حيل المصريين لمشاهدة مباريات كأس أفريقيا... «معركة» موسمية ضد التشفير

انتشار فيديوهات تشرح أفضل وأرخص طرق صناعة هوائي «إريال» لمشاهدة مباريات البطولة مجاناً (يوتيوب)
انتشار فيديوهات تشرح أفضل وأرخص طرق صناعة هوائي «إريال» لمشاهدة مباريات البطولة مجاناً (يوتيوب)
TT

حيل المصريين لمشاهدة مباريات كأس أفريقيا... «معركة» موسمية ضد التشفير

انتشار فيديوهات تشرح أفضل وأرخص طرق صناعة هوائي «إريال» لمشاهدة مباريات البطولة مجاناً (يوتيوب)
انتشار فيديوهات تشرح أفضل وأرخص طرق صناعة هوائي «إريال» لمشاهدة مباريات البطولة مجاناً (يوتيوب)

طوال الأسبوع الماضي ازداد نشاط «العم» حجاج البالغ من العمر نحو 70 عاماً، واستغرق كلياً في الاستعداد لمشاهدة مباريات كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم، التي تقام بمصر في الفترة من 21 يونيو (حزيران) الحالي إلى 19 يوليو (تموز) المقبل، وسأل معظم أصدقائه عن أفضل طريقة غير مكلفة للحصول على إرسال إحدى القنوات التي تبث المباريات، وطالت النقاشات بينهم، واستجمعوا خبراتهم السابقة في التحايل على بث المباريات الدولية عبر القنوات المشفرة.
رحلة بحث المصريين عن حيل جديدة لهزيمة احتكار بث المباريات على القنوات المشفرة، تختلف هذه المرة عن تجاربهم السابقة؛ إذ أعلنت الهيئة الوطنية للإعلام (حكومية) أنها تبث المباريات أمم أفريقيا على قناة «تايم سبورتTIME SPORTS »، عبر بثها الأرضي الرقمي، كما طرحت جهازاً هوائياً «إريال» (تقوية) لاستقبال الإرسال على القنوات الأرضية يراوح سعره بين 400 و700 جنيه (الدولار يعادل نحو 17 جنيهاً)، وأسهبت وسائل الإعلام المختلفة في شرح طرق ضبط الإرسال لاستقباله على القنوات الأرضية، وهو ما أصاب الكثيرين بالحيرة والارتباك نتيجة التعقيدات الفنية.
حالة الانهماك والنشاط المفرط التي يعيشها «العم» حجاج ليس مرجعها فقط حبه لكرة القدم، لكنه بحكم عمره يفتقد إلى شيء يشغل وقته ويشكل نوعاً من الترفيه، كما أن الاستغراق في البحث عن وسيلة لمشاهدة المباريات يجعله يشعر بأنه جزء من شيء أكبر كحال الكثير من المصريين الذين يبذلون جداً كبيراً للبحث عن حيل جديدة لمشاهدة المباريات في منازلهم بتكلفة بسيطة، إضافة إلى الأجواء الكروية العامة التي تسود مصر.
وتستعد المطاعم لبث المباريات بشاشات عملاقة، وتبدأ المقاهي استعداداتها الخاصة؛ إذ تشكل بطولات كرة القدم الإقليمية والدولية موسماً لتحقيق أرباح إضافية عن طريق إضافة رسوم على الرواد مقابل مشاهدة المباريات، أو رفع سعر المشروبات، بينما يبدأ الباحثون عن أرباح إضافية أو فرص عمل موسمية في الاستعداد بطريقتهم الخاصة لتوفير احتياجات رواد المقاهي من أطعمة سريعة «ساندوتشات» ومنتجات الياميش والمكسرات من لب وفول سوداني وغيرهما.
يقول حجاج لـ«الشرق الأوسط»: «بعد مشاورات وبحث واسترجاع للخبرات السابقة، تواصلت أنا وأصدقائي مع فني الكابل الذي نتعامل معه، ووجدنا أن الطريقة الفضلى لاستقبال البث ومشاهدة المباريات بالمنزل ستكلفني فقط 5 جنيهات، وهي عبارة عن وصلة يتم تركيبها لدعم استقبال الإرسال الأرضي، وبالطبع شعرت بسعادة بالغة عقب التوصل إلى هذه النتيجة، حيث سأتمكن من مشاهدة البطولة بالمنزل، وقد أنزل لمشاهدة بعض المباريات بالمقهى لأني أحب حالة المشاهدة الجماعية، لكن الأمر مكلف مادياً ومعاشي محدود».
وترفع متاجر الكابل وأطباق الدش درجة استعداداتها للعمل على إيجاد حلول للتغلب على احتكار بث مباريات كرة القدم، وتوفير أدوات غير مكلفة مادياً ليتمكن المصريون من مشاهدة بطولات كرة القدم في منازلهم بتكلفة بسيطة.
يقول علاء فتحي، فني كابل بأحد متاجر أطباق الدش بمنطقة باب اللوق (وسط القاهرة) لـ«الشرق الأوسط»: «توصلنا إلى طرق كثيرة لمشاهدة مباريات كأس أفريقيا على التردد الأرضي لقناة (تايم سبورت)، منها وصلة تلفاز تسمى (convert) ونبيعها بخمسة جنيهات، ويتم تركيبها على طرف سلك الدش عقب فصله من الريسيفر، ثم وصلها بجهاز التلفاز، حيث يتم بعدها استقبال القنوات الأرضية».
وتنتشر في مصر ظاهرة التحايل على بث القنوات المشفرة في الأقاليم والأحياء الشعبية بضواحي القاهرة، وتنشط الظاهرة خلال بطولات كرة القدم الدولية، حيث يقوم فنيون بفك شفرات هذه القنوات عن طريق أجهزة بسيطة، ويبيعون الخدمة لأعداد كبيرة من المشاهدين في محيط جغرافي محدد مقابل اشتراك شهري صغير لا يتجاوز 50 جنيهاً شهرياً، وهي مقابل مشاهدة عدد من القنوات المشفرة سواء الرياضية أو غيرها قد يصل إلى 6 قنوات.
ويضيف فتحي: «جربنا طرقاً كثيرة تعلمناها من واقع خبراتنا السابقة للتحايل على تشفير بث المباريات، منها توصيل قطعة من السلك المخصص للدش على أن يبلغ طولها نحو مترين، ويتم توصيها في التلفزيونات القديمة، لتتمكن من استقبال القنوات الأرضية، وأيضاً طريقة (الإريال) البدائي، حيث يتم تثبيت أي قطعتين معدنيتين، ويكونان أحياناً عبارة عن أطباق الطعام المصنوعة من الألمنيوم، ويتم وضعهما على لوحة خشبية وتوصليهما بسلك معدني في التلفزيون».


مقالات ذات صلة

توجيه اتهامات لنيوكاسل وأستون فيلا بسبب شجار جماعي

رياضة عالمية الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم (رويترز)

توجيه اتهامات لنيوكاسل وأستون فيلا بسبب شجار جماعي

وجَّه الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم اتهامات إلى فريق نيوكاسل يونايتد ومدربه المساعد جاسون تيندال وأستون فيلا والمحلل الأداء الرئيسي له فيكتور مانتس.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية أنتونين كينسكي (إ.ب.أ)

كينسكي: انطلاقتي مع توتنهام أمام ليفربول أبعد من أحلامي

اعترف أنتونين كينسكي، حارس المرمى الجديد لفريق توتنهام الإنجليزي لكرة القدم، بأن ظهوره الأول في المباراة التي فاز فيها فريقه على ليفربول 1 - صفر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية أصبح نادي بريستول سيتي رابع نادٍ بدوري البطولة الإنجليزية للسيدات يشارك في تجربة السماح للجماهير بتناول المشروبات الكحولية في المدرجات خلال المباريات (نادي بريستول)

4 أندية إنجليزية للسيدات تسمح بتناول الكحول في المدرجات

أصبح نادي بريستول سيتي رابع نادٍ بدوري البطولة الإنجليزية للسيدات لكرة القدم يشارك تجربة السماح للجماهير بتناول المشروبات الكحولية في المدرجات خلال المباريات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة سعودية بافيل نيدفيد في صورة بملعب نادي الشباب (نادي الشباب)

بافل نيدفيد: ألوان نادي الشباب تعكس «اللون الذي أفضّله»

أبدى التشيكي بافيل نيدفيد، المدير الرياضي الجديد لنادي الشباب، سعادته البالغة لوجوده في منصبه الجديد مع «الليث»، مقدماً شكره لمحمد المنجم رئيس النادي.

هيثم الزاحم (الرياض)
رياضة عالمية أنجي بوستيكوغلو (رويترز)

مدرب توتنهام للإنجليز: احموا قدسية اللعبة من الـ«فار»

تساءل أنجي بوستيكوغلو، المدير الفني لفريق توتنهام الإنجليزي لكرة القدم، عن سبب عدم استجواب الجمهور الإنجليزي تقنية «حكم الفيديو المساعد (فار)».

«الشرق الأوسط» (لندن)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)