فرنسا وألمانيا وبريطانيا لمبادرة خفض التصعيد بين واشنطن وطهران

هايكو ماس يحذّر من خطر الانزلاق إلى الحرب ولودريان يطالب بتوحيد الجهود لمنعها

فرنسا وألمانيا وبريطانيا لمبادرة خفض التصعيد بين واشنطن وطهران
TT

فرنسا وألمانيا وبريطانيا لمبادرة خفض التصعيد بين واشنطن وطهران

فرنسا وألمانيا وبريطانيا لمبادرة خفض التصعيد بين واشنطن وطهران

إزاء التصعيد الخطير في الخليج وارتفاع سقف التهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، لا تريد دول الاتحاد الأوروبي أن تبقى مكتوفة اليدين أو الاكتفاء بالتحذير من الانجرار إلى حرب خليجية. وتعي هذه الدول، وتحديداً المعنية منها مباشرة بمصير الاتفاق النووي مع إيران (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، أنها موجودة في موقع بالغ الدقة، وتتعرض لضغوط متقاطعة أميركية - إيرانية. وفيما تحذرها واشنطن من الخضوع لـ«الابتزاز النووي الإيراني»، فإن طهران تضاعف ضغوطها على الدول الثلاث.
آخر المستجدات في طهران على صعيد الملف النووي والعقوبات الأميركية توضح أن طهران تريد استغلال عامل الوقت للضغط على الأوروبيين ودفعهم لعمل المزيد. وواضح أيضا أن الرئيس الإيراني حسن روحاني يستهدف بالدرجة الأولى الرئيس ماكرون الذي أعلن الثلاثاء أن هناك «فترة زمنية مفيدة» من أجل ثني إيران عن اللجوء إلى «أي شكل من أشكال التصعيد»، وأن باريس تقوم مع شركائها «بكل ما هو ممكن لردعها عن ذلك». وهذا الكلام ردّده وزير الخارجية جان إيف لودريان أمس، وإلى جانبه نظيره الألماني الذي شارك في اجتماع مجلس الوزراء الفرنسي. وقال لودريان: «لدينا الوقت ونأمل من الجميع التحلي بالهدوء، ولكن لدينا القليل منه»، مضيفاً أنه «يتعين علينا أن نوحد جهودنا من أجل خفض التصعيد» في الخليج. وترى باريس أنه يتعين على القوى العالمية التحرك والتلاقي من أجل وقف الانزلاق نحو الهاوية.
بيد أن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس كان أقل تفاؤلاً من نظيره الفرنسي، ولم يتردد في قرع ناقوس الخطر، معتبراً أن «الموقف (في الخليج)، كما كان عليه من قبل، خطير ولم يتبدد خطر الحرب في الخليج». وأضاف ماس: «يجب أن نبذل كل ما في وسعنا للتأكد من أن الأمر لن يصل إلى ذلك الحد، وأن نتحاور بالتالي مع جميع الأطراف». وأضاف أن مثل هذا الحوار ضروري لإنهاء التصعيد والبحث عن حلول قابلة للتطبيق.
ثمة عدة فرص في الأيام القليلة المقبلة لمناقشة الملف النووي الإيراني. فهو من جهة سيكون على جدول اللقاءات الهامشية التي ستجرى في أوزاكا «اليابان» بمناسبة انعقاد قمة العشرين، التي سيشارك فيها الرئيسان الأميركي دونالد ترمب، والروسي فلاديمير بوتين، وقادة كبار الدول في العالم. ومن جانب آخر، فإن المسؤول الأميركي المكلف الملف الإيراني، بريان هوك، سيأتي إلى باريس في 27 الحالي لمناقشة هذا الملف مع المسؤولين من الدول الأوروبية الثلاث. وحتى اليوم، تبدو هذه الدول، باستثناء بريطانيا التي التحقت بالمقاربة الأميركية بالنسبة لتحميل إيران مسؤولية الهجوم على الناقلتين في خليج عمان يوم الخميس الماضي، مترددة في السير وراء واشنطن في الملف النووي، الذي دافعت دائماً عن استمراره، رغم ضغوط ترمب وإدارته.
والحال أن «الإنذار» الإيراني برفض طهران تمديد مهلة الشهرين، الذي أعطي للأوروبيين، يضعهم في موقف بالغ الصعوبة، لأن المصادر الأوروبية ترى أنه سيكون من «السذاجة» توقع نجاحهم في الاستجابة لمطالب إيران في الفترة الفاصلة عن 7 يوليو (تموز) المقبل، بينما عجزوا عن ذلك خلال أكثر من 12 شهراً، أي منذ خرجت واشنطن من الاتفاق، وبدأ ترمب بفرض عقوبات على الشركات المتعاملة مع إيران.
هذا الواقع يدفع بالدرجة الأولى الفرنسيين والألمان للتحرك، بينما وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت مشغول بأمور أخرى، وتحديداً بالمنافسة القائمة داخل حزب المحافظين ورغبته في الحلول محل رئيسة الوزراء تيريزا ماي. ومع ذلك، فإن ثمة أفكاراً تتم تدارسها وهي محل تشاور بين العواصم الثلاث (باريس وبرلين ولندن)، وقوامها القيام بوساطة بين واشنطن وطهران. ونقلت «رويترز» خبراً مفاده أن وزراء خارجية الدول الثلاث قد يتوجهون إلى طهران من أجل هذه الغاية.
قبل أسبوع، كان هايكو ماس في طهران وعاد فارغ الجعبة. وأعقبه في العاصمة الإيرانية رئيس الوزراء الياباني مكلفاً من الرئيس الأميركي بوساطة. لكنه بدوره عاد بخفي حنين. ولذا، فإن السؤال الذي يتعين طرحه هو التالي؛ ما هامش المناورة المتاح أمام الوزراء الأوروبيين الثلاثة؟ وبالتالي ما الأفكار والمقترحات التي قد يتقدمون بها إلى إيران للتخلي عن الإجراءات والتدابير التي كشفت عنها، وللبقاء ملتزمة بالاتفاق النووي، إذا كانوا غير قادرين على الاستجابة لما تطلبه منهم على الصعد التجارية والاقتصادية والمالية؟
سبق وتحدث ماس عن عجز أوروبا عن اجتراح العجائب. فما الذي تبدّل حتى توقف السير نحو مزيد من التصعيد، فيما الطرفان المعنيان (واشنطن وطهران) مستمران في اتّباع سياسة السير على حافة الهاوية؟



مصر ترفض وجود قوات أجنبية في غزة... ما البدائل؟

جنود إسرائيليون داخل قطاع غزة في وقت سابق (رويترز)
جنود إسرائيليون داخل قطاع غزة في وقت سابق (رويترز)
TT

مصر ترفض وجود قوات أجنبية في غزة... ما البدائل؟

جنود إسرائيليون داخل قطاع غزة في وقت سابق (رويترز)
جنود إسرائيليون داخل قطاع غزة في وقت سابق (رويترز)

وسط حديث يتصاعد عن خطط «لليوم التالي» في غزة، جددت مصر رفضها وجود قوات أجنبية في قطاع غزة، ما أعاد تساؤلات بشأن البدائل المحتملة، خصوصاً بعد حديث أميركي عن وجود «خطة جاهزة تشاورت فيها واشنطن مع شركاء عرب».

الرفض المصري الذي جاء على لسان وزير الخارجية، الدكتور بدر عبد العاطي، عدّه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأكيداً على «محددات مصرية بشأن أمنها القومي، خصوصاً وهي دولة جوار لفلسطين»، مؤكدين أن «البديل الأمثل القابل للتنفيذ، هو تدريب قوات أمن فلسطينية بعدّها الأقرب لفهم جغرافيا المكان والسيطرة من غيرها».

ووسط استمرار جهود القاهرة بشأن إبرام هدنة في غزة مع الوسطاء ورعاية محادثات بين «فتح» و«حماس» بشأن «لجنة لإدارة قطاع غزة»، أكد وزير الخارجية المصري، في تصريحات متلفزة، مساء الخميس، أنه لا يمكن نشر أي قوات أجنبية في غزة أياً كانت جنسيتها، دون مزيد من التفاصيل.

ولم يكن هذا الرفض الأول لمصر، ففي 19 يونيو (حزيران) 2024، نفى مصدر رفيع المستوى لقناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، «ما تردد بشأن موافقة مصر على المشاركة في قوة عربية تابعة للأمم المتحدة للسيطرة على المعابر مع قطاع غزة».

وكان الموقف المصري يتفق أيضاً مع إعلان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في مؤتمر صحافي، أواخر يونيو الماضي، عدم إرسال قوات لغزة، وتأكيد الإمارات إمكانية أن تفكر بلادها بالمشاركة بقوات استقرار، إلى جانب شركاء عرب ودوليين بغزة، بشرط موافقة فلسطينية ودعوة منها ووضع مسار واضح لدولتها المستقلة، وفق ما ذكرته مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية، لانا نسيبة، لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، في يوليو (تموز) الماضي.

دخان تصاعد من غارات إسرائيلية على رفح بجنوب قطاع غزة في وقت سابق (أ.ف.ب)

ويؤكد نائب المدير العام لـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، اللواء محمد إبراهيم الدويري، صحة الموقف المصري إزاء رفض نشر قوات أجنبية، مضيفاً أن المبدأ العام رفض وجود قوات أجنبية بغزة في أي وقت من الأوقات، وفي اليوم التالي للحرب.

ويرى أن البديل الوحيد هو «وجود قوات فلسطينية على الأرض»، مشدداً على «أهمية أن يكون الأمن في قطاع غزة لقوات أمن فلسطينية تأتي من الضفة مثلاً أو موجودة بالقطاع، ويتم تدريبها وتأهيلها لتسيطر على الوضع الداخلي، لاعتبارات أهمها أنهم الأدرى بجغرافيا المكان والانتشار والسيطرة بخلاف أي قوات أخرى».

وهو ما يتفق معه الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، مؤكداً أن «مصر ترفض منذ وقت مبكر فكرة نشر قوات أجنبية، وتتمسك بقوات فلسطينية فقط، وهذا هو الخيار الأفضل للجميع».

وأضاف: «تبذل القاهرة جهوداً كبيرة مع (فتح) و(حماس) منذ شهور بشأن خطط اليوم التالي، حتى لا نفاجأ بخطط إسرائيلية معرقلة، ومثلاً الأقرب في إدارة معبر رفح من الجانب الفلسطيني قوات فلسطينية برقابة أوروبية كما كان في اتفاق 2005».

وذلك التفكير المصري سواء بالرفض للقوات الأجنبية أو ببحث مستقبل قطاع غزة مع حركتي «حماس» و«فتح»، علاج للوضع الذي كان سائداً قبل حرب 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وخطة استباقية لليوم التالي قبل أي ذرائع إسرائيلية، ويؤسس لوجود منظومة فلسطينية ذات مصداقية تدير القطاع، وفق تقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير علي الحفني، الذي أكد أن الإدارة الفلسطينية للقطاع التي تسعى إليها مصر بتوافق الفصائل هي «الأفضل من أي خطط معرقلة للاستقرار في المنطقة».

امرأة فلسطينية تنعى أحد أفراد أسرتها الذي قُتل في قصف إسرائيلي بخان يونس (أ.ف.ب)

وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قد تحدث قبل نحو أسبوع، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أن إدارة الرئيس جو بايدن أمضت أشهراً في وضع خطة اليوم التالي للحرب في غزة مع كثير من البلدان، تحديداً من وصفهم بـ«الشركاء العرب»، مشيراً إلى أنه سيتم تسليمها لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب لتقرر ما إذا كانت ستمضي قدماً في ذلك إذا لم تسنح فرصة لتنفيذها خلال الفترة المتبقية، أم لا.

ويستبعد اللواء محمد إبراهيم «وجود خطة أميركية محل اتفاق»، قائلاً: «إدارة بايدن تحدثت كثيراً عن قرب التوصل إلى اتفاق هدنة بغزة ولم نرَها، وتحدثت أيضاً قبل أيام عن خطط لليوم التالي ولا نعرف عنها شيئاً»، مضيفاً: «لا يمكن لأي طرف أن يفرض خطة معدة مسبقة أوروبية - أميركية أو غيرها لتطبق بالقطاع من دون تشاور مع أطراف المنطقة، خصوصاً مصر التي تعد غزة ضمن أمنها القومي».

ويعتقد إبراهيم استحالة تنفيذ وجود قوات أجنبية أو عربية بغزة، مشدداً على أن «الأمر ليس متعلقاً بالقبول من عدمه؛ لكن الخيار الأمثل هو وجود قوات فلسطينية ودعمها وتأمين سيطرتها على الأوضاع، ودون ذلك حلقات مفرغة لن تصلنا إلى حلول حقيقية تنفذ على أرض الواقع».