البحرين: «جائزة عيسى لخدمة الإنسانية» لمؤسسة باكستانية أسسها «أبو الفقراء»

الشيخ محمد بن مبارك في مجلس أمناء جائزة عيسى لخدمة الإنسانية
الشيخ محمد بن مبارك في مجلس أمناء جائزة عيسى لخدمة الإنسانية
TT

البحرين: «جائزة عيسى لخدمة الإنسانية» لمؤسسة باكستانية أسسها «أبو الفقراء»

الشيخ محمد بن مبارك في مجلس أمناء جائزة عيسى لخدمة الإنسانية
الشيخ محمد بن مبارك في مجلس أمناء جائزة عيسى لخدمة الإنسانية

أعلن مجلس أمناء جائزة عيسى لخدمة الإنسانية في البحرين، أمس، منح مؤسسة «إدهي» أكبر المؤسسات الخيرية الباكستانية التي أسسها رجل الأعمال الباكستاني عبد الستار إدهي المعروف بلقبه: «أبو الفقراء» جائزة «عيسى لخدمة الإنسانية».
وفي مؤتمر صحافي نُظّم في العاصمة البحرينية المنامة، أعلن مجلس أمناء الجائزة الذي يترأسه الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، نائب رئيس مجلس الوزراء، منح مؤسسة (ادهي) EDHI الخيرية في باكستان جائزة عيسى لخدمة الإنسانية في دورتها الرابعة 2018 – 2019.
وأوصت لجنة التحكيم الدولية الخاصة بالجائزة باختيار مؤسسة (إدهي) من بعد عدة تصفيات بين مترشحين من مختلف دول العالم.
وكانت الأمانة العامة للجائزة بالتعاون مع لجنة التحكيم قد أجرت بحثا ميدانيا مكثفاً تناول مواقع عمل المؤسسة والاطلاع على أساليب تقديم خدماتها والتحقق من منجزاتها والمعلومات الواردة في سجلاتها.
وقال الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة «إن مجلس أمناء الجائزة عمل خلال دوراته على استكشاف الأعمال الإنسانية على الساحة الدولية وبالذات ما هو متميز منها وبعيد عن الأضواء».
وتبلغ قيمة الجائزة مليون دولار أميركي، مرفقة بميدالية من الذهب الخالص وشهادة تقديرية عليا، تسلم في احتفالية كبرى يحضرها الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، وتقام في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. وتحضرها شخصيات عالمية شهيرة إلى جانب وفود رسمية وأهلية.
وتعرف مؤسسة (إدهي) EDHI الخيرية الباكستانية، الفائزة بجائزة هذه الدورة، باعتبارها مؤسسة إسلامية تُعد أكبر مؤسسة خيرية باكستانية معروفة على النطاق العالمي في مجال الخدمة الإنسانية. ويغطي عملها كل البشر من جميع الملل والأديان والجنسيات دون تفريق، وأسسها رجل الأعمال الخيرية المعروف عبد الستار إدهي، وهو فاعل خير وناشط اجتماعي وزاهد باكستاني يكنى «أبو الفقراء» و«ملاك الرحمة» وسبق أن رُشح مراراً لنيل جائزة نوبل للسلام.
ويحظى عبد الستار إدهي بتقدير وثقة واحترام كبيرين في بلاده، فقد كرس حياته لخدمة البشر الأكثر فقراً، فأسس مؤسسة خيرية عملاقة من دون أي مساعدات حكومية أو دعم عالمي بنت مستشفيات للولادة ومشارح وأماكن مجهزة لإيواء الأيتام وملاجئ ودوراً للعجزة، وظل إلى حين وفاته في 8 يوليو (تموز) 2016 يعمل بجد في مؤسسته مكرساً حياته وحياة كل أفراد أسرته بأكملها لخير الناس.
وفي بداية حياته انخرط في تجارة الأقمشة التي يمتهنها والده، ولكنّه سرعان ما هجر مهنة أبيه، ومع نفر من أصدقائه أنشأ مستوصفاً صغيراً من حجرة واحدة في حي ميثادار في مدينة كراتشي القديمة. امتلك سيارة صغيرة وأصبح يتجول بها في المدينة ناقلا المرضى وجرحى الحوادث إلى المستشفيات للإسعاف. ومن هذه البداية المتواضعة أفلح في العام 1951 في إنشاء مؤسسة استهوت الآلاف من المتطوعين الذين يتبرعون بوقتهم وجهدهم لمساعدة الآخرين.
وحالياً يدير أبناؤه وبناته 300 مركز للطوارئ منتشرة في كل أقاليم باكستان، تعمل على مدار الساعة بأسطول قوامه 1500 سيارة إسعاف و28 قارب إنقاذ وثلاث طائرات إسعاف صغيرة اثنتان مستأجرتان وتم امتلاك الثالثة، وتتلقى المؤسسة 6 آلاف مكالمة يستقبلها 200 مخابر هاتفي لطلب خدمة الإسعاف يومياً.
وبات لمؤسسة إدهي ملاجئ للأيتام ملحقة بالمدارس الابتدائية والثانوية ودور للمعاقين والأطفال المشردين، وأخرى للمدمنين على تعاطي المخدرات ومساكن للنساء المعتدى عليهن. وهناك مراكز للأمومة ولتنظيم الأسرة ومعاهد لتدريب الممرضات وبنوك للدم ومستوصف للدرن ومستشفى للسرطان.
وتقدم المؤسسة عدة خدمات طبية، حيث تدير 8 مستشفيات مجانية، وعدة مستشفيات للعيون، ومراكز لمرضى السكر، ووحدات جراحية، ومستشفى صغيراً للسرطان، وعدة مستوصفات متنقلة، فضلاً عن بنكين للدم في كراتشي وحدها.
يُذكر، أنّ ملك البحرين حمد بن عيسى أنشأ هذه الجائزة التي تمنح مرة كل سنتين، في العام 2008. تخليداً لذكرى والده الأمير الراحل، وخص بها المشتغلين في مجال الخدمة الإنسانية ممن تتميز أعمالهم وتتفرد بمنجزات غير عادية.
وقد منحت جائزة عيسى لخدمة الإنسانية في دوراتها الثلاث الماضية على التوالي إلى الدكتورة الماليزية جميلة محمود وإلى البروفسور الهندي أشيوتا سامنتا وإلى مستشفى سرطان الأطفال في مصر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».