اكتشاف لوحات حجرية في موقع أثري قرب السليمانية

يعود لعهد الإمبراطور الساساني نرسي

من اللوحات الحجرية التي تم اكتشافها في موقع بيكولي الأثري في السليمانية
من اللوحات الحجرية التي تم اكتشافها في موقع بيكولي الأثري في السليمانية
TT

اكتشاف لوحات حجرية في موقع أثري قرب السليمانية

من اللوحات الحجرية التي تم اكتشافها في موقع بيكولي الأثري في السليمانية
من اللوحات الحجرية التي تم اكتشافها في موقع بيكولي الأثري في السليمانية

اكتشف فريق خبراء آثار بجامعة سباينزا الإيطالية، برئاسة أستاذ علم الآثار البروفسور جان فيليبو، مجموعة كبيرة من اللوحات الحجرية، في موقع أثري سحيق يدعى بيكولي، يقع على بعد 100 كلم، إلى الجنوب الشرقي من محافظة السليمانية، في إقليم كردستان العراق، وذلك بالتعاون مع مديرية الآثار، التي تولت بدورها، وعلى مراحل، نقل تلك الألواح الحجرية إلى متحف الآثار الشهير في مدينة السليمانية.
ويقول مدير المتحف خبير الآثار هاشم حمه عبد الله، إن تلك الألواح الحجرية هي جزء من مسلّة كبيرة تم اكتشافها كموقع أثري، منذ أواخر القرن الثامن عشر، وتم إدراجه فيما بعد على قائمة المواقع الأثرية المهمة في العراق، عام 1924، عندما تمكن عالم الآثار الألماني هيرسفيلد، من تصوير وتوثيق تلك الألواح.
وأضاف عبد الله لـ«الشرق الأوسط»: «مديرية الآثار في السليمانية تمكنت عام 1997 من جمع ونقل الألواح الحجرية التي كانت قد تبعثرت جراء التقلبات التي شهدتها المنطقة، إلى متحف السليمانية، وعددها أكثر من 120 لوحة حجرية تعود إلى عهد الملك الساساني نرسي، الذي حكم المنطقة، للفترة من 293 إلى 302 بعد الميلاد، وذلك لحفظها من العبث وتأثيرات المناخ، ووضعها في قسم استُحدث بالمتحف مؤخراً، يختص بعهد الإمبراطورية الساسانية وتاريخها».
ويتابع: «منذ عام 2006 يتعاون معنا فريق من خبراء الآثار عن جامعة سباينزا الإيطالية، الذين اكتشفوا مؤخراً مزيداً من تلك الألواح الحجرية في موقع بيكولي، وتمكنوا من قراءة الكتابات المنقوشة عليها».
ويشير عبد الله إلى أن الموقع الأثري بُني حسب الكتابات الموجودة على تلك الألواح، التي يزيد وزن الواحدة منها على مائة كيلوغرام، في عهد الإمبراطور الساساني نرسي، الذي كان يتخذ من أرمينيا عاصمة له، ويهيمن بنفوذه على المنطقة بأسرها وصولاً إلى مشارف اليونان، ويوجد الموقع بالقرب من ممر استراتيجي يخترق سلاسل جبال قرداغ الشاهقة، جنوب شرقي محافظة السليمانية، موضحاً أن المسلَّة شيدها الإمبراطور نرسي، عندما زار المنطقة تلبية لطلب من وجهاء وأعيان القبائل والأقوام الذين سكنوا هناك، والذين أهابوا به لإنقاذ نظام الحكم الساساني من المخاطر المحدقة به جراء استبداد وجور الملك بهرام الثالث، النجل الأكبر لابن شقيق الإمبراطور، الذي كان فتى مستهتراً وغير قادر على إدارة الحكم في المنطقة، لذا حضر الإمبراطور وحسم الموقف، واستقبل في ذلك الموقع (بيكولي) استقبالاً مهيباً من قبل وجهاء وأعيان المنطقة، فأمر بتشييد تلك المسلة التاريخية التي تحمل كتابات منقوشة على هيئة جمل قصيرة، تسرد جانباً من تلك القصة.
ومن جانبه، يقول البروفسور جان فيليبو، أستاذ الآثار بجامعة سباينزا في روما: «نعمل مع أفراد فريقنا المؤلف من عشرة خبراء ومجموعة من طلبة قسم الآثار في الجامعة، في ذلك الموقع منذ عام 2007، بالتعاون مع خبراء مديرية الآثار في السليمانية، وقد تمكنّا من استخراج ونقل أكثر من مائة وعشرين لوحة حجرية، إلى متحف السليمانية على مراحل، وما زال هناك المزيد من العمل الذي ينبغي إنجازه في موقع بيكولي الأثري الذي يكتسب أهمية تاريخية عظيمة، كونه ينطوي على إرث تاريخي ثمين»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الكتابات الموجودة على تلك الصخور، كتبت باللغتين البهلوية، أي الفارسية الوسطى، والفرثية، وقد كتب في إحدى تلك اللوحات ما يلي: «عندما وصلنا إلى آسوريستان تم إنشاء هذا النصب التذكاري، الأمراء والنبلاء وأصحاب الأملاك وحكام المقاطعات حضروا جميعاً لمقابلتنا».
وهناك كتابات أخرى تمجد الإمبراطور نرسي، وتخلد ذكرى اعتلائه العرش ودوره في حماية نظام السلالة الحاكمة وقتذاك.


مقالات ذات صلة

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

العالم العربي الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال كلمته (سبأ)

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

في لحظة وصفت بـ«التاريخية»، أعلنت الحكومة اليمنية استرداد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية، ووضعها بمتحف المتروبوليتان للفنون بمدينة نيويورك بشكل مؤقت…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق دهشة الذكاء الاصطناعي (رويترز)

الذكاء الاصطناعي «نجم» رسوم عمرها 2000 عام في بيرو

تُعدّ خطوط نازكا، التي تعود إلى 2000 عام مضت، رسوم لنباتات وحيوانات، يمكن رؤيتها فقط من السماء. وقد أُعلنت ضمن مواقع التراث العالمي لـ«يونيسكو» عام 1994.

«الشرق الأوسط» (بوينس آيرس)
يوميات الشرق إطلالة على مدينة طرابلس اللبنانية من أعلى قلعتها الأثرية (الشرق الأوسط)

«جارة القلعة» تروي حكاية طرابلس ذات الألقاب البرّاقة والواقع الباهت

لا يعرف معظم أهالي طرابلس أنها اختيرت عاصمة الثقافة العربية لهذا العام، لكنهم يحفظون عنها لقب «المدينة الأفقر على حوض المتوسط».

كريستين حبيب (طرابلس)
شمال افريقيا مبنى المتحف القومي السوداني في الخرطوم (متداول)

الحكومة السودانية تقود جهوداً لاستعادة آثارها المنهوبة

الحكومة السودانية عملت على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية وتأمين 76 موقعاً وصرحاً أثرياً تاريخياً في ولايات نهر النيل والشمالية، وجزء من ولاية الخرطوم.

وجدان طلحة (بورتسودان)
يوميات الشرق من أعمال التنقيب في موقع زبالا التاريخي المهمّ على درب زبيدة (واس)

السعودية... آمالٌ تُفعّلها المساعي لالتحاق مواقع بقائمة التراث العالمي

العمل قائم على تسجيل مواقع جديدة في القائمة الدولية للتراث العالمي، من أهمها دروب الحج القديمة، لا سيما درب زبيدة، بالإضافة إلى ملفات أخرى تشمل الأنظمة المائية.

عمر البدوي (الرياض)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».