مصطفى المصمودي... كاتب الدولة التونسي للإعلام

مصطفى المصمودي... كاتب الدولة التونسي للإعلام
TT

مصطفى المصمودي... كاتب الدولة التونسي للإعلام

مصطفى المصمودي... كاتب الدولة التونسي للإعلام

عَلَـم من رموز الإعلام في المغرب العربي، الإقليم الثري بالإنسان والفكر والثقافة، من تونس والجزائر والمغرب إلى موريتانيا، وفي كل زاوية منه علماء ومؤلفون ورواة ومبدعون، لكن الجسور بينه وبين أقاليم المشرق ما تزال واهية، وقنوات الثقافة ومراكز الفكر على الضفّتين عاجزة عن تجسير التواصل بشكل مثالي بينهما، رغم وجود المنظمة العربيّة المعنيّة بالتربية والثقافة والعلوم (الأليكسو) في تونس نفسها.
يلتبس اسم شخصيّة المقال (د. مصطفى) مع السياسي رجل الدولة التونسي محمد المصمودي الذي شغل منصب وزير خارجيّة تونس بين عامي 1970 و1974، إبّان عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، وكان مهندس الوحدة التي فشلت مع ليبيا، وتوفي عام 2016 في تونس، وكنت قد التقيته مقيماً في باريس عام 1990، ‏في بيت السفير السعودي في فرنسا آنذاك جميل الحجيلان.
د. مصطفى المصمودي (موضوع المقال) يؤخذ هنا نموذجاً من رموز الإعلام في السبعينات، من قُطر عربي أنتج فطاحل في العصر الحديث، كالثعالبي وابن عاشور والشابّي والطاهر الحدّاد وبيرم التونسي (مقيماً في مصر)، وعشرات غيرهم، وامتلأت تونس العاصمة والقيروان بدور العلم والجامعات والمكتبات، وبالكفايات الإسلاميّة والصحافية والتعليميّة والعلميّة، انتثر منهم من تفرّق في قارّتي أوروبا وأفريقيا على وجه الخصوص.
د. مصطفى المولود في صفاقس عرفتُه كاتب الدولة للإعلام (وزير الإعلام 1974 - 1978) في حكومة الهادي نويرة (عهد الرئيس بورقيبة)، وكان صلاح الدين بن حميدة حينئذٍ مديراً عاماً لمؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسيّة. درس د. مصطفى الإعلام والحقوق والعلوم الاقتصادية في جامعتي باريس وتونس، وحصل على دكتوراه الدولة في العلوم السياسيّة من جامعة باريس، ثم درّس في الجامعة التونسيّة.
وبعدما ترك حقيبة الإعلام، شارك في عمل اللجنة الدوليّة التي شكّلتها منظمة اليونيسكو لدراسة نظام الإعلام العالمي، فوضعت تقريراً شهيراً تدارس أسباب الخلل الإعلامي في تدفّق المعلومات بين الدول النامية والدول المتطوّرة، وأثار جدلاً واسعاً في حينه، تسبب في امتعاض الولايات المتحدة ودول أخرى. وكانت اليونيسكو قد شكّلت تلك اللجنة عام 1977 من ستة عشر عضواً يمثّلون القارّات، برئاسة شون ماكبرايد، وهو آيرلندي حصل على جائزة نوبل للسلام، وعقدت اللجنة ندوات وحلقات بحث لدراسة أوضاع الإعلام والاتّصال في العالم، وانتهى بشكله النهائي عام 1980 في تقرير عنوانه «أصوات متعددة وعالم واحد.. الاتصال والمجتمع اليوم وغداً)، وقد صدر بالعربيّة بعنوان «النظام الإعلامي الجديد»، بتقديم من د. محمد الرميحي، من قِبـل مجلة «عالم المعرفة» (العدد 94)، وهي سلسلة كتب شهريّة يصدرها المجلس الوطني الكويتي للفنون والعلوم والآداب.
تعزّزت الصداقة مع د. المصمودي عندما طلب منه مدير عام «الأليكسو» حينها د. محيي الدين صابر، فيما بعد، رئاسة مجموعة عربيّة لوضع استراتيجيّة الإعلام العربي، في موازاة تقرير اليونيسكو آنف الذكر، وصدرت تلك الاستراتيجيّة العربيّة بعنوان «النظام العربي الجديد»، وكنت عضواً في اللجنة المذكورة، إلى جانب د. زكي الجابر (من العراق)، ود. محمد الرميحي (من الكويت)، وآخرين، التي عقدت اجتماعاتها في مقر المنظمة بتونس.
زار د. المصمودي السعودية في أوائل الثمانينات، وقدّم محاضرة لطلّاب الإعلام في جامعة الملك سعود بالرياض، ألقى فيها الضوء على التقريرين، وكان من بين أفكاره آنذاك المناداة بتصنيع ورق الصحف في العالم العربي إما باستخدام المواد الأوّليّة أو بتدوير مواد ورقيّة سبق استعمالها.
وأسّس في تونس عام 1985 الجمعيّة التونسيّة للاتّصال، وانتخب عام 1986 عضواً بمجلس النوّاب التونسي عن دائرة مدينته صفاقس. وفي عام 1987، عُيّن سفيراً لتونس في منظمة «اليونيسكو» بباريس، ومن مؤلفاته كتاب «الاقتصاد الإعلامي في تونس» (1975)، وكتاب «أفريقيا أمام تحدّيات الطريق السريعة للإعلام» (1995)، وكتاب «العرب في المجتمع الإعلامي» (2002)، وكتاب «المجتمع المدني العربي في زمن الثورة الرقمية» (2002). وكان قد أسّس «حركة تونس الجديدة» بعد الثورة، عام 2011.
افتقدتُه قبل أعوام، فعرفتُ مما كانت قد نشرته صحيفة «الشروق» التونسيّة في 26 سبتمبر (أيلول) 2013 أنه توفّي في تونس ظهيرة ذلك اليوم (الخميس)، ودفن في مسقط رأسه (صفاقس). وذكّرت «الجرس» التونسيّة بنظرته الاستشرافية الثاقبة في مجالات الاتصال والفضاء الذي كان سبّاقاً إليه في إرساء منظومة الاستشعار عن بُعد في تونس، وعقد أول مؤتمر عالمي للأقمار الصناعية فيها، وتركيز النظام العالمي الجديد لمجتمع المعلومات والمعرفة، متفانياً في خدمة وطنه إلى آخر رمق في حياته.
وبعد؛
عرفه مَن حَوله بأنه دبلوماسي رفيع، وإعلامي مترفّع، وذو دماثة عالية، وصاحب مثاليّات مهنيّة تستوجب الاحترام.
- إعلامي وباحث سعودي


مقالات ذات صلة

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية

باتريك سون شيونغ (أ.ب)
باتريك سون شيونغ (أ.ب)
TT

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية

باتريك سون شيونغ (أ.ب)
باتريك سون شيونغ (أ.ب)

في كل انتخابات رئاسية وعامة تشهدها الولايات المتحدة، كان للمؤسسات الإعلامية الأميركية على الدوام نصيب من تداعياتها. وفي العادة أن جلّ المؤسسات الاعلامية كانت تنحاز لأحد طرفي السباق، حتى في بعض الانتخابات التي كانت توصف بأنها «مفصلية» أو «تاريخية»، كالجارية هذا العام. بل وكان الانحياز يضفي إثارة لافتة، لا سيما إذا «غيّرت» هذه المؤسسة أو تلك خطها التحريري المألوف، في محاولة للظهور بموقف «حيادي».

غير أن الواقع كان دائماً يشير إلى أن العوامل التي تقف وراء هذا «التغيير» تتجاوز مسألة الحفاظ على الحياد والربحية وتعزيز المردود المالي. إنها سياسية بامتياز، خصوصاً في لحظات «الغموض والالتباس» كالتي يمر بها السباق الرئاسي المحتدم هذا العام بين نائبة الرئيس كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي والرئيس السابق دونالد ترمب مرشح الحزب الجمهوري.

مقر «اللوس أنجليس تايمز» (أ.ب)

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح!

يوم الجمعة، أعلن ويليام لويس، الرئيس التنفيذي وناشر صحيفة «واشنطن بوست»، التي يملكها الملياردير جيف بيزوس، رئيس شركة «أمازون» العملاقة، أنها لن تؤيد أي مرشح رئاسي لا في هذه الانتخابات، ولا في أي انتخابات رئاسية مستقبلية. وأضاف لويس، في مقال: «نحن نعود إلى جذورنا بالإحجام عن تأييد المرشحين الرئاسيين... هذا من تقاليدنا ويتفق مع عملنا في 5 من الانتخابات الـ6 الأخيرة». وتابع لويس: «ندرك أن هذا سيُفسَّر بطرق مختلفة، بما في ذلك اعتباره تأييداً ضمنياً لمرشح واحد، أو إدانة لمرشح آخر، أو تنازلاً عن المسؤولية... هذا أمر لا مفر منه. لكننا لا نرى الأمر بهذه الطريقة. إننا نرى ذلك متوافقاً مع القِيَم التي طالما دافعت عنها صحيفة (واشنطن بوست)». واختتم: «إن وظيفتنا في الصحيفة هي أن نقدّم من خلال غرفة الأخبار، أخباراً غير حزبية لجميع الأميركيين، وآراءً محفزة على التفكير من فريق كتّاب الرأي لدينا لمساعدة قرائنا على تكوين آرائهم الخاصة». إلا أنه في بيان وقّعه عدد من كبار كتّاب الرأي في الصحيفة، بينهم ديفيد إغناتيوس ويوجين روبنسون ودانا ميلبنك وجينيفر روبن وروث ماركوس، وصف الموقّعون القرار بأنه «خطأ فادح». وتابع البيان أن القرار «يمثّل تخلّياً عن المُعتقدات التحريرية الأساسية للصحيفة... بل في هذه لحظة يتوجّب على المؤسسة أن توضح فيها التزامها بالقيَم الديمقراطية وسيادة القانون والتحالفات الدولية والتهديد الذي يشكله دونالد ترمب على هذه القيم...». ومضى البيان: «لا يوجد تناقض بين الدور المهم الذي تلعبه (واشنطن بوست) بوصفها صحيفة مستقلة وممارستها المتمثّلة في تقديم التأييد السياسي... وقد تختار الصحيفة ذات يوم الامتناع عن التأييد، لكن هذه ليست اللحظة المناسبة، عندما يدافع أحد المرشحين عن مواقف تهدّد بشكل مباشر حرية الصحافة وقِيَم الدستور».

مقر «الواشنطن بوست» (آ. ب.)

... وأيضاً «لوس أنجليس تايمز»

في الواقع خطوة «واشنطن بوست» سبقتها، يوم الأربعاء، استقالة مارييل غارزا، رئيسة تحرير صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، كبرى صحف ولاية كاليفورنيا، احتجاجاً على منع مالك الصحيفة، الملياردير باتريك سون شيونغ، مجلس التحرير من إعلان تأييد هاريس. وهذه الخطوة أشاد بها ترمب، وعلّقت حملته، في بيان، بأن «زملاء هاريس في كاليفورنيا يعرفون أنها ليست مؤهلة للوظيفة». غارزا كتبت في رسالة استقالتها «أن الصمت ليس مجرد لامبالاة، بل هو تواطؤ»، معربة عن قلقها من أن هذه الخطوة «تجعلنا نبدو جبناء ومنافقين، وربما حتى متحيّزين جنسياً وعنصريين بعض الشيء». وأردفت: «كيف يمكننا أن نمضي 8 سنوات في مهاجمة ترمب والخطر الذي تشكّله قيادته على البلاد ثم نمتنع عن تأييد المنافس الديمقراطي اللائق تماماً الذي سبق لنا أن أيدناه لعضوية مجلس الشيوخ؟»، في إشارة إلى هاريس. من جانبه، كتب سون شيونغ، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن هيئة التحرير «أتيحت لها الفرصة لصياغة تحليل واقعي» للسياسات التي يدعمها كل مرشح خلال فترة وجوده في البيت الأبيض، وعلى مسار الحملة الانتخابية، كي يتمكّن «القراء (أنفسهم) من تحديد مَن يستحق أن يكون رئيساً»، مضيفاً أن الهيئة «اختارت الصمت»!

هل الدافع تجاري؟

بالمناسبة، سون شيونغ يُعد من الداعمين للديمقراطيين عموماً، يرجح البعض أن يكون الدافع وراء موقفه الاعتبارات التجارية، ومنها جذب مزيد من القراء، بمَن فيهم الموالون للجمهوريين، لرفع نسبة الاشتراكات والدعايات والإعلانات، عبر محاولة تقديم الصحيفة بمظهر وسطي غير منحاز. كذلك، سون شيونغ، الطبيب والقطب في مجال التكنولوجيا الحيوية من منطقة لوس أنجليس، الذي ليست له أي خبرة إعلامية، كان قد اشترى الصحيفة التي يزيد عمرها على 140 سنة والشركات التابعة لها، مقابل 500 مليون دولار عام 2018. لكن خسائر الصحيفة استمرت، ما دفعه إلى تسريح نحو 20 في المائة من موظفيها هذا العام. وذكرت الصحيفة أن مالكها اتخذ هذه الخطوة بعد خسارة «عشرات الملايين من الدولارات» منذ شرائها.

ترمب يدعو لإلغاء تراخيص الأخبار

ما حصل في «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز» سلّط حقاً الضوء على التحديات التي تواجهها المؤسسات الإعلامية الأميركية وسط الضغوط المتزايدة عليها، وتحويلها مادة للسجال السياسي.

وفي الواقع، تعرّضت وسائل الإعلام خلال العقد الأخير للتهديدات ولتشويه صورتها، وبالأخص من الرئيس السابق ترمب، الذي كرر اتهام منافذ إخبارية كبرى بالتشهير، ومنع الصحافيين من حضور التجمّعات والفعاليات التي تقام في البيت الأبيض، وروّج لمصطلح «الأخبار المزيفة»، الذي بات يتبناه الآن العديد من قادة اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم.

وفي حملات ترمب الجديدة على الإعلام، اقترح أخيراً تجريد شبكات التلفزيون من قدرتها على بث الأخبار، إذا كانت تغطيتها لا تناسبه. وكتب على منصته «تروث سوشال» في الأسبوع الماضي «يجب أن تخسر شبكة (السي بي إس) ترخيصها. ويجب وقف بث برنامج (60 دقيقة) على الفور». وكرّر مطالبه في الخطب والمقابلات، مردداً دعواته السابقة لإنهاء ترخيص شبكة «الإيه بي سي» بسبب استيائه من الطريقة التي تعاملت بها مع المناظرة الوحيدة التي أُجريت مع هاريس.

وقال في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» الداعمة له: «سنستدعي سجلاتهم»، مجدداً ادعاءه أن تحرير الشبكة لمقابلتها مع هاريس في برنامج «60 دقيقة»، كان «مضللاً» ورفض عرض الشبكة إجراء مقابلة معه. وأيضاً رفض الإجابة عما إذا كان إلغاء ترخيص البث «عقاباً صارماً»، ليشن سلسلة من الإهانات لهاريس، قائلاً إنها «غير كفؤة» و«ماركسية».