كامالا هاريس... مرشحة رئاسية ديمقراطية تقود من الوسط

في زحمة الاصطفاف السياسي الأميركي

كامالا هاريس... مرشحة رئاسية ديمقراطية تقود من الوسط
TT

كامالا هاريس... مرشحة رئاسية ديمقراطية تقود من الوسط

كامالا هاريس... مرشحة رئاسية ديمقراطية تقود من الوسط

في عام 2008، تكهّن كثيرون بأنها ستكون واحدة من بين أبرز النساء اللواتي قد يصبحن «السيدة رئيسة الولايات المتحدة». وبعد عشر سنوات صُنّفت بأنها ستكون على قائمة أهم المرشحين الديمقراطيين في السباق الرئاسي لعام 2020. وبالفعل هذا ما حصل، عندما وقفت على منصّة أول مناظرة سياسية بين المرشحين الديمقراطيين، في مواجهة كبار متصدّري استطلاعات الرأي، رغم أن السباق لا يزال في بدايته.
إنها السيناتورة الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا كامالا هاريس، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها عدّاءة سياسية شرسة وصلبة. وكانت هاريس في يونيو (حزيران) 2018 قد أعلنت أنها لا تستبعد الترشح في مواجهة الرئيس دونالد ترمب، ومع بداية عام 2019 أعلنت هاريس رسمياً خوضها السباق الرئاسي (2020). وخلال 24 ساعة من إعلانها ترشّحها جمعت تبرّعات قياسيّة مساوية للتبرعات التي جمعها بيرني ساندرز بُعيد ترشحه لانتخابات 2016. وفي المناظرات التي شهدتها مدينة ميامي بالأمس كان أداء هاريس قوياً ولافتاً... حاز إعجاب المحللين.
حضر المهرجان الانتخابي الأول للسيناتورة كامالا هاريس في يناير (كانون الثاني) 2019 نحو 20 ألف شخص في مدينتها أوكلاند، «جارة» مدينة سان فرانسيسكو بشمال ولاية كاليفورنيا. وشكّل هذا الإقبال الكبير «صدمة» لمنافسيها الذين شعروا بخطورتها على حظوظهم، على الأقل في مواصلة السباق الحزبي للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي.
ولكن رغم أن معظم مهرجانات هاريس الانتخابية تستقطب حضوراً مميزاً، فإنها تجهد لتقديم فلسفة خاصة بها، في ظل الاستقطاب الحاد الذي يشهده الحزب الديمقراطي، والمجتمع الأميركي عموماً، ما يجعل تقديم تصنيف سياسي أو آيديولوجي لها، دونه صعوبات جمّة.

البحث عن هوية
هاريس تقدّم نفسها على أنها صاحبة حلول عملية بدلاً من الرؤى الشاملة. وكانت قد قالت في مهرجان انتخابي بولاية ساوث كارولينا، الجمعة الماضي: «مهم أن يكون لديك أفكار كبيرة حول كيفية إصلاح هذا العالم، لكن من المهم أيضاً، ويمثل أولوية بالنسبة لي تقديم حلول لمعالجة الأشياء التي تجعل الأشخاص يستيقظون في منتصف الليل». ويعكس وقوفها على مسرح واحد أمام كبار منافسيها في أول مناظرة سياسية، على رأسهم نائب الرئيس السابق جو بايدن وبيرني ساندرز، حجم التحدّي الذي تواجهه.
ساندرز (اليساري أصلاً خارج صفوف الحزب الديمقراطي) صنّف نفسه مع السيناتورة إليزابيث وارين (من ولاية ماساتشوستس) كممثلين للتيار اليساري، في حين أعلن بايدن أنه يمثل موقع الوسط، واعداً بإلحاق الهزيمة ترمب. أما هاريس فتشتهر بأنها «مُدّعية عامة سابقة»، تشارك كعضو مجلس شيوخ في الجلسات العامة للمجلس، وليس للدفاع عن أي نهج سياسي معين.
الآن ثمة أصوات كثيرة تطالب هاريس بأن تعجّل في بلورة فلسفتها الآيديولوجية. وبينما يحمل منافسوها برامج واضحة ومحددة، ويعتقد كثيرون أنها قد تمثل التغيير المطلوب، فإن قلَّة منهم تبدو قادرة على تحديد نوع التغيير الذي ستحدثه.
البعض يقول إنها براغماتية أكثر منها آيديولوجية، وإنها شخصية عملية تسأل دوماً عن انعكاس أي قرار على حياة الناس. وحقاً، تقول جيل حبيب، التي عملت مستشارة لهاريس عندما ترشّحت لمنصب المدعية العامة، ولاحقاً لعضوية مجلس الشيوخ عن كاليفورنيا: «من حيث منهجية كيفية تحقيق أهدافها، هاريس ليست آيديولوجية للغاية». ومن ثم، فالحصيلة حتى الآن هي مجموعة سياسات تتشكل غالباً من مواقف حدثيّة تتماشى مع الصراع الديمقراطي السائد في الولايات المتحدة.

حلول عملية مباشرة
من جهة ثانية، فإن الخيط الذي يربط مقترحاتها هو التركيز على ما قدّمته كإجراءات عملية، بدلاً من الحلول طويلة الأجل؛ إذ تؤيد هاريس الرقابة على الأسلحة الفردية، وحلّ قضية المواطنة بالنسبة لأطفال المهاجرين غير الشرعيين وأوليائهم، عبر قرارات تنفيذية رئاسية، كالتي اتخذها ترمب - وقبله أوباما - في مواجهة اعتراضات الكونغرس.
أيضاً، تؤيد هاريس تقديم مساعدات للمستأجرين وحوافز ضريبية للطبقة الوسطى بقيمة 6 آلاف دولار أميركي، ما يوفر مزايا ملموسة على المدى المباشر، بدلاً من البرامج الأكثر جذرية التي تقدمها السيناتورة اليسارية وارين، التي تتعهد بتفكيك شركات التكنولوجيا الكبرى، مثلاً.
واليوم تدافع هاريس، ومثلها مساعدوها، في حملتها الانتخابية، عن دعوتها لرفع رواتب المعلمين بمعدل 13500 دولار، لمساواتهم بفئات المهنيين المتعلمين، بما يضمن تحسين نتائج الطلاب وبيئة التعليم، ليتبيّن بعدها أنه اقتراح يتطابق مع برامج نقابات المعلمين. وكما دافعت عن المعلمين، تعهدت هاريس أخيراً بفرض غرامات قاسية على الشركات التي تميز في الأجور بين النساء والرجال، في اقتراح مباشر لم يطرحه أي منافس ديمقراطي لها. ومن المعروف، عموماً، أن المرأة العاملة الأميركية تحصل على 80 سنتاً مقابل كل دولار يحصل عليه الرجل.
في أي حال، وكما سبقت الإشارة، حتى الساعة لم تطلق هاريس أي وصف أو تسمية لموقعها. هل هي من يسار الوسط أو يمين أقصى اليسار أو في أي مكان بينهما. بل عندما سألتها مراسلة صحافية عما إذا كانت «من أتباع ديمقراطيي أوباما» ردت هاريس ببساطة: «أنا كامالا». وراهناً، تكثّف السيناتورة الكاليفورنية الطموحة نشاطها في الولايات الأربع التي ستشهد تصويتاً مبكراً، وصار لديها نادٍ للمعجبين باسمها، في تقليعة تشبه نادي المعجبين بالمغنية بيونسيه. غير أن استطلاعات الرأي المُبكّرة في ولاية كاليفورنيا، بالذات، تظهر إمكانات هاريس وحدودها، إذ عندما طُلب من الناخبين الديمقراطيين اختيار المرشحين الأول والثاني، جاءت نتائجها مشابهة لكل من بايدن ووارين، بحسب أحد الاستطلاعات. لكن عندما طلب منهم تحديد الخيار الأول، تراجعت هاريس وراء بايدن ووارين وحتى ساندرز.

النشأة... والصعود السريع
وُلِدت كامالا هاريس يوم 20 أكتوبر (تشرين الأول) 1964، لعائلة متعلّمة ومثقفة؛ فأبوها المهاجر من جامايكا، دونالد هاريس، بروفسور اقتصاد في جامعة ستانفورد المرموقة. أما أمها شيامالا غوبالان فهي مهاجرة هندية تاميلية من مدينة شيناي (مدراس سابقاً) واختصاصية بسرطان الثدي. ثم إن أختها مايا محامية وإعلامية ومحللة وناشطة سياسية لامعة. وهي حالياً متزوجة من المحامي دوغلاس إيمهوف.
تلقت كامالا تعليمها الجامعي في جامعة هوارد بالعاصمة الأميركية واشنطن، ثم حازت على إجازة الحقوق من جامعة كاليفورنيا - هايسينغز. وباشرت ممارسة العمل القانوني محامية وقاضية جنباً إلى جنب مع نشاطها السياسي. ومع بداية عام 2017 أصبحت من بين أصغر أعضاء مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا، وكانت قد شغلت قبل هذا المنصب منصب المدعية العامة (أو وزيرة العدل) في الولاية من عام 2011 وحتى عام 2017. وقبل ذلك كانت المدعية العامة لمدينة سان فرانسيسكو، من عام 2004 وحتى 2011.

معركة مجلس الشيوخ
في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 هزمت هاريس منافستها الديمقراطية لوريتا سانشيز للحلول مكان السيناتورة (المتقاعدة) بربارا بوكسر، لتصبح ثالث امرأة تمثّل كاليفورنيا في مجلس الشيوخ الأميركي، وأول أميركية من أصول جامايكية وهندية في هذا المنصب. والجدير بالذكر أن نجم هاريس بدأ يلمع منذ عام 2008. وسرعان ما حظيت هاريس باحترام وتقدير معظم قيادات الحزب الديمقراطي. وفي فبراير (شباط) 2016 صوّت مؤتمر الحزب الديمقراطي لصالح هاريس بنسبة 78 في المائة، أي أكثر بـ18 في المائة من النسبة المطلوبة، وهي 60 في المائة لضمان ترشيح الحزب. ورغم ذلك، وبما أن تأييد الحزب لا يضمن لأي مرشح مكاناً في الانتخابات العامة، فإن المرشحين يشاركون في انتخابات أولية واحدة في يونيو، ثم يتقدّم المرشحان الأول والثاني، بصرف النظر عن هويتيهما الحزبية، إلى الانتخابات العامة. وهنا، نالت هاريس تأييد 48 مقاطعة من أصل 58 في ولاية كاليفورنيا، وتغلّبت على منافستها الديمقراطية (أيضاً) سانشيز في الانتخابات العامة، وهذا، بعدما فشل الحزب الجمهوري للمرة الأولى من إيصال مرشح له إلى انتخابات مجلس الشيوخ، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تحصل منذ بدأت كاليفورنيا انتخاب أعضاء مجلس شيوخها مباشرة عام 1914.
في 8 نوفمبر 2016، فور فوز هاريس بمقعدها في مجلس الشيوخ، تعهَّدت بحماية المهاجرين من سياسات الرئيس المنتخب دونالد ترمب. ويوم 21 يناير (كانون الثاني) 2017، أي في اليوم الثاني على تنصيب ترمب، وصفت هاريس رسالته بـ«المظلمة»، خلال مشاركتها في أكبر مظاهرة نسائية في واشنطن. ويوم 28 يناير أدانت هاريس القرار الرئاسي الذي أصدره ترمب لمنع مواطني سبع دول غالبيتها مسلمة من دخول الولايات المتحدة، واصفة القرار بأنه يحظر المسلمين.
بعد ذلك، في فبراير من العام نفسه، اعترضت هاريس على ترشيح بيتسي دي فوس وزيرة للتعليم، وجيف سيشنز وزيراً للعدل. وفي أول خطاب لها أمام الكونغرس خصّصت 12 دقيقة لانتقاد سياسات ترمب تجاه المهاجرين. وفي مارس (آذار) طالبت باستقالة سيشنز بعدما تحدّثت تقارير عن اتصاله بالسفير الروسي في واشنطن، سيرغي كيسلياك، مرتين. وفي أعقاب صدور تقرير المحقق الخاص روبرت مولر في قضية التدخل الروسي في انتخابات 2016 وإعاقة التحقيقات، دعمت هاريس المطالبة بعزل الرئيس ترمب. ويوم 14 مارس 2017 اعتبرت أن إلغاء الجمهوريين «برنامج الحماية الصحية» المعروف بـ«أوباما كير» رسالة بأن التأمين الصحي «ترف» وليس حقّاً مدنياً.
ولفتت هاريس انتباه الإعلام الأميركي أكثر خلال جلسة استماع للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، عندما سألت نائب المدعي العام رود روزنشتاين عن علاقته بطرد مدير «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (إف بي آي) السابق جايمس كومي. وبسبب طبيعة أسئلتها المُحرجة، خصوصاً أنها محامية وقاضية، بادر كل من السيناتور الجمهوري الراحل جون ماكين والسيناتور ريتشارد بر، رئيس اللجنة، إلى مقاطعتها طالبين منها أن تظهر احتراماً أكبر للشاهد. وهذا، مع أن أعضاء ديمقراطيين في اللجنة ذكروا أنهم طرحوا أسئلة مشابهة على الشاهد، لكنهم لم يتعرّضوا للمقاطعة. وتكرّر الأمر خلال جلسة استماع أخرى مع وزير العدل جيف سيشنز، حيث قاطعها أيضاً ماكين وبر. ووصف سيشنز أسئلتها بأنها تثير أعصابه. وقال شيوخ ديمقراطيون إنها السيناتور الوحيد الذي تجري مقاطعته في جلسات الاستماع بشكل فظّ من قبل رئيس اللجنة. ووصف الإعلام مقاطعتها بأنها سلوك ذكوري تجاه سيدة عضو في مجلس الشيوخ، وبأنها ما كانت لتُقاطع فيما لو كانت رجلاً.
وفي موضوع آخر، انتقدت هاريس رئيس شركة «فيسبوك»، مارك زوكربرغ، بسبب طريقة استخدام الشركة لمعلومات المواطنين، وزارت خلال يونيو 2018 أحد مراكز احتجاز المهاجرين اعتراضاً على سياسة فصل العائلات، وانتقدت خلال جلسة تثبيت قاضي المحكمة العليا بريت كافانوه على اختصار تحقيقات «إف بي آي» في ماضيه.

سياسة خارجية تقليدية
ورد اسم هاريس بين القيادات الديمقراطية التي كانت هدفاً للرسائل المفخّخة التي أُرسِلت عبر البريد، العام الماضي. ودافعت وحدها عن النائبة الأميركية المسلمة إلهان عمر التي انتقدت ما سمته بـ«اللوبي» اليهودي. وقالت هاريس إنه ينبغي أن نحظى بصوت يحترم النقاش حول السياسات بما يضمن دعم إسرائيل والولاء للوطن، وبأن هناك فارقاً بين انتقاد السياسات والسياسيين ومعاداة السامية.
لكنها في المقابل، خلال مؤتمر «أيباك» (أقوى اللوبيات الداعمة لإسرائيل في أميركا) قالت إن إسرائيل ينبغي ألا تكون قضية خلافية بين الحزبين، وتعهدت بالعمل بما في وسعها لضمان أمنها وحقها في الدفاع عن نفسها، ورفضت حركة المقاطعة ضدها. كما أنها أسهمت مع أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ في إصدار قانون يعترض على قرار مجلس الأمن الدولي «2334»، الذي يدين إسرائيل بسبب بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلَّة. كما صوتت على قرار في مجلس الشيوخ للاحتفال بالذكرى الخمسين «لتوحيد القدس»، والتقت في نهاية 2017 برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.
مواقفها الأخرى تجاه القضايا العربية تعكس الخط العام المتخبِّط للقادة الديمقراطيين، ففي أبريل (نيسان) 2017 وعلى أثر هجمات خان شيخون الكيميائية في سوريا، وصفت هاريس الرئيس السوري بشار الأسد بأنه «ليس فقط ديكتاتوراً وحشياً ضد شعبه، بل مجرم حرب، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهله». ودعت الرئيس ترمب إلى وضع استراتيجية مع الكونغرس حول سوريا بالتنسيق مع الحلفاء. لكنها في المقابل، تؤيد الاتفاق النووي الإيراني وتنتقد موقف الرئيس دونالد ترمب منه، معتبرة أن إلغاءه يعرّض الأمن القومي للخطر ويعزل الولايات المتحدة عن حلفائها.
واستطراداً، بينما تعتبر هاريس الاتفاق بأنه «أفضل وسيلة لمنع طهران من الحصول على السلاح النووي وتجنب صراع كارثي في الشرق الأوسط»، فإنها صوّتت في مجلس الشيوخ على قرارات لوقف المساعدات العسكرية للمملكة العربية السعودية أو على صفقات السلاح على خلفية حرب اليمن.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.