«طالبان» تسعى لجدول زمني مؤقت لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان

الدستور الضائع صاغه 500 من علماء الشريعة

جنرال أميركي مفاوض.
جنرال أميركي مفاوض.
TT

«طالبان» تسعى لجدول زمني مؤقت لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان

جنرال أميركي مفاوض.
جنرال أميركي مفاوض.

سادت حالة من الترقب كلا الجانبين، حيث التقي الدبلوماسيون من «طالبان»، والأميركيون، في الجولة الأخيرة من محادثات السلام، أمس (السبت). وقال المسؤولون الأفغان والغربيون إنه إذا أعربت أخيراً «طالبان» عن استعدادها للذهاب إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة الأفغانية، فقد يكون الدبلوماسيون الأميركيون على استعداد للعب بورقة التفاوض الرئيسية هذه المرة، وهي تقديم جدول زمني مؤقت لسحب القوات الأميركية من أفغانستان.
تحاشى المتفاوضون هذا المرحلة من الاتفاقات التي دامت تسعة أشهر شهدت ست جولات من المحادثات في العاصمة القطرية الدوحة. ومع ذلك، قد لا يأتي العمل الشاق إلا بعد موافقة مسؤولي «طالبان» والأفغان على الجلوس والبدء في مناقشة تسوية سياسية.
ظلَّت «طالبان» غامضة على المستوى الرسمي بشأن نوع الحكومة التي تتصورها حال انضمامها إلى العملية السياسية. لكن يمكن رؤية بعض الدلائل عن كيفية رؤية المتمردين للسلطة والحكم في دستور صاغته تلك الجماعة خلال حكمها لأفغانستان، وهو الدستور الذي لم يجرِ التصديق عليه قبل إطاحة الولايات المتحدة بـ«طالبان» عام 2001.
حصلت صحيفة «نيويورك تايمز» على نسخة نادرة من مسودة الدستور، وهي عبارة عن وثيقة من 14 صفحة أكدها أشخاص مقربون من «طالبان»، بمن فيهم بعض المسؤولين السابقين الذين شاركوا في صياغة المسودة التي تُعتبر المستند الرسمي الوحيد المعروف الباقي عن الرؤية السياسية للحركة.
تُظهر المسوّدة بصيصاً من التطور، لكنها تعطي أيضاً لمحة سريعة عن حركة ذات تناقضات عميقة داخلها فيما يخص قضايا جوهرية، مثل تعليم المرأة، والعدالة، والتسامح مع الأقليات. ورغم أن الجماعة كانت تحت السيطرة شبه الكاملة لأفغانستان، فإن بعض القضايا الأساسية التي يمكن معالجتها في الدستور، مثل ضمان تعليم الفتيات، جرى تأجيلها أو التلميح بها فقط لتجنب أي مقاومة داخلية، خصوصاً من العسكريين أصحاب النفوذ والأكثر عقائدية، بحسب مسؤولين سابقين.
ووفق أعضاء نشطين، فإن هذه الديناميكية لا تزال موجودة داخل «طالبان» حتى اليوم، وتمثل عقبة كبيرة أمام أي مفاوضات مع حكومة أفغانية توفر الحماية للنساء والأقليات الذين يخشون من احتمال العودة إلى «مدونة (طالبان) المقيدة».
استندت «إمارة أفغانستان الإسلامية»، وهي الاسم الذي أطلقته «طالبان» على حكومتها خلال فترة حكمها من عام 1996 - 2001 إلى ولاء علماء الدين لقائد أعلى سلطة يتمتع بصلاحيات مطلقة، كان ذلك القائد هو الملا محمد عمر، القائد المؤسس للجماعة.
وقد أفاد جلال الدين شينواري، نائب وزير العدل في حكومة «طالبان»، الذي لا يزال على اتصال مع قادتها والمعروف بكراهيته للديمقراطية، بأن التمرُّد الحديث لن يرضى بأقل من عودة الإمارة، وأنه حتى إذا كان الزعماء السياسيون لحركة «طالبان» على استعداد لإبداء قدر من المرونة، فإن قادتها العسكريين هم من سيقررون الخطوط الحمراء للتفاوض.
أضاف شينواري قائلاً: «لن تقبل (طالبان) بالانتخابات. (طالبان) تقول للأميركيين: الآن تقبلون إمارتنا، إذن أعيدوها لنا بالطريقة ذاتها التي سلبتموها منا». أضاف: «إذا تراجع القادة السياسيون، فإن القادة العسكريين لن يفعلوا ذلك، وإذا انتهى الأمر إلى التقسيم، فإن الوضع سيصبح أكثر خطورة مما هو عليه الآن».
من جانبهم، قال مسؤولو الحكومة الأفغانية إن العودة إلى نظام الإمارة لن يكون مقبولا للأفغان، «فالسلام في ظلّ إمارة إسلامية ليس سلاماً». وقال محمد كريم خليلي، رئيس المجلس الأعلى للسلام في أفغانستان، إن هذا يعني استسلام أحد الطرفين للآخر. «لن تستسلم (طالبان)، ولن يقبل شعب أفغانستان بإمارة إسلامية».
20 عاماً مرّت، شهدت خلالها البلاد تغييرين في القيادة، وها قد عادت حركة «طالبان» قوةً صاعدةً مجدداً، لكن قادتها السياسيين الذين يتفاوضون في الدوحة (بعضهم لم يقاتل قطّ على خط المواجهة، وبعضهم ظل بعيداً لأكثر من عقد من الزمان)، جميعهم يعلم أنه يتحتم عليه السير على حبل مشدود مع جناح عسكري يجد نجاحه في ساحة المعركة ضد الحكومة الأفغانية والقوات الأميركية والأوروبية المتضائلة التي تدعمها.
يعلم شينواري جيداً كيف استثمرت «طالبان» في تفسيرها الصارم للسياسة والحكم من خلال منظور إسلامي، فقد كان أحد المسؤولين الأساسيين في الجهود المبذولة لصياغة دستور الإمارة الإسلامية.
عام 1998، عقد الملا عمر لقاءً موسعاً مع نحو 500 من علماء الشريعة لصياغة دستور حكومته. ووصل الرجال من جميع أنحاء البلاد، وتم احتجازهم لمدة ثلاثة أيام في القصر الرئاسي الذي تركه الملا عمر. وقال إن موظفي السيد شينواري قاموا بنسخ جميع الدساتير السابقة بالبلاد، وقسموا رجال الدين إلى لجان لاستعراض الوثائق، وشطب ما اعتبروه مخالفاً لتفسيرهم الإسلامي، ثم توصلوا إلى مسودة لمشروعهم الخاص.
كان أحد الأشياء الأولى التي تم شطبها بنداً من آخر نظام ملكي ترك وراثة العرش مفتوحاً للأعضاء الإناث في العائلة المالكة. قال شينواري: «كان هناك احتجاج على أن ذلك يتعارض مع الشريعة»، في إشارة إلى الشريعة التقليدية... «لذلك تم إلغاؤه».
ونصّ الدستور على اختيار أمير قوي رئيساً للدولة وزعيماً أعلى، لكنه لم يذكر كيفية اختياره، معتبراً أن اختياره أمر مفروغ منه. وتحت قيادة الأمير هناك مجلس إسلامي تقدم إليه الحكومة، برئاسة رئيس مجلس الوزراء.
ليس هناك اعتراف بوجود أقليات في أفغانستان، حيث أعلنت الوثيقة أن الإسلام الحنفي السني هو دين الدولة، وأنه لا يوجد شيء يمكن أن يتعارض مع تعاليم الشريعة.
إلا أن المسوّدة عرضت أيضاً بعض الحريات (رغم أنها تُترك دائماً لتفسير الشريعة)، وكان ذلك بمثابة قفزة كبيرة عما مارسته حركة «طالبان» فعلاً، حيث وعدت بـ«الحرية» ما دامت لم تؤذِ حرية الآخرين أو تتعارض مع الشريعة الإسلامية. وأقرت كذلك مبادئ المحاكمة العادلة دون إكراه أو تعذيب، وصانت حرية الفكر والتعبير «في حدود الشريعة».

- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)
الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)
TT

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)
الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال ضد القوات الأوكرانية، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر وزير الدفاع الأميركي أن هناك نحو 10 آلاف عنصر من الجيش الكوري الشمالي موجودين في منطقة كورسك الروسية المتاخمة لأوكرانيا والمحتلة جزئياً من جانب قوات كييف، وقد تم «دمجهم في التشكيلات الروسية» هناك.

وقال أوستن للصحافة خلال توقفه في فيجي بالمحيط الهادئ «بناءً على ما تم تدريبهم عليه، والطريقة التي تم دمجهم بها في التشكيلات الروسية، أتوقع تماماً أن أراهم يشاركون في القتال قريباً» في إشارة منه إلى القوات الكورية الشمالية.

وذكر أوستن أنه «لم ير أي تقارير مهمة» عن جنود كوريين شماليين «يشاركون بنشاط في القتال» حتى الآن.

وقال مسؤولون حكوميون في كوريا الجنوبية ومنظمة بحثية هذا الأسبوع إن موسكو تقدم الوقود وصواريخ مضادة للطائرات ومساعدة اقتصادية لبيونغ يانغ في مقابل القوات التي تتهم سيول وواشنطن كوريا الشمالية بإرسالها إلى روسيا.

ورداً على سؤال حول نشر القوات الكورية الشمالية الشهر الماضي، لم ينكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذلك، وعمد إلى تحويل السؤال إلى انتقاد دعم الغرب لأوكرانيا.

وقالت كوريا الشمالية الشهر الماضي إن أي نشر لقوات في روسيا سيكون «عملاً يتوافق مع قواعد القانون الدولي» لكنها لم تؤكد إرسال قوات.