفية» A Midsummer Night‪›‬s Dream، أقرب إلى حبل نجاة بالنسبة لأولئك الذين يريدون دخول السينما للهرب من الواقع وليس للمزيد منه.
جولي تايمور من أكثر مخرجي السينما الأميركية حبّا لوليام شكسبير (لجانب البريطاني كينيث براناه والأميركي آل باتشينو). سنة 1986 أنجزت فيلم فيديو من مسرحية «العاصفة» ثم غابت 13 سنة لتعود سنة 1999 بفيلم «تايتوس» وبعد أن أخرجت «فريدا» سنة 2002 و«عبر الكون» سنة 2007 قامت عام 2010 بتحقيق «العاصفة» من جديد والآن تعود بفيلم آخر تقتبس فيه الكاتب البريطاني المبدع.
«حلم ليلة منتصف صيفية» يختلف، رغم ذلك عن «تايتوس» و«العاصفة» في حين أنه ينتمي إلى المسرح المصوّر. فهي كانت سابقا قد أخرجت عملي شكسبير على نحو يدمج المادة الأصلية بروح المشكلات العصرية وبنجاح. هنا تختار تقديم عرض مصوّر لمسرحية شكسبير كما قامت بإخراجها في العام الماضي على أحد مسارح نيويورك. على صعيد آخر، وكعادتها، لا تفتقر المخرجة للخيال. لديها أفكار خاصّة لم يسبقها إليها أحد في معالجة نص شكسبيري. تملأه بالحيوية والحركة والصور الفنية.
لكن كل هذا كان سيضيع هباء لو أساءت المخرجة اختيار ممثليها أو لو أن أحدهم سقط تحت عبء النص عوض أن يسيطر عليه. تستعين بالبريطانية كاثرين هنتر وبالأميركيين ليلي إنغلرت وديفيد هاروود وتيان بكنو وعدد كبير آخر لتمنحهم فرصة يتوق لها كل ممثل موهوب يعد أن أداء شكسبير بالنسبة إليه هو مثل الوصول إلى حلبة الأوسكار بالنسبة لصانعي الأفلام أو ربما أصعب.
رايتمان الأب والابن
المخرج جاسون رايتمان الذي نال مدحا مستحقا عن فيلميه السابقين «في الجو» Up in the Air وJuno يعود في كوميديا من بطولة أدام ساندلر وجنيفر غارنر مع مشاركة جودي غرير وإيما تومسون. الفيلم هو «رجال، نساء وأطفال» الذي يحيط بشخصيات من أعمار مختلفة تحاول التعايش مع مسلمات الأمس والأزمنة المعاصرة بما حملته من اضطراب في العلاقات الأسرية. هو مأخوذ عن رواية كتبها تشاد كولتجن قبل ثلاثة أعوام بالعنوان نفسه. من قرأ الكتاب وشاهد الفيلم يقول إن العملين يتجاوران من حيث الرغبة في الحديث عما يفرّق الناس في هذه الأيام. الفيلم بحد ذاته يتعامل مع هذا الموضوع بوضوح. لقد دخل الكومبيوتر لا حياة الناس فقط، بل عرين العلاقات العائلية كما يتبدّى في الحكاية الماثلة: دون (ساندلر) يبحر على أثير الشبكة ليشاهد الأفلام الجنسية في نهم واضح، علما بأنه متزوّج ورب عائلة. آخر (أنس إلغورت) أدمن على متابعة ألعاب الفيديو العسكرية العنيفة. وهناك، من بين الشخصيات الأخرى، امرأة شابة تحاول الوصول إلى هوليوود عبر الكتابة عن حياتها العاطفية والجنسية في كل وسيط إلكتروني ممكن لعلها تنجز ما لم تحققه أمها: التحول إلى إعلامية أو إلى ممثلة هوليوودية.
كل من في الفيلم في الواقع يمضي الوقت على الكومبيوتر بمن فيهم امرأة (جنيفر غاردنر) تفهم خطره المحتمل على ابنتها فتمضي الوقت وهي تصطاد المواقع المخلة للآداب أو المنحرفة لكي تمنعها عن ابنتها. غاية نبيلة لكنها تحوّل الأم إلى مدمنة بدورها. الفيلم بذلك يرصد وينتقد أكثر مما يسلي. تستطيع أن تعده عملا جادّا وهادفا ولو أنه فنيّا محدد بأسلوب عمل يتحوّل إلى قدر من الروتينية.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».