مشغل مواهب الموسم... مختبر فني لأطفال أصيلة

يستقبل 400 طفل ويمتد طيلة السنة

أطفال أثناء رسمهم بمشغل مواهب الموسم بقصر الثقافة (الشرق الأوسط)
أطفال أثناء رسمهم بمشغل مواهب الموسم بقصر الثقافة (الشرق الأوسط)
TT

مشغل مواهب الموسم... مختبر فني لأطفال أصيلة

أطفال أثناء رسمهم بمشغل مواهب الموسم بقصر الثقافة (الشرق الأوسط)
أطفال أثناء رسمهم بمشغل مواهب الموسم بقصر الثقافة (الشرق الأوسط)

بحماس وشغف، يستقبل أطفال أصيلة دروسهم في مشغل مواهب الرسم، ضمن فعاليات منتدى أصيلة الثقافي الدولي الـ41. يسابقون الوقت، ويبكرون في الحضور للورشة قبل انطلاق موعدها بساعة من الزمن، يقفون في قصر الثقافة على أتم الاستعداد وبريق الفرح يتلألأ من أعينهم، كي يرسموا ويستمتعوا بما تخطه أناملهم من صباغة وألوان، وما تزخر به مواهبهم من إحساس مرهف ومشاعر بريئة.
يصل عدد الأطفال المستفيدين من هذه الورشة إلى نحو 400 طفل، ينقسمون إلى أفواج، وتتراوح أعمارهم بين 4 سنوات و17 سنة، ينحدرون من مدينة أصيلة ونواحيها، كما يستفيد منها أطفال من مدن مختلفة، وحتى من خارج المغرب، بيد أن أصيلة مدينة سياحية تستقطب في هذه الفترة أفواجاً كبيرة من السياح المغاربة والأجانب.
وفي جو بهيج مفعم بالمرح والنشاط، يتلقى الأطفال دروساً تعلمهم المفاهيم الأساسية في الرسم، وكيفية التعامل مع الصباغة والألوان، ليطلقوا العنان أمام مخيلتهم وإبداعهم الفطري في تزيين الأوراق برسوماتهم وأشكالهم الفنية.
وليس غريباً أن تكون المشرفة على مشغل مواهب الرسم الفنانة التشكيلية المغربية كوثر الشريكي، وهي من مواليد مدينة أصيلة، التي كانت بالأمس القريب إحدى المستفيدات من هذه الورشة في أول مواسم منتدى أصيلة.
واظبت منذ أن كانت طفلة على الحضور، واستفادت من أنشطة هذا المشغل، وساهم ولعها وحبها للرسم، وتأثرها بكبار الفنانين من مختلف دول العالم المشاركين في مواسم أصيلة، بأن تمضي في طريق الفن، وتتوج مسارها بالتخرج من مدرسة الفنون الجميلة.
تقول الشريكي إن أهمية الورشة تبرز من النشوة التي يبديها الطفل في أثناء تعلمه واستمتاعه وفرحته بالرسم، بعيداً عن المدرسة وأجوائها، بيد أنه يغير نمط حياته، ويتلقى تجربة فريدة يخاطبها باللون والريشة، وتوضح أن الطفل مثلاً عندما يتلف لوحته يبدأ في البكاء، لكنها تطمئنه بالقدرة على إصلاحها عندما تجف، فيتعلم الطفل بطريقة غير مباشرة أن الحياة يمكن أن نصلح فيها الأخطاء، ونحصل على نتيجة أفضل من الأول.
وذكرت الشريكي أن هناك فئة من الأطفال ينالون فرصتهم داخل المشغل لإنتاج لوحات مبدعة وأعمال في غاية الجمال دون إدراك منهم لأهميتها، وعزت ذلك إلى أن هؤلاء الأطفال يستمدون إلهامهم ويعبرون عنه بالرسم من إحساسهم البريء الفطري، مشيرة إلى التركيز العالي الذي يتحلون به في أثناء الرسم، دون لمس هواتفهم أو دردشة.
وتتوج أعمال الأطفال داخل المشغل بتقديمها في معرض فني جماعي يمتد على طول السنة، وبعدها تحفظ في الأرشيف، إذ تشكل تاريخاً فنياً، ومدرسة مر منها كثير من الأطفال الذين أصبحوا من كبار الفنانين التشكيليين، ومنهم من عثر في أرشيف المشغل على أعماله الفنية منذ التسعينات.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».