كشف استطلاع رأي، أجرته شركة «ميتروبول» البارزة في هذا المجال في تركيا، عن ارتفاع نسبة الأتراك الرافضين للنظام الرئاسي الذي خوَل للرئيس، رجب طيب إردوغان صلاحيات وسلطات غير مسبوقة لأي رئيس تركي. وأوضح الاستطلاع الذي أجري في منتصف يونيو (حزيران) الجاري أنه إذا أعيد الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي أجري في 17 أبريل (نيسان) 2017. وتم بموجبه إقرار النظام الرئاسي، فإن 58.6 في المائة من المواطنين الأتراك سيختارون النظام البرلماني. بينما سيختار 39.4 في المائة النظام الرئاسي. ورأى 50.7 في المائة من عينة الاستطلاع أن النظام الرئاسي لم يكن مفيدا لتركيا، مقابل 30.8 في المائة رأوا أنه مفيد. وبحسب الاستطلاع، اعتبر 48.6 في المائة من المشاركين أن الاقتصاد هو أكبر مشكلة تواجه تركيا، فيما رأى 15.6 في المائة أن البطالة هي المشكلة الأكبر.
وأعاد الفوز الكبير الذي حققه مرشح المعارضة التركية لرئاسة بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو فتح النقاش حول النظام الرئاسي الذي دخل حيز التنفيذ عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة في 24 يونيو (حزيران) 2018. ووجَّه رئيس حزب الشعب الجمهوري، زعيم المعارضة التركية، كمال كليتشدار أوغلو، دعوة صريحة إلى الأحزاب السياسية في البلاد للعمل معاً من أجل إلغاء النظام الرئاسي والعودة إلى النظام البرلماني. وقال في كلمة بالبرلمان، الثلاثاء، «علينا العمل معاً لإلغاء نظام الرجل الواحد، الذي يكفل للرئيس رجب طيب إردوغان، الاستئثار بكافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، كي نؤسس نظاماً ديمقراطياً قوياً».
بدأ رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو مهام عمله مجددا أمس (الجمعة) بعد أن تسلم المنصب للمرة الثانية عقب فوزه في انتخابات الإعادة. وجرى تسليم وثيقة رئاسة البلدية من جانب اللجنة العليا للانتخابات، أول من أمس، وسط تجمع حشد ضخم ضم الآلاف من أنصار حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة والذي ينتمي إليه إمام أوغلو، وحزب الجيد الحليف معه في إطار «تحالف الأمة» ومواطنين من مختلف الانتماءات أمام مبنى رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى رافعين علم تركيا للاحتفال بعودته إلى رئاسة البلدية التي تسلمها لمدة 18 يوما فقط عقب فوزه بفارق ضئيل نسبيا على يلدريم في الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس (آذار) الماضي، قبل أن تلغي اللجنة العليا للانتخابات نتيجة الاقتراع. وقال إمام أوغلو، في كلمة أمام الحشد الجماهيري الضخم الذي غابت عنه التغطية المباشرة من جانب القنوات التركية التي يخضع أغلبها لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة للحكومة: «اليوم هو احتفال بالديمقراطية، احتفال بإسطنبول... سكان إسطنبول أعطوا درساً لحفنة من الناس الذين أرادوا إلحاق الأذى بالديمقراطية». وفاز إمام أوغلو في جولة الإعادة الأحد الماضي بنسبة 54.2 في المائة من أصوات الناخبين مقابل 44.9 في المائة لمنافسه بن علي يلدريم حيث وسع الفارق عن الجولة الأولى للانتخابات من نحو 14 ألف صوت إلى نحو 800 ألف صوت. وانتقد مراقبون تجاهل وسائل الإعلام لنقل خطاب إمام أوغلو على الهواء نظرا لأن مدينة إسطنبول تعد أهم المدن التركية، كما أن انتخاباتها شهدت جدلا واسعا بسبب رفض الرئيس رجب طيب إردوغان الاعتراف بنتيجة الجولة الأولى. وعقب الفوز الكبير لإمام أوغلو الأحد الماضي توقع محللون أتراك أن مهمته لن تكون سهلة على الإطلاق وقد يصطدم بالكثير من العقبات الإعلامية والسياسية والبيروقراطية، في ظل استحواذ إردوغان على جميع السلطات في البلاد في ظل النظام الرئاسي الذي أقر في تركيا العام الماضي. وتعمدت وسائل الإعلام التركية، باستثناء القليل النادر منها عدم ذكر اسم أكرم إمام أوغلو صراحة للتقليل منه وإطلاق وصف «مرشح حزب الشعب الجمهوري» عليه حتى لا يعلق بأذهان الناس، لكنه تكتيك أثبت فشله في ظل التوظيف الناجح لوسائل التواصل الاجتماعي من جانب إمام أوغلو، التي استطاع من خلالها النفاذ إلى مختلف شرائح المجتمع وبخاصة الشباب إضافة إلى المناظرة التلفزيونية التي بثتها قناة «فوكس» الخاصة قبل جولة الإعادة بأسبوع واحد والتي كانت حاسمة في ترجيح كفة إمام أوغلو وحسم أصوات المترددين لصالحه.
ويتمتع إمام أوغلو بشخصية كاريزمية قادرة على النفاذ إلى مختلف شرائح الناس، وهو ما اعتبره مراقبون، مصدر قلق للرئيس التركي الذي ظل مستحوذا على المشهد السياسي والإعلامي منذ أكثر من عقدين، والذي لم يتقبل فكرة أن يصعد سياسي مغمور مثل إمام أوغلو إلى صدارة المشهد السياسي والإعلامي بهذه القوة، التي استدعت إلى الأذهان بدايات إردوغان في إسطنبول عندما فاز برئاسة بلديتها عام 1994. وفي أولى خطوات التضييق على إمام أوغلو، بهدف عرقلة عمله في رئاسة البلدية، والبلديات الأخرى التي خسرتها حكومة العدالة والتنمية أصدرت الحكومة قرارا يقلص من صلاحيات رؤساء بلديات المدن الكبرى. واستبقت وزارة التجارة التركية تسلم إمام أوغلو منصبه، وأصدرت قرارا يوم الأربعاء الماضي يقضي بسحب صلاحية تعيين مديري الشركات المرتبطة ببلدية إسطنبول، وعددها 30 شركة، من رئيسها، ونقلها إلى مجلس البلدية، الذي يمتلك حزب العدالة والتنمية أغلبية أعضائه.
وأثار هذا القرار جدلاً واسعاً في أوساط حزب الشعب الجمهوري، الذي اتهم الحزب الحاكم بإعاقة عمل الفائز برئاسة بلدية إسطنبول، بالإضافة إلى الخطر الذي يمثله السياسي الليبرالي الشاب على مستقبل إردوغان نفسه في السلطة، بعد ظهور أصوات تنادي بتجهيزه لمنافسة إردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2023. ويبلغ إجمالي المبيعات السنوية للشركات التابعة لبلدية إسطنبول وحدها نحو 24 مليار ليرة، أو ما يعادل أكثر من 4 مليارات دولار، لن يستطيع رئيس البلدية التصرف فيها إلا بموافقة أغلبية أعضاء مجلس البلدية وهم من حزب العدالة والتنمية.
وظهرت أولى الآثار المترتبة على قرار وزارة التجارة التركية بشكل ملموس في العاصمة أنقرة، حيث فشل المسؤولون الذين عينوا في مجلس إدارة شركة «خلق إيكميك» (خبز الشعب) من جانب رئيس بلدية أنقرة الجديد منصور ياواش التابع لحزب الشعب الجمهوري في الحصول على موافقة من السجل التجاري، التابع لغرفة تجارة أنقرة، التي يترأسها غورسيل باران، وهو ابن عم زوجة إردوغان، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام التركية.
وكان معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ذكر في تقرير قبل أيام، أن إردوغان يمتلك خطة بديلة حال خسر مرشحه بن علي يلدريم مجددا أمام نجم المعارضة الصاعد أكرم إمام أوغلو، مشيرا إلى أنه لن يسارع إلى إضعافه فور جلوسه على مقعده، خوفاً من احتجاجات واسعة النطاق، بل إنه سيعاود استخدام مخطط المقاربة التدريجية التي استخدمها بعد انتخابات 31 مارس، والتي امتدت على مدى خمسة أسابيع، حيث اضطر إمام أوغلو للانتظار لأكثر من أسبوعين قبل تولي مهام منصبه رسمياً، ثم سمح له الرئيس بتولي المنصب لأقل من 3 أسابيع، قبل أن يطلب من لجنة الانتخابات إبطال النتائج وإبعاده من منصبه، لتستجيب اللجنة في أقل من 48 ساعة.
وتوقع التقرير أن يتأنى إردوغان في اتخاذ خطوات من شأنها إضعاف سلطة إمام أوغلو، مع تمريره تشريعاً برلمانياً عبر نواب العدالة والتنمية والحركة القومية للحد من صلاحياته، وصولاً إلى الخطوة الأكثر فتكاً بالخصم، وهي وقف تمويل المدينة ماليا، وهو الأمر الذي سيؤدي لانهيار الخدمات، ومن ثم انهيار شعبية رئيس البلدية بالتبعية، خاصة في ضوء اعتماد البلديات في تركيا على الحكومة المركزية في ثلثي ميزانيتها.
وتصديقا لذلك، قال إردوغان في حديثه لمجموعة من الصحافيين، أثناء وجوده في اليابان لحضور قمة العشرين: «لن ندعم إمام أوغلو إلا إذا أتى بمشاريع واقعية لصالح إسطنبول، ولكن إذا أتى بمشاريع غير مقبولة، فلن ندعمها أبداً»، لكنه لم يحدد المعايير التي على أساسها سيجري تقييم المشاريع. في المقابل، قال نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري أونال شفيق أوز، إن «إسطنبول مدينة كبيرة وميزانيتها ضخمة، ومن المحتمل أن يحاول إردوغان عرقلة مصادر تمويلها، لكن لديها العديد من الفرص للحصول على تمويلها الخاص».
غالبية الأتراك يرون أن النظام الرئاسي لم يفد بلادهم
إمام أوغلو يبدأ عمله في بلدية إسطنبول بـ«صلاحيات مقيّدة»
غالبية الأتراك يرون أن النظام الرئاسي لم يفد بلادهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة