«كانيكول» هي المفردة الأكثر تردداً في وسائل الإعلام وعلى ألسنة الفرنسيين حالياً. وهي تعني موجة القيظ التي تضرب البلاد حتى نهايات الأسبوع الجاري. وأعلنت دائرة الأرصاد الجوية أن المدن الفرنسية تتعرض لارتفاع كبير في درجات الحرارة؛ حيث من المتوقع أن تتجاوز تلك التي عرفتها فرنسا في عام 2003.
وبحسب باسكال سكافينيه، مسؤول النشرة الجوية في القناة التلفزيونية المخصصة للطقس، فإنه يمكن لدرجات الحرارة أن تصل في بعض مناطق البلاد إلى 45 درجة مئوية. وهو مستوى يعتبر قياسياً وغير مسبوق. كما أن الطقس الساخن لن يكون جافاً كما هي العادة؛ بل مصحوباً بالرطوبة.
ومنذ الموجة التي ضربت فرنسا في عام 2003 وراح ضحيتها 15 ألف شخص، معظمهم من المسنين، فإن «الكانيكول» صار مرادفاً للزلازل والفيضانات وكوارث الطبيعة. ويرى الخبراء أن درجات الحرارة العالية ستصبح، بسبب التغيرات المناخية، حقيقة ثابتة في موسم الصيف مع حلول عام 2050. وما بين عقد وآخر من السنين، لوحظ أن معدلات الحرارة ترتفع ما بين درجتين و5 درجات مئوية في باريس. لذلك أعلنت وزيرة الصحة آنييس بوزين عن خطة شاملة قد جرى وضعها للتعامل مع الموجة؛ بحيث تمر بأقل ما يمكن من الأضرار. وبهذا فإن أقسام الطوارئ في المستشفيات تعمل بطاقتها القصوى لتأمين النجدة للمسنين وللأطفال الرضع، وللفئات التي تحتاج للمساعدة الطبية. ونشرت الوزارة على موقعها الإلكتروني قائمة بالتوصيات والنصائح الواجب اتباعها لتقليل «ضحايا» القيظ إلى أقل عدد ممكن.
ويهرب سياح الخليج والشرق الأوسط من شموسهم الساخنة إلى مصايف أوروبا فيجدونها لا تختلف عن بلادهم؛ بل إن منطقة شمال القارة تمر بفترة استثنائية من ارتفاع درجات الحرارة تفوق معدلات المناطق الجنوبية في إسبانيا وإيطاليا والبرتغال. ومن المنتظر أن يأخذ القيظ مداه في المناطق الجنوبية والشرقية من فرنسا حتى بدايات الأسبوع المقبل. في حين ستحافظ مقاطعة بروتاني الواقعة على المحيط الأطلسي، غرب البلاد، على درجات أخف وطأة. وفي باريس؛ حيث من المتوقع أن تصل الدرجة إلى 39 مئوية، تجري استعدادات «رسمية وشعبية» لمواجهة القيظ وكأن العاصمة تدخل حرباً ضد عدو فتاك. ويتمثل أول خطوط الدفاع بتخزين قناني الماء والإكثار من شرب السوائل وارتداء القبعات والعوينات الواقية من الشمس. وكذلك ترطيب الجسم عدة مرات خلال النهار. وصار من المعتاد أن يحمل ركاب مترو الأنفاق وحافلات النقل العام بخاخات الماء المضغوط في حقائبهم، لترطيب وجوههم ورقابهم أثناء التنقل.
ولوحظ أن الجهات الرقابية تلقت تعليمات بالتساهل مع باعة عبوات المياه الغازية والمرطبات على الأرصفة. وهو من الأعمال المؤقتة التي تمارسها فئة من المهاجرين من دون رخصة رسمية.
ونظراً لأن معظم المساكن غير مهيأة لهذا النوع من الطقس الحار، تحولت النوافير وضفاف نهر السين إلى مقصد للمتنزهين في اليومين الماضيين من عطلة نهاية الأسبوع. كما قصدت العائلات مناطق الغابات القريبة، مثل بولونيا وفنسين وفانتنبلو، لقضاء النهارات الصيفية الطويلة التي لا تغيب عنها الشمس قبل العاشرة مساء.
ولاجتذاب الزبائن نصب أصحاب المقاهي بخاخات للرذاذ على أرصفة شرفاتهم. وهو ما لجأت إليه البلدية في المناطق السياحية التي تشهد زحاماً خانقاً وحالات إغماء. وكالعادة، تشهد متاجر بيع المراوح الكهربائية والمكيفات هجمة تهدد بعجز عن تلبية الطلبات التي تفوق ما هو معروض لديها من أجهزة تبريد. كما ظهرت في السنوات الأخيرة شركات فرنسية تنتج وسائل جديدة لطرد الحرارة، منها الأغطية والشراشف وحشوات السرير التي توصل بالكهرباء، والمزودة بممرات للهواء البارد. وبحسب منتجي هذا النوع من البضائع فإن 73 في المائة من الفرنسيين يعانون من الأرق في فترات القيظ. وفي مثل هذا الموسم، قبل 40 سنة، أطلق المغني الفرنسي إريك شاردون أغنية بعنوان «سيكون الصيف ساخناً». ولقيت الأغنية شعبية كبيرة في حينها، ثم دخلت أدراج النسيان. وها هي تعود اليوم إلى برامج الإذاعات وإلى الحفلات الشبابية، وكأنها التعبير الأمثل عن حالة «الكانيكول» التي لا حديث للفرنسيين سوى عنها.
فرنسا تواجه موجة القيظ وكأنها تدخل حرباً
خطة للطوارئ ونصائح صحية ومكيفات وبخاخات على الأرصفة
فرنسا تواجه موجة القيظ وكأنها تدخل حرباً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة