توجهات لتطوير «نسخة رقمية بشرية» تطمح إلى الخلود

توظيف أحدث الوسائل العلمية لضمان عيش الأفكار إلى الأبد

توجهات لتطوير «نسخة رقمية بشرية» تطمح إلى الخلود
TT

توجهات لتطوير «نسخة رقمية بشرية» تطمح إلى الخلود

توجهات لتطوير «نسخة رقمية بشرية» تطمح إلى الخلود

كشخص يؤمن بما يسمى فلسفة «ما بعد الإنسان»، فإني أخطط لأن أنعم بحياة أبدية (مفهوم ما بعد الإنسانية تدعمه حركة فلسفية عالمية تدافع عن عملية تحويل وتحسين ظروف الإنسان بواسطة أحدث التقنيات المتطورة لتعزيز ذكائه وجسده - المحرر).
- نسخة رقمية بشرية
مع غياب الضمانات على نجاح العلم في خداع الموت عبر التغلّب على مراحل التقدّم في السنّ والأمراض، بواسطة التجارب العلمية، علينا أنّ نحوّل اتجاه العلوم والتكنولوجيا لإنتاج «نسخة غير فانية من البشر». ومثلما يؤمن كثير من العلماء بمفهوم «ما بعد الإنسانية» Transhumanism، فإني أعتقد أنّه علينا أن نعتمد على وسائل غير مرتبطة باللحم والدمّ، مثل الروبوتات والذكاء الصناعي وغيرها من الوسائل التقنية، لابتكار نسخة رقمية من البشر قادرة على الاستمرار على قيد الحياة للأبد.
هذا النقاش لم يعد نظرياً مع وجود جامعات وشركات تقنية تعمل في تطوير تقنيات قد تنجح يوماً ما في وصل دماغنا بالإنترنت مباشرة. ونحن اليوم نحتاج وبسرعة إلى إجابات حاسمة على أسئلة تتعلّق بطبيعة النسخ الرقمية المستقبلية من البشر.
قدّمت لنا علوم القرن الحادي والعشرين طرقاً كثيرة لصناعة نسخ مقلّدة من أنفسنا كالاستنساخ (ولكنّه مخالف للقانون)، وزراعة ذاكرة موجودة مسبقاً في أدمغة البشر؛ وفي وقت قريب، يجب أن نصبح قادرين على تحميل بيانات من وعينا في كومبيوترات مركزية، فضلاً عن أنّ مهندسين من سيليكون فالي يعملون حالياً على زراعات دماغية تتيح للآلات فهم الفكر البشري في الوقت الحقيقي.
ولكنّ هل يمكن لتطوير نسخة من الإنسان أن تصبح الإنسان نفسه؟ لا يتوقّف الجدال في الدوائر العلمية حول كمال النسخة البشرية، أي تطوير كيان يحتوي على كمّ المعلومات أو البيانات نفسه الموجود في الإنسان الحقيقي، وما إذا ستكون هذه النسخة هي الشخص نفسه، أو نسخة ثانوية منه.
يعتقد الكثيرون أن النسخة هي كيان ثانوي وأقلّ شأناً مصمم على يد مبتكر، بينما يرى آخرون أنّ فائدة هذه النسخة مرتبطة بإمكانيات المبتكرين في استخدامها، كتنمية جسد واستخدام أعضائه لأسباب طبية. ثمّ، يوجد بشر مثلي، يؤمنون أن النسخة تشبهني كثيراً، تماماً كما أشبهها.
- العقل مقابل المادّة
حتى اليوم، لم ينجح أحد في صناعة نسخة مثالية عن البشر، وأقرب نتيجة حصلنا عليها كانت بالاستنساخ. ولكن كون هذه التقنية الأخيرة قادرة على نسخ بيولوجيا الإنسان فقط دون أفكاره أو ذاكرته، يعني أنّ مواصفات النسخة المستنسخة وتجاربها وذكرياتها ستكون مختلفة عن الشخص الأصلي، على اعتبار أنّ تجاربه وظروفه المكتسبة ستكون مختلفة.
أمّا إذا نجحنا خلال عشرين عاما في تطوير تقنية تامّة تتيح لنا تحميل دماغنا على آلة، سيشبه هذا الكيان الناشئ على السحابة الإلكترونية - الإنسان الأصلي إلى درجة كبيرة.
كيف لنا أن ننكر الوعي الذي تتمتع به النسخة الرقمية من البشر إن كنّا غير قادرين على شرح وعينا؟ فالنسخة المثالية من البشر يجب أن تملك الأفكار والمشاعر والرؤى والأخلاق والقيم نفسها، والأهم، أن تملك الإحساس بالذات، دون أن تأتي بالضرورة بالشكل نفسه.
إن النسخة الرقمية المثالية قد تكون عبارة عن برنامج كومبيوتر مصمم ليصدّق أنّه، وكما النموذج البشري الأصلي، متزوج وله ثلاثة أولاد. كما يمكن للنسخة الرقمية من شخص ما أن تأتي على شكل جزيئات دون ذريّة تسبح في الفضاء بواسطة تقنية لا تزال تنتظر تطويرها، ولا تزال تصدّق أنها بشرية.
ولكنّ ذكرياتنا تبدو نفسها، ووظيفتنا نفسها، والمكان الذي نعيش فيه نفسه. وفي الحقيقة، ولأسباب عملية، كلّ شيء سيبدو مشابهاً في عيني الناظر. والأمر نفسه ينطبق على النسخة الرقمية من الإنسان. ففي حال كنا عاجزين عن شرح وعينا على الصعيد الفكري، كيف يمكننا نفي وعي نسختنا الرقمية؟ نملك ما نظنّ ونأمل أنّها الإرادة الحرّة، ولكنّها محدودة بكيلو ونصف الكيلو من اللحم نحملها على الكتفين، تعتبر صغيرة جداً في كون عمره تريليونات من السنين الضوئية.
يقول الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت في عبارته الشهيرة «أنا أفكّر، إذن أنا موجود». ولكنّ مجال الذكاء الصناعي ألهم علماء المستقبل، مثلي، بعبارة أخرى أكثر واقعية وهي «أؤمن بأنني أفكّر، إذن أنا موجود».
ونقولها لأننا دون فهمنا وإيماننا بأننا نفكّر، لن يكون هناك «أنا» أو أي نسخة منطقية عنّا قابلة للشرح بأي وسيلة. وهذه المعضلة سيواجهها أي مخلوق حيّ، بشرياً كان أو رقمياً.
- عيشٌ أبدي
هذا الأمر كافٍ بالنسبة لي كي أؤمن أن أي نسخة منّي هي أنا، وكاف لإقناعي أن البشر يمكنهم حقاً أن يعيشوا إلى الأبد. أنا شخصياً لست واثقا من نوع النسخة التي سأصل إليها في النهاية، ولكنّ الشيء، مهما كان صغيراً، يبقى أفضل من العدم.
في العقود القليلة المقبلة، سأسعى خلف تطوير نسخة «سايبورغ» (كائن سيبراني - بيولوجي) بسيطة من نفسي، ستتألف من أعضاء آلية وأطراف. وعندما تصبح هذه التقنية متوفرة، سأحمّل نفسي على السحابة وسأسعى خلف مزيد من التطوّر.
ولكن لم الاكتفاء بنسخة واحدة من نفسي بينما أستطيع الاختيار بين أنواع كثيرة أخرى؟ وربّما سأطوّر الكثير من النسخ عنّي في المستقبل. عندما يعثر الإنسان على مصباح سحري يضمن له تحقيق ثلاث أمنيات، لا شكّ أنّ أمنيته الأولى ستكون الحصول على عدد غير محدود من الأماني. إن الطموح «ما بعد الإنساني» ضروري جداً للاستمرار، والكثيرون منّا يؤمنون بأن امتلاك أكثر من نسخة من أنفسهم سيكون أفضل للمستقبل.

- «كوارتز»، خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً