فرنسا تسجل أعلى درجة حرارة في تاريخها

حرائق في كاتالونيا ووفاة شخص في إسبانيا واستمرار موجة الحر في أوروبا

زوار يحتمون من أشعة الشمس تحت «مشروع شماسي سمائية» للفنانة البرتغالية بتريشيا كونا في إيه أون بروفنس وسط استمرار موجة الحرارة الشديدة (أ.ف.ب)
زوار يحتمون من أشعة الشمس تحت «مشروع شماسي سمائية» للفنانة البرتغالية بتريشيا كونا في إيه أون بروفنس وسط استمرار موجة الحرارة الشديدة (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تسجل أعلى درجة حرارة في تاريخها

زوار يحتمون من أشعة الشمس تحت «مشروع شماسي سمائية» للفنانة البرتغالية بتريشيا كونا في إيه أون بروفنس وسط استمرار موجة الحرارة الشديدة (أ.ف.ب)
زوار يحتمون من أشعة الشمس تحت «مشروع شماسي سمائية» للفنانة البرتغالية بتريشيا كونا في إيه أون بروفنس وسط استمرار موجة الحرارة الشديدة (أ.ف.ب)

سجلت فرنسا، الجمعة، أعلى درجات حرارة في تاريخها، حيث ضربت موجة ساخنة جنوب البلاد.
وقالت هيئة الأرصاد الجوية الوطنية (ميتيو فرانس) إن بلدة كاربنترا، جنوب البلاد، القريبة من أفينيون، سجلت درجة حرارة بلغت 3.‏44 درجة مئوية، أمس.
وكانت أعلى درجة حرارة سابقة قد بلغت 1.‏44 درجة مئوية، وجرى تسجيلها أيضاً في جنوب فرنسا، خلال موجة حر في أغسطس (آب) 2003، قد تسببت في وفاة نحو 15 ألف شخص.
وحذرت «هيئة الأرصاد الفرنسية» من أن درجة الحرارة القياسية الجديدة مؤقتة، ولا يزال من الممكن أن تشهد ارتفاعاً في إطار موجة الحر الحالية، وهناك 4 إدارات في جنوب فرنسا على وضع «الإنذار الأحمر»، حيث تم إلغاء جميع الأنشطة الرياضية، وأغلقت نحو 4 آلاف مدرسة أبوابها.
وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، في تقرير لها من جنوب فرنسا، أنه يحرص كبار السن على الخروج قبل الثامنة صباحاً للتبضع في مونبيلييه. وتقول سوزيت ألاغر، الثمانينية التي وضعت قبعة ونظارات شمسية وهي تمشي بصعوبة، وتحمل بيدها شبكة التسوق: أذهب مع افتتاح المتجر. الشمس حارقة حتى في هذا الوقت، وأشعر بثقل التلوث».
وتضيف المرأة التي تصف نفسها بأنها «ابنة الجنوب»، وتؤكد أنها لطالما كانت «قادرة على تحمل الحر»، أنها تخشى «هذا القيظ الجهنمي»، وتقول: «بعد التسوق، أعود إلى المنزل، وأبقى في الداخل بعد أن أغلق النوافذ وأشغل المروحة».
وفي المتجر، حيث خلت رفوف عبوات الماء، ولم تبق ولا مروحة، عبرت سونيا تافيرنييه عن استيائها وهي تستعد للتوجه لقضاء الإجازة بعد الظهر مع طفليها الصغيرين في سيارة قديمة غير مكيّفة.
وتتوقع الأرصاد الفرنسية أن «تتجاوز الحرارة 45 درجة مئوية، وهو أمر لم يسبق له مثيل في فرنسا»، باستثناء المناطق الفرنسية خارج القارة. وتحسباً لما قد ينجم عن ذلك، وضعت 4 إدارات في جنوب فرنسا لأول مرة في حالة التيقظ الحمراء، وهي الأشد قسوة، وتستدعي تعبئة خدمات الطوارئ، وتعزيز التدابير الاحترازية، مراعاة للأكثر ضعفاً.
وفي إسبانيا، حيث تتعدى درجات الحرارة 40 درجة مئوية في أغلب الأيام، توفي شاب في السابعة عشرة من عمره كان يحصد في الأندلس جراء «ضربة شمس»، وفق السلطات التي ذكرت أن الشاب قد أصيب «بدوار»، الخميس، وسقط في بركة ماء في الأرض التي كان يعمل فيها، لكنه شعر بتشنج لدى خروجه من الماء.
وذكر بيان للحكومة الإقليمية أن الشاب الذي نقل على جناح السرعة إلى مدينة قرطبة المجاورة «توفي بعد خضوعه لتدليك القلب».
ووضعت 34 من بين 50 مقاطعة في إسبانيا في حالة تأهب تحسباً من الحرائق، لا سيما في كاتالونيا، حيث يكافح رجال الإطفاء حريقاً اجتاح بالفعل 6500 هكتار.
وكافح 400 رجل طوال الليل هذه الحرائق، وفقاً لبيان صادر عن رجال الإطفاء. ومنذ السابعة صباحاً، استأنفت الطائرات والمروحيات دوراتها لمحاولة وقف تقدم النيران.
وقال البيان إنه «رغم أن الحريق لم يتوقف في الوقت الراهن، فإننا لا نواجه جبهات مشتعلة بضراوة».
وكان رئيس دائرة الداخلية الكاتالونية، ميكيل بوخ، قد حذر من أن الموجة الحارة ستصل إلى ذروتها مع درجات حرارة تفوق 40 درجة، وأوصى السكان باتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر.
وفي فرنسا، أصيب طفل سوري يبلغ من العمر 6 سنوات بجروح خطيرة مساء الخميس، بسبب ضغط المياه المنبعثة لدى فتح صنبور لإطفاء الحريق في إحدى ضواحي باريس.
والخميس، توالت درجات الحرارة القياسية المسجلة في جزء كبير من أوروبا: 38.9 درجة في جمهورية تشيكيا، و38.6 في ألمانيا، و38.2 في بولندا.
ويترقب الفرنسيون بخشية كبيرة نهاية هذه الموجة مخافة تكرار موجة القيظ التي اجتاحت أجزاء كبيرة من البلد في عام 2003، وأودت بحياة 15 ألف شخص. وقالت وزيرة الصحة الفرنسية أنييس بوزين: «سيتم إلغاء أو تأجيل الرحلات المدرسية والمناسبات الاحتفالية ما لم تنظم في أماكن باردة، دون الحاجة إلى الانتقال والتعرض للحرارة».
وفي إيطاليا، يتوقع أن تكون الحرارة على أشدها في الشمال الغربي، حيث تصل درجة الحرارة إلى 40 في بييمونتي، أو 39 درجة في جنوة وتوسكاني. وعثر على مشرد سبعيني ميتاً صباح الخميس في ميلانو، بسبب الإعياء الناجم عن الحر.
وقال الرئيس إيمانويل ماكرون إن موجات الحرارة هذه في فترات غير معتادة بالنسبة لفرنسا، يتوقع أن تتكرر جراء الاحتباس الحراري، وأضاف من طوكيو أنه «سيتعين علينا تغيير تنظيم أنفسنا وطريقة عملنا (...) وطريقة بناء منازلنا»، مشدداً على «ضرورة تكيف المجتمع وممارساته»، تبعاً لتغير أحوال الطقس.


مقالات ذات صلة

شركات طيران أميركية تلغي أكثر من 1300 رحلة بسبب عاصفة شتوية

الولايات المتحدة​ طائرة تتبع خدمة الشحن «يو بي إس» في مطار محمد علي الدولي في لويسفيل خلال عاصفة شتوية (أ.ف.ب)

شركات طيران أميركية تلغي أكثر من 1300 رحلة بسبب عاصفة شتوية

ألغت شركات الطيران في الولايات المتحدة أكثر من 1300 رحلة بسبب عاصفة شتوية مصحوبة بالثلوج والجليد ودرجات حرارة تصل إلى الصفر في مناطق شاسعة بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق محافظة طريف سجّلت أدنى درجة مئوية في السعودية السبت عند واحدة تحت الصفر (واس)

السعودية: استمرار انخفاض درجات الحرارة... وأمطار على معظم المناطق

سجّلت محافظة طريف (شمال السعودية) درجة مئوية واحدة تحت الصفر، هي الأدنى في البلاد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق التقرير المناخي المعني بفصل الشتاء في السعودية يُشير إلى اعتدال نسبي هذا العام (واس)

موجة باردة تؤثر على دول الخليج... والحرارة تصل للصفر

موجة باردة تشهدها دول الخليج تسببت في مزيد من الانخفاض لدرجات الحرارة، لتقترب من درجة صفر مئوية في عدد من المناطق.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق استمرت أقوى موجة برد شهدتها السعودية 7 أيام متواصلة (واس)

متى شهدت السعودية أقوى موجة برد تاريخياً؟

شهدت السعودية قبل 33 عاماً أقوى موجة برد في تاريخها، واستمرت 7 أيام متواصلة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق موظف في مدينة ميامي يوزع زجاجات المياه على المشردين لمساعدتهم على التعامل مع درجات الحرارة المرتفعة (أ.ب)

الهند: عام 2024 كان الأعلى حرارة منذ 1901

أعلنت إدارة الأرصاد الجوية الهندية، الأربعاء، أن عام 2024 كان الأكثر حرّاً منذ سنة 1901، في ظل ظروف الطقس الحادة التي يشهدها العالم.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)