أشهر مبدعة في النقش العسيري تفتتح متحفا يضم 300 قطعة من الموروث الشعبي

حذرت من اندثار النقوش برحيل كبيرات السن اللاتي يتقن هذا الفن

الإرث الثقافي العسيري ضمن 300 قطعة في متحف الفنانة ({الشرق الأوسط})
الإرث الثقافي العسيري ضمن 300 قطعة في متحف الفنانة ({الشرق الأوسط})
TT

أشهر مبدعة في النقش العسيري تفتتح متحفا يضم 300 قطعة من الموروث الشعبي

الإرث الثقافي العسيري ضمن 300 قطعة في متحف الفنانة ({الشرق الأوسط})
الإرث الثقافي العسيري ضمن 300 قطعة في متحف الفنانة ({الشرق الأوسط})

تستعد فاطمة فايع الألمعي، أشهر المبدعات في فن النقش العسيري (وهو فن تزيين الحوائط والبيوت بالألوان الطبيعية) لافتتاح متحف صغير يضم الألبسة التقليدية وتحفيات القط (النقش) العسيري، التي عملت على تجميعها خلال عشر سنوات ماضية، في محاولة لجمع إرث ثقافي عن النقش في منطقة عسير.
وقالت الألمعي لـ«الشرق الأوسط»: «إن الفكرة ولدت نتيجة عشقها لهذا الفن»، مبينة أن النقش «القط» عبارة عن خطوط ونقوش وتشكيلات جمالية تقوم بعملها نساء متخصصات في هذا المجال، وهذا الفن الشعبي لم تتعلمه الألمعيات (نساء محافظة رجال ألمع) في مدارس فنية أو معاهد متخصصة، ولكنه وحي من الواقع، فكل لون كان يمثل إحساسا معينا، وكل شكل كان يرمز إلى شيء حل بالنفس واستقر في الأعماق.
ووصفت الألمعي فكرة المشروع بأنها حلم للحفاظ على تراث المنطقة من الاندثار، مبينة أنها عملت على تطوير التراث، وتابعت: «إن المتحف سيضم أكثر من 300 قطعة، عبارة عن ألبسة وحلي مصنوعة من الفضة والنقش العسيري المشغول على الجدران والأواني الفخارية والكراسي (التختات)، واللوحات، والأباجورات، والصناديق».
وأشارت فايع إلى أن الكثير من أهالي عسير عملوا على افتتاح متاحف ملحقة في منازلهم تحكي تراث وحضارة المنطقة، مبينة أن هذا الفن يعكس حضارة وتراث المنطقة، مشيرة إلى أنه يجب الحفاظ على هذا الفن من خلال تنفيذ دورات تدريبية للفتيات والفنانات لتعلم أسرار هذا الفن.
وقالت فايع: «تعلمت هذا الفن من فنانة كبيرة بالمنطقة، وهي فنانة بالفطرة، تدعى فاطمة أبو قحاص، التي كان لها دور كبير في تخليد هذا الفن، الذي يسمى النقش الألمعي، من خلال تلقينها لهذا الفن لعدد من السيدات».
وعن أساسيات هذا الفن، قالت إنه «يتكون من مجموعة نقوش، منها الختمة والبترة، والحظية، والبنسلة، والعمري، والسكروني، وأرياش، وبنات وعمري، حيث إن كل لون من هذه الألوان يضم لونية وشكلية معينة».
وأضافت: «إن النقش الألمعي يستمد خاماته من الطبيعة، ويستخدم في تزيين المنازل والجدران والأدوات المنزلية، وأنها أخذت تشكل هذه النقوش على الأواني المنزلية والتحفيات لتعطيها منظرا متميزا».
وعن أهم ما يميز النقش الألمعي، أفادت بأنه يتميز بالألوان الطبيعية مثل الأزرق، والبرتقالي، والأخضر، والأبيض، والأسود، وكانت المرأة قديما تستخرج هذه المواد اللونية من الطبيعة لتزين منزلها، مما يؤكد الحس الفني للمرأة في عسير، وشعورها المرهف، وتحسسها لجماليات الطبيعة.
وبينت فاطمة أنها تستخدم حاليا في نقوشها أقدم أنواع «البويات»، مبينة أن العمل يستغرق من أسبوع إلى نصف شهر، تبعا لطبيعة النقش وحجم اللوحة المنقوشة.
وقالت: «إن هذا الفن يمثل هوية المنطقة، وإن حبها لهذا النقش جعلها تصر على تعلمه»، مشيرة إلى أن دعم زوجها الكاتب علي مغاوي جعلها تزداد إصرارا على تعلم هذا النقش الذي تحب أن تورثه لبناتها، وحذرت من اندثار هذه النقوش بموت السيدات كبيرات السن اللاتي يتقن هذا الفن، مشيرة إلى أن عدد النساء اللائي يقمن بالتدريب على هذا الفن في رجال ألمع قليل، وذكرت منهن زهرة فايع، وشريفة محمد مهدي، وفوزية بارزيق.
وختمت الألمعي قائلة: «إنني الآن مدربة معتمدة من مركز الفكر الناجح، أقدم دورات تدريبية في النقش العسيري، لذلك سأقوم بوضع مركز لتقديم دورات تدريبية، حيث إنني دربت أكثر من 150 سيدة في رجال ألمع، بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون وجمعية آباء».
من جانبه، قال الكاتب علي مغاوي إن النقش الألمعي فن رمزي لا يوجد به صورة لمخلوق، وهو يحمل رموز البيئة، ومن أنواعه البترة، والحظية، والختام، والتقطيع والعمري، وكان في الماضي عبارة عن جداريات تعد في المنازل من الداخل، وتطور الآن مع التسويق إلى لوحات. وقال مغاوي: «إن البيئة التي عاشتها المرأة في عسير انعكست لتكون لوحات شعبية رائعة، منها ما كان يرمز إلى تعلق الإنسان بربه، وعبرت عنه بالمحاريب، ومنها ما كان يرمز إلى مصدر رزق هؤلاء السيدات ورزق أولادهن».
وأضاف: «استخدمت الألمعية في عمل هذه النقوش الألوان التي تستطيع تكوينها من خلال العناصر الموجودة في بيئتها، فالأسود من الألوان الرئيسة التي لا غنى لها عنها، وطريقة استخراجه والاستفادة منه تقوم على جمع الفحم ثم طحنه، وإضافة الصمغ عليه، حتى يصبح أكثر لمعانا وجاهزا للدهن، واللون الأحمر أو ما يطلق عليه (الحسن) كانت طريقة الحصول عليه جمع عدد من الأحجار حمراء اللون المختلفة المصادر، ويضاف عليها شيء من المر والأرز المحمص، ويطحن في مطاحن يدوية، حتى يصبح أكثر دقة وجاهزية للاستعمال، والأصفر والأزرق والأخضر ألوان كانت تأتي عن طريق عدد من التجار الذين يجلبونها إلى بلدة رجال ألمع، ثم تؤخذ هذه الألوان التي تختلف في تكوينها، وتطحن ويضاف إليها مادة الصمغ، حيث إن الصمغ من المواد الأساسية في النقش الألمعي».
وقال مغاوي: «إن فاطمة أبو قحاص تعد رائدة النقش الألمعي، وقد فازت بإحدى جوائز ملتقى أبها»، وأضاف: «إن هذا الفن الذي يعتمد على الزخرفة بشكل هندسي وبنقوش، امتداد للفن الإسلامي، وهو ينتقل بالوراثة، وتجيده معظم النساء، ولا يخلو منه أي بيت عسيري قديم، فتجد الجداريات الجميلة المزخرفة بألوان وأشكال تجمع بين البراعة والحس الفني والدقة في تصميمها، وبأدوات كلها من إنتاج البيئة نفسها، وهي تبرز مدى امتلاك المرأة العسيرية للذوق والحس الفني، والهندسي أيضا»، مبينا ضرورة تخليد هذا الفن بتعليمه للفتيات.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».