مزاد «كريستيز» في جدة التاريخية: بيع كل الأعمال... والشلتي الأعلى سعراً

الحضور والمكان يتألقان في ليلة الفن والتاريخ

جانب من المزاد العالمي «الفن للبلد» في بيت نصيف بجدة التاريخية (الشرق الأوسط)
جانب من المزاد العالمي «الفن للبلد» في بيت نصيف بجدة التاريخية (الشرق الأوسط)
TT

مزاد «كريستيز» في جدة التاريخية: بيع كل الأعمال... والشلتي الأعلى سعراً

جانب من المزاد العالمي «الفن للبلد» في بيت نصيف بجدة التاريخية (الشرق الأوسط)
جانب من المزاد العالمي «الفن للبلد» في بيت نصيف بجدة التاريخية (الشرق الأوسط)

ليلة أول من أمس مع اقتراب موعد انعقاد المزاد الذي تنظمه وزارة الثقافة مع دار «كريستيز» في بيت نصيف بالحي التاريخي لمدينة جدة، بدا البيت شامخاً متألقاً كعادته يبسط حضوره على الساحة الصغيرة المحيطة به، غير أن بابه الخشبي العتيق كان مغلقاً في انتظار ضيوف المزاد الذي يُعقد داخله للمرة الأولى. خطوات تبعدنا عن حضور المناسبة المقتصرة على نخبة من المهتمين بالفنون في السعودية. داخل المنزل التاريخي اصطفت المقاعد في انتظار المزايدين ولأن البيت غير مصمم لمثل هذه التجمعات تم تقسيم صالة المزاد إلى صالتين متجاورتين يفصل بينهما جدار صغير، وما بين الصالتين وضعت منصة سترتقيها لاحقاً راعية المزاد الأميركية ليديا فيرنيت التي وصلت إلى جدة الليلة السابقة للمزاد.
في انتظار المزاد تبدأ الصفوف في الامتلاء ومع الأحاديث الجانبية بين الحضور نلمح بينهم مَن يحمل اللافتة الخاصة بدار «كريستيز» والتي يحملها مَن يرغب في المزايدة، وعليها رقم خاص للتعريف بالمزايد. يظهر عدد من الفنانين الذين تُعرض أعمالهم منهم الفنان راشد الشعشعي، كما يحرص قسورة حافظ صاحب «غاليري حافظ»، أحد المشاركين في تنظيم المزاد، على التجول والسلام على الحاضرين ومتابعة سير الأمور. سرعان ما ازدادت أعداد الحاضرين وامتلأت المقاعد واضطر البعض إلى الوقوف لمتابعة سير المزاد.
مع امتلاء القاعة تظهر راعية المزاد ليديا فيرنيت التي بدت للوهلة الأولى كأنها إحدى الحاضرات مرتدية عباءة من اللون الأحمر القاني، ولكنها سرعان ما اتخذت مكانها على منصة المزايدة لتشرف على القاعتين، وبابتسامة وحيوية بثّت النشاط في الحضور ليبدأ المزاد.
البداية لا شك كانت بطيئة، وأحست فيرنيت بذلك وأخذت على عاتقها بث الحماس في الجمهور قائلة لهم: «في أي مزاد خيري أتوقع أن أرى الأيدي تعلو بشكل أكبر». تمضي فيرنيت في عرض اللوحات وتبدأ المزايدات، يبدو الأمر متردداً في البداية ولكن الجانب الأغلب من الجمهور متمرس على العملية وجاء متحضراً وعينه وجيبه على عمل بذاته. يقول قسورة حافظ تعليقا ّعلى الأمر: «في كل المزادات تكون الدقائق الأولى هادئة ولكن سرعان ما يتغير الأمر، وما تفعله دور المزادات عادةً هو وضع أعمال معروفة وقوية في البداية لتبث النشاط في الحضور».
بعض الأعمال لم تحصل على المبالغ المقدرة لها ولم تُبَع ولكنّ هناك أعمالاً أخرى نجحت في الحصول على مبالغ مرتفعة لتباع في دقائق قصيرة مثل عمل الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن الذي حصد نحو 500 ألف ريال سعودي (133.333 دولار) وقوبل ذلك بالتصفيق من الحاضرين. وتربعت بعد ذلك لوحة الفنان السعودي عبد الله الشلتي «الطواف حول الكعبة» على المبيعات محققةً 650 ألف ريال سعودي (173 ألف دولار). يقول قسورة حافظ: «الشلتي فنان رائع، وأنا سعيد بأن اللوحة الأعلى سعراً كانت عن مكة المكرمة». أما اللوحة الثالثة التي حققت سعراً مرتفعاً فكانت للفنان السعودي عبد الله الشيخ بعنوان «شاهد في الصحراء» وسجلت مبلغ 380 ألف ريال سعودي (101.333 دولار).
ومع بيع كل قطعة كان الجمهور المجاور للشخص المزايد يلتفت إليه مهنئاً بكلمة «مبروك» تقال بلطافة وروح جميلة.
في منتصف المزاد ينتقل مايكل جيها رئيس مجلس إدارة «كريستيز» في الشرق الأوسط، إلى منصة راعية المزاد ليهمس لها، لتلتفت إلى الجمهور معلنةً: «هناك سيدة قررت شراء جميع الأعمال التي لم تُبَع»، تعلو همهمات الاستحسان من الحاضرين، وإن كانت المشترية لم تعلن عن نفسها فقد حققت جانباً كبيراً من غرض المزاد الخيري وحصلت في المقابل على مجموعة من الأعمال الفنية المتميزة.
المزاد حصد ما يقارب الـ1.3 مليون دولار وحقق هدفه بالكامل وهو تقديم الدعم للبلد في جدة ولمركز «العون» لتعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. يعلق حافظ: «الجميع تعاون على إنجاح المزاد؛ فريق وزارة الثقافة والفريق المنظم للفعالية، الجميع تعاون لإنجاح الفعالية، وفي النهاية ما حدث كان دعماً حقيقياً، فالفن جمع كل هؤلاء الناس، لم يكن الأمر فقط لبيع الأعمال الفنية وإنما للعمل الخيري».
من جانبه أكد عبد الكريم الحميد المتحدث باسم وزارة الثقافة، أن المزاد حقق هدفه من دعم لمتحفٍ يقام في البلد بجدة وأيضاً لمؤسسة تُعنى بتعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وأيضاً أظهر ثروة من المواهب الفنية التي توجد في المملكة وفي العالم العربي.
أما مايكل جيها رئيس مجلس إدارة «كريستيز» في الشرق الأوسط، فعلق قائلاً: «سعداء جداً بمساهمتنا في هذا المشروع الضخم الذي يؤكد التزام (كريستيز) بدعم الفنانين والثقافة والمحافظة على التاريخ في المنطقة. مزاد الليلة الماضية حقق نجاحاً هائلاً ونحن سعداء بإتاحة الفرصة لنا لتقديم الدعم».
ويشبّه حافظ تأثير المبنى على الحضور بأنه كان مثل السحر، وأجدني أوافقه في مشاعره وإن كان السحر امتدّ إلى خارج المبنى لتلك الطرقات الممتدة من بيت نصيف مروراً بسوق «قابل» الشهير ثم بسوق «الذهب». بعد المزاد استقل عربة «الغولف كارت» المعدّة لنقل زوار فعالية موسم جدة، تفوح في الطرقات روائح جميلة محملة بالذكريات من محلات العطارة ومحلات العطور ممتزجة بأصوات المارة والباعة وزوار المنطقة التي تعيش حالة انتعاش جميلة أعادت إليها الكثيرين من المواطنين والمقيمين.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».