ضابطة الشرطة الوحيدة في بغداد: تحديت ذكورية المهنة

رشا الطيار قالت لـ {الشرق الأوسط} إن المجتمع يرفض عملها.. وتهديدات «داعش» لا تخيفها

الملازم أول رشا الطيار ({الشرق الأوسط})
الملازم أول رشا الطيار ({الشرق الأوسط})
TT

ضابطة الشرطة الوحيدة في بغداد: تحديت ذكورية المهنة

الملازم أول رشا الطيار ({الشرق الأوسط})
الملازم أول رشا الطيار ({الشرق الأوسط})

لا تخفي ملازم أول رشا الطيار (ضابطة الشرطة الوحيدة في العاصمة العراقية بغداد) فرحتها وهي تلمس دهشة الآخرين لها عندما يشاهدونها بزيها العسكري وهي في طريقها للعمل كل يوم كضابط شرطة في مركز تحقيق، لكنها تعترف أن مهنتها صعبة وتحمل من الغرابة والتحدي والقوة الشيء الكبير، خاصة بعد تهديدات «داعش» الإرهابية ومخاوف استهدافها، لكنها تشكو من نظرة المجتمع السلبية حتى الآن من تولي المرأة لمثل هكذا مهام.
في حديثها لـ«الشرق الأوسط» حاولت الضابطة الشابة أن تتحلى بروح الإعلامية الشجاعة (مهنتها الأولى قبل أن تدخل مضمار الشرطة، حيث تخرجت في كلية الإعلام جامعة بغداد في عام 2000)، لكنها آثرت عدم الإجابة عن بعض الأسئلة بما يتطلبه الحرص الأمني والحيادية التي تقول إنها مطلوبة في بلد يعاني من ويلات الإرهاب.
عن بدايات انخراطها في سلك الشرطة، حتى وصولها إلى رتبة ملازم أول، وانتظار ترقيتها قريبا لرتبة نقيب، تخبرنا رشا: «أحببت الصحافة أولا، لما تحمله من جرأة وشجاعة، وفعلا مارست العمل الإعلامي بعد تخرجي في عدة مؤسسات إعلامية، وفي عام 2009 دخلت وزارة الداخلية للعمل في قسم الإعلام فيها، وبعد أن سمعت بوجود أول دورة لتخريج ضابطات، استهوتني الفكرة، لما تحمله هذه المهنة من غرابة وغموض ففضلت أن أنخرط في تلك الدورة وكنت خريجة أول دفعة لتجربة تشكيل نواة الضابطات في سلك الشرطة العراقية، وقد شجعني زوجي وأهلي أيضا فوالدي ضابط طيار.
وتضيف رشا: «كنت الوحيدة الإعلامية من بين خمسين شرطية، بينهن نساء من المحافظات العراقية، وبعدها انخرطت في دورة أخرى لمدة سنة دراسية (تسعة أشهر) للحصول على رتبة ملازم ثان، واجتزت الدورة بالفعل بعد تدريبات عسكرية مهمة، وتوليت بعدها عملي كضابط علاقات وإعلام وتنسيق المؤتمرات وكتابة المقالات والتحقيقات في مجلة شؤون الشرطة التي تصدر عن الوزارة، لكن بعد فترة وجدت من اللازم أن أمارس عملي الحقيقي كضابط تحقيق، وانتقلت للعمل الفعلي كضابط شرطة في أحد مراكز العاصمة بغداد، تردني يوميا العشرات من القضايا الجنائية والمدنية.
وعن بزتها العسكرية، ومشكلة أداء التحية الرسمية لها في العمل بكلمة (سيدي)، التي غالبا ما يرفض الرجال قولها للمرأة، قالت: «في البداية، كنت أثير دهشة واستغراب كل من يصادفني وأنا ببزتي العسكرية متوجهة إلى عملي صباح كل يوم، وأحاول تلقي استغرابهم بعفوية، على الرغم من أني تآلفت مع نمط عملي ولا أجده غريبا، بل هو يقترب أحيانا من عملي الصحافي في استقصاء الحقيقة والبحث عن المتاعب لأجل الكشف عن ملابسات قضية ما، ولكل مهنة معوقاتها ومتاعبها. أما بشأن مناداتي بـ(سيدي) باعتباري أحمل رتبة عسكرية، فالحق معك، معظم الرجال يرفضون قولها، ولم يتفق عليها بعد، لكن جرى الاتفاق على قول اسمي هكذا ملازم أول رشا وأداء التحية العسكرية، وأتذكر أن النظام السابق كان يفرض بدلا نقديا لأداء التحية للنساء الضابطات».. تروي لنا موقفنا طريفا يصادفها دائما عندما يتفاجأ المتهمون بأنهم يقفون أمام امرأة محققة وليست رجلا، فيدخل أحدهم إلى غرفتها وهو يتلفت برأسه، ليسألها أين ملازم أول رشاد؟ فتقول له «أنا ملازم أول رشا وليس رشاد، وسأتولى التحقيق معك». وهكذا يتكرر الحال كل يوم.
رشا تتذكر أنها كانت ترتدي ملابسها المدنية حتى تصل عملها وتقوم هناك بارتداء بزتها العسكرية، لكنها سئمت لعبة التخفي كما تقول. وقررت الخروج من بيتها بزيها العسكري حتى يعتادها الآخرون، وبشأن أمنها الشخصي وهي لا تملك سلاحا لحمايتها، قالت: «كلنا اليوم معرضون للخطر، لكنني أشعر أن لا أحد لديه ضغينة أو حقد علي كي أستهدف والأمان بالله وحده».
وعن ميولها الصحافية، وعلاقتها بالآخرين من زملائها، تقول: «عادة ما يقودني الحنين للإعلام، وهذا ما يقودني للتواصل مع الآخرين ومواصلة القراءة وأفتخر أنني نلت درع الإبداع الإعلامي من هيئة النزاهة عن أفضل تحقيق استقصائي تناولت فيه دور الشرطة الفاسدة في التستر على دور البغاء في منطقة البتاوين عام 2010 ونشرته في مجلة تصدر عن وزارة الداخلية. تناولته من زاوية القضاء على المراكز الشاذة في مفاصل الشرطة».
تنصح رشا الفتيات القويات والجريئات فقط، بالانخراط في سلك الشرطة، ففي رأيها لا بد أن تكون الشرطية شجاعة وقوية، حتى تواجه كل الصعاب.. «هي مهنة محترمة تفرض فيها احترامك على الآخرين بحسن الأداء والانضباط، وأفتخر أنني أعطيت محاضرات في أحد مراكز التدريب أمام 500 شرطية من كل المحافظات العراقية وكانت أكبر دفعة تخرجت من سلك الشرطة، تمهيدا ليصبحن ضابطات».
أما عن مشاكل المرأة الشرطية، فتؤكد أن المجتمع ما زال يرفض وجود وعمل امرأة في هذا المجال، وإلى الأمس القريب كانت هناك محاولات لزج الشرطيات في مهام التفتيش فقط «باعتبارنا مجتمعا محافظا ولا بد أن تتولى نساء عملية تفتيش النساء في دوائر الدولة أو الأماكن الحساسة فيها، لكن ذلك تغير بعد أن أثبتت المرأة الشرطية جدارتها لتولي مهام تشابه مهام الرجل الشرطي». واستدركت: «هناك من يقول إن مثل هكذا مهام تفقد المرأة أنوثتها، لكن ذلك غير صحيح والدليل أن عددا كبيرا ممن يعملن شرطيات أو محققات في العالم على نحو كبير من الجمال والأناقة».
وحول طموحاتها، أكدت رشا أنها تطمح لتحقيق خطوات أكبر في عملها وهي تستعد لنيل رتبة نقيب مطلع العام المقبل حسب قانون الشرطة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».