سلوفاكيا الخارجة من رحم «ربيع براغ»

دبابات سوفياتية خلال قمع «ربيع براغ» عام 1968 (غيتي)
دبابات سوفياتية خلال قمع «ربيع براغ» عام 1968 (غيتي)
TT

سلوفاكيا الخارجة من رحم «ربيع براغ»

دبابات سوفياتية خلال قمع «ربيع براغ» عام 1968 (غيتي)
دبابات سوفياتية خلال قمع «ربيع براغ» عام 1968 (غيتي)

ظلّت العلاقة بين سلوفاكيا وروسيا ملتبسة على مدى عقود، وصحيح أن التأسيس الأول لجمهورية تشيكوسلوفاكيا تم في عام 1918، حينما أعلنت استقلالها عن الإمبراطورية النمساوية المجرية، وظلّت قائمة حتى 1993 لتنقسم إلى دولتين هما جمهورية التشيك وجمهورية سلوفاكيا، لكن هذا البلد كان له مسار خاص طوال فترة سطوع نجم الدولة السوفياتية العظمى، إذ قاد احتلال ألمانيا النازية لها في عام 1939 إلى وقوعها ضحية بين فكّي الدولتين المتحاربتين، وبعد نجاح الجيش الأحمر السوفياتي في تحريرها من قبضة هتلر في عام 1945 اقتطع جزءاً من أراضيها، وهي مقاطعة روثينيا، وضمها إلى أوكرانيا السوفياتية في ذلك الوقت، وما زالت هذه المقاطعة تُعدّ جزءاً من أوكرانيا الحديثة. لكن الأكثر تأثيراً من ذلك على مصير الجمهورية كان ضمها تدريجياً بعد الحرب لتُكون إحدى دول الكتلة الشيوعية في أوروبا التي كان الاتحاد السوفياتي يتزعمها.
وسعت تشيكوسلوفاكيا إلى إيجاد «طريقها الخاص نحو الاشتراكية»، ولعب رئيس وزرائها في ذلك الحين السياسي ألكسندر دوبتشيك دوراً حاسماً في بلورة هذه الطريق. لكن البلاد دفعت ثمناً باهظاً، إذ أسفرت الاحتجاجات التي وقعت في عام 1968 على سياسات موسكو، في إطار ما عرف باسم «ربيع براغ»، إلى توغل الدبابات السوفياتية وقمع الحركة المناهضة لموسكو وإسقاط دوبتشيك الذي أجبر على السفر إلى موسكو في أكتوبر (تشرين الأول) 1968، للتوقيع على اتفاق مع القيادة السوفياتية، أخذ شكل معاهدة انسحبت بموجبها قوات حلف وارسو، بعدما ضمنت موسكو ولاء الجمهورية الذي استمر إلى عام 1989 عندما شهدت تحركات جديدة مستغلة ترهل الدولة السوفياتية وتغيّر المزاج الدولي، وحصلت على استقلال كامل قبل أن تنقسم بشكل طوعي إلى جمهوريتين.
وطبعت هذه العلاقة مع موسكو مزاج المواطنين السلوفاكيين تجاه روسيا، إذ ظلت مشاعر الحذر من هيمنة الدولة الكبرى عنصراً أساسياً يحكم علاقة الطرفين، قبل أن تبدأ بالتراجع تدريجياً في السنوات الأخيرة لصالح بناء علاقة تقوم على مصالح مشتركة. لا يندر حالياً أن يسمع زائر مدن سلوفاكيا ترحيباً باللغة الروسية... كان مثل هذا الأمر مستبعداً في سنوات مضت.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.