رسامو الكاريكاتير السياسي... عصافير الكناري في مناجم الإعلام

يعملون في {حقل ألغام} وصحف بارزة بدأت تستغني عنهم

صحيفة «نيويورك تايمز» تعلن وقف رسوم الكاريكاتير السياسي في طبعتها الدولية بداية من يوليو 2019
صحيفة «نيويورك تايمز» تعلن وقف رسوم الكاريكاتير السياسي في طبعتها الدولية بداية من يوليو 2019
TT

رسامو الكاريكاتير السياسي... عصافير الكناري في مناجم الإعلام

صحيفة «نيويورك تايمز» تعلن وقف رسوم الكاريكاتير السياسي في طبعتها الدولية بداية من يوليو 2019
صحيفة «نيويورك تايمز» تعلن وقف رسوم الكاريكاتير السياسي في طبعتها الدولية بداية من يوليو 2019

يعمل رسامو الكاريكاتير السياسي في حقل ألغام لأنهم بالضرورة يعبرون عن أفكار تخالج الرأي العام، لكن بعضها حساس لدرجة أن الصحافيين أنفسهم غالباً ما يتجنبون التطرق لها. ولا يتبع هؤلاء الرسامون معايير معينة، مثل الإعلاميين الآخرين، كما يعتبر بعضهم أنفسهم فوق الرقابة، وينتهي بهم الأمر إلى القضاء، وأحياناً العنف من الأطراف التي لا تعجبها أفكار الكاريكاتير المنشور.
أحدث القضايا التي توضح متاعب رسامي الكاريكاتير قرار صحيفة «نيويورك تايمز» الشهيرة وقف رسوم الكاريكاتير السياسي في طبعتها الدولية بداية من يوليو (تموز) 2019، بعد نشرها رسماً أثار انتقادات واسعة لشكوك في أنه معاد للسامية. ويأتي هذا القرار بعد قرار سابق للصحيفة نفسها بمنع نشر رسوم الكاريكاتير السياسي في نسختها الأميركية المحلية.
ويبدو أن الصحيفة الأميركية رأت أن عدم نشر الكاريكاتير السياسي سوف يريحها من متاعب متعددة، بداية من انتقاد السياسيين لها في عصر ترمب الذي لا يكن للإعلام أي ود، ونهاية بقضايا معاداة السامية التي تثير لها الانتقاد، وربما المقاضاة.
وقالت الصحيفة إنه بداية من شهر يوليو (تموز) هذا العام سوف تمتنع عن نشر الكاريكاتير السياسي بسبب رسم نشر في أبريل (نيسان) الماضي يصور بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، في صورة كلب إرشاد للمكفوفين يحمل في رقبته نجمة داود ويسحب الضرير ترمب الذي يرتدي الطاقية اليهودية. وقد أثار الرسم الانتقاد بأنه معاد للسامية، ويشبه دعاية النظام النازي.
وكانت الصحيفة قد اشترت الكاريكاتير ضمن اشتراك مع مؤسسة «كارتون آرتس إنترناشيونال»، وهو من أعمال الفنان البرتغالي أنطونيو موريرا أنطونيس، واختاره للنشر محرر الصحيفة في هونغ كونغ، ثم اعتذر عن نشره لاحقاً. ولم تؤكد الصحيفة استغناءها عن رسامي الكاريكاتير لديها، وهما بارتيك شابات وهنغ كيم سونغ المقيم في سنغافورة.
وأثار قرار الصحيفة غضب رسامي الكاريكاتير في الإعلام الأميركي الذين يخشون على مصير مهنتهم. فخلال العقود الثلاثة الماضية، تراجع عدد رسامي الكاريكاتير في أميركا من عدة مئات إلى عدة عشرات. وكان آخر ضحايا فقدان الوظيفة ستيف بنسون الذي حصل على جائزة «بوليتزر»، وزميله نيكولاس أندرسون.
كما تخلت صحيفة «بيتزبورو بوست غازيت» عن رسامها المخضرم روب روجرز الذي وصل إلى نهائي تصفيات جائزة «بوليتزر» هذا العام. وكان سبب القرار كاريكاتير مضاد للرئيس ترمب.
وتحول كثير من رسامي الكاريكاتير إلى تقديم المحتوى الفني لقصص واقعية أو خيالية تنشر في الصحف وعلى الإنترنت، بدلا من الرسم الواحد لفكرة كاريكاتورية، التي تعود جذورها إلى القرن التاسع عشر.
ويعترض البعض على قرار «نيويورك تايمز» وقف نشر رسوم الكاريكاتير السياسي في طبعتها الدولية، ومنهم رئيس جمعية رسامي الكاريكاتير الأميركية كيفن سيرز، الحاصل أيضاً على جائزة «بوليتزر» عن رسومه لصحيفة «شارلوت أوبزرفر»، حيث قال في بيان صادر عنه إن رسامي الكاريكاتير يتسمون بالوضوح والجرأة في التعبير عن الأفكار التي تجول بخيال القراء، وهم وسيلة قوية للتعبير عن الرأي.
وأضاف أن هذه القوة في التعبير عن الرأي تخيف رؤساء التحرير «ولكن منع نشر الكاريكاتير السياسي بالمرة يجعل هذا الخوف يتحول إلى جبن». وعبر رسامون آخرون عن آراء مماثلة، متهمين المحررين بعدم الصلابة في مواجهة الانتقادات، ومحذرين من المخاطر على التعبير الحر عن الآراء.
وعبر رسام آخر، اسمه داريل كوغل، عن رأيه بالقول إن عدم نشر الكاريكاتير السياسي يعفي محرري «نيويورك تايمز» من أخطاء اختيار الرسوم غير المناسبة، وأضاف: «هناك كثير من الأخطاء التي تقع في اختيار الكلمات الملائمة للمقالات، بالإضافة إلى الأخطاء الإملائية والمطبعية، ولذلك أنصح (نيويورك تايمز) بعدم نشر الكلمات والمقالات أيضاً، حتى تتجنب الوقوع في الأخطاء بالمرة».
- مخاطر المهنة
تبدو مهنة رسم الكاريكاتير في الصحافة الغربية مهددة بالانقراض مع مرور الزمن. فقرار «نيويورك تايمز» بعدم نشر رسوم كاريكاتيرية في طبعتها الدولية بداية من شهر يوليو (تموز) المقبل لم يتخذ من فراغ، وإنما تماشياً مع تيار عام في الصحافة الورقية الأميركية الساعية لخفض التكلفة من أجل البقاء في الأسواق.
وفي بداية هذا العام، استغنت صحيفة «أريزونا ريبابليك» عن رسامها ستيف بنسون الذي عمل فيها لمدة 40 عاماً، وحصل على جائزة «بوليتزر» في عام 1993، ووصل إلى الدور النهائي في المسابقة 4 مرات. ولم تشفع لبنسون مدة الخدمة التي قضاها في الصحيفة، ولا الجوائز التي حصل عليها، وعللت الصحيفة قرارها بالصعوبات الاقتصادية التي تواجهها في الاستمرار على قيد الحياة، وهي تستعين الآن بخدمة نشر رسومات رخيصة التكلفة.
ومنذ عامين، استغنت صحيفة «هيوستون كرونكل» عن الرسام نيكولاس أندرسون الحائز أيضاً على جائزة «بوليتزر»، بعد إلغاء منصبة كرسام كاريكاتير للصحيفة. ولم يعد في ولاية تكساس كلها رسام كاريكاتير متفرغ في كل صحفها.
صحيفة أخرى اسمها «بيتزبرغ بوست غازيت» استبعدت رسام الكاريكاتير لديها روب روجرز الذي وصل إلى نهائي تصفيات جائزة «بوليتزر» لتكراره نشر رسوم مضادة للرئيس ترمب. وكان معروفاً عن الرسام ميوله اليسارية في الصحيفة المستقلة التي تحولت إلى صحيفة يمينية بعد فوز ترمب، الأمر الذي جعل روجرز شخصاً غير مرغوب فيه من إدارتها.
وهناك عشرات الأمثلة المماثلة لرسامين فقدوا وظائفهم أو أحيلوا إلى تقاعد مبكر بسبب أفكارهم الجريئة. ويعبر بنسون عن مخاوف المهنة بالقول إن رسامي الكاريكاتير هم مثل عصافير الكناري في المناجم التي تشعر بخطر الاختناق قبل بقية عمال المناجم، والتخلص منهم بهذه المنهجية يزيد من أخطار اختناق حرية الصحافة.
ووجه الرسام باتريك باغلي، زميل بنسون منذ أيام الجامعة، تحذيراً قوياً بالقول إن طرد بنسون من عمله هو جريمة في حق الصحافة. وهو يثير الشكوك في استمرار الصحيفة التي طردته. كما وصف صحيفة «أريزونا ريبابليك» بأنها «أطلقت النار على قدمها».
ومع توالي فقدان الرسامين لوظائفهم، تحول معظمهم إلى الإنترنت لتوفير الدخل البديل. ويشارك كبار الرسامين في مواقع تنشر رسوماتهم، وتفتح صفحاتها للاشتراك فقط. ويبدو أن هذا هو المستقبل البديل لرسامي الكاريكاتير. والنصيحة لقراء الصحف هي «إذا كنتم محظوظون برسام كاريكاتير جيد، استمتعوا بأعماله لأن مستقبل هذا الفن لا يبدو مشرقاً».
- الخطوط الحمراء
ولا تقتصر متاعب الكاريكاتير السياسي على أميركا، وإنما تمتد إلى إرجاء العالم الأخرى. ويقف رسامو الكاريكاتير في الصف الأول لمخاطر المهنة، ويتلقون التهديدات والاعتداءات، وأحياناً الاغتيال، من جهات تعتبر أن أعمالهم قد تخطت الخطوط الحمراء. ولعل أبرز ضحايا رسوم الكاريكاتير العربية هو الفنان ناجي العلي الذي اغتيل في لندن في عام 1987، والذي سجلته الشرطة البريطانية على أنه حادث ضد مجهول. ودفع العلي حياته ثمناً لما اعتبر أنه تخطى به الخطوط الحمراء في رسوماته.
ولكن هناك أيضاً من تعدى على الخطوط الحمراء بإغفاله الحساسيات الدينية عن عمد تحت اسم حرية الصحافة، وكانت النتائج كارثية. وأبرز هذه الحوادث كان نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) في صحيفة «إيلاندس - بوستن» الدنماركية، وإعادة نشرها عن عمد أيضاً في صحيفة «تشارلي إيبدو» الفرنسية. وكان ثمن النشر هجوماً إرهابياً على الصحيفة الفرنسية راح ضحيته 12 صحافياً ورساماً، وجرح 11 آخرين.
وفي الدانمارك، تفاعلت ردود الأفعال بداية من رفض موزعي الصحف توزيع عدد الصحيفة الذي تضمن الرسوم، وتعليقات الصحف الدنماركية الأخرى التي هاجم بعضها الرسوم، وتقدمت جماعات إسلامية في الدنمارك بشكوى قانونية ضد الصحيفة، وتم تنظيم مظاهرة سلمية في كوبنهاغن في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2005، ضمت نحو 3500 مشارك.
واضطرت الصحيفة نفسها إلى الاعتذار، في رسالة منشورة ومترجمة إلى اللغة العربية، وجهتها للمستهلكين في السعودية، كما نشرت رسالة اعتذار أخرى موجهة للمسلمين حول العالم.


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
TT

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)

طغى مشهد الحرب على أحداث لبنان لسنة 2024، لا سيما في الأشهر الأخيرة من العام، وهي أشهر أمضاها اللبنانيون يترقّبون بقلق مصير بلدهم غير آبهين بأي مستجدات أخرى تحصل على أرضهم أو في دول مجاورة. وشكّلت محطات التلفزة الخبز اليومي للمشاهدين، فتسمروا أمام شاشاتها يتابعون أحداث القصف والتدمير والموت.

توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شكّل مفاجأة للبنانيين

المشهد الإعلامي: بداية سلسة ونهاية ساخنة

عند اندلاع ما أُطلق عليها «حرب الإسناد» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم يتأثر المشهد الإعلامي في لبنان، فقد أبقى أصحاب المحطات المحلية مع بداية عام 2024 على برامجهم المعتادة، وخاضت التلفزيونات موسم رمضان بشكل عادي، متنافسة على تقديم الأفضل للمشاهد. لم تتبدل أجندة البرامج في محطات «إل بي سي آي»، و«الجديد»، و«إم تي في». وتابع اللبنانيون برامج الترفيه والحوارات السياسية والألعاب والتسلية، وكأن لا شيء غير عادي يحدث. وفي موسم الصيف، ركنت المحطات كعادتها إلى إعادات درامية وحلقات من برامج ترفيهية. فهذا الموسم يتسم عادة بالركود، كون المُشاهد عموماً يتحوّل إلى نشاطات أخرى يمارسها بعيداً عن الشاشة الصغيرة.

لكن منذ أن جرى تفجير أجهزة الاستدعاء (البيجر) بعناصر «حزب الله»، في 17 سبتمبر (أيلول) من العام الحالي، انقلب المشهد الإعلامي رأساً على عقب. وضعت جميع المحطات مراسليها ومقدمي نشرات الأخبار لديها في حالة استنفار، وصار المشهد السائد على الشاشة الصغيرة، من حينها، يتألّف من نقل مباشر وحوارات سياسية متواصلة.

حالة استنفار عام سادت محطات التلفزة لمواكبة أحداث الحرب

مقتل صحافيين خلال الحرب

لم توفر الحرب الدائرة في لبنان منذ بداياتها الجسم الإعلامي الذي خسر عدداً من مراسليه على الأرض. وُصف استهدافهم بـ«جريمة حرب» هزّت المشهد واستدعت استنكاراً واسعاً.

ولعل الحدث الأبرز في هذا المجال هو الذي جرى في أكتوبر 2024 في بلدة حاصبيا الجنوبية.

فقد استهدفت غارة إسرائيلية فندقاً كان قد تحول إلى مقر إقامة للصحافيين الذين يغطون أخبار الحرب؛ مما أسفر عن مقتل 3 منهم وإصابة آخرين. قُتل من قناة «الميادين» المصوّر غسان نجار، ومهندس البث محمد رضا، كما قُتل المصوّر وسام قاسم من قناة «المنار». ونجا عدد آخر من الصحافيين الذين يعملون في قناة «الجديد»، ووسائل إعلامية أخرى.

وضع لبنان على اللائحة الرمادية (لينكد إن)

تمديد أوقات البث المباشر

أحداث الحرب المتسارعة التي تخلّلها اغتيالات، وقصف عنيف على لبنان، سادت المشهد الإعلامي. وشهدت محطات التلفزة، للمرة الأولى، تمديد أوقات البث المباشر ليتجاوز 18 ساعة يومياً.

وجنّدت محطات التلفزة مراسليها للقيام بمهمات يومية ينقلون خلالها الأحداث على الأرض. وتنافست تلك المحطات بشكل ملحوظ كي تحقّق السبق الصحافي قبل غيرها، فقد مدّدت محطة «إم تي في»، وكذلك «الجديد» و«إل بي سي آي»، أوقات البث المباشر ليغطّي أي مستجد حتى ساعات الفجر الأولى.

وحصلت حالة استنفار عامة لدى تلك المحطات. فكان مراسلوها يصلون الليل بالنهار لنقل أحداث الساعة.

برامج التحليلات السياسية والعسكرية نجمة الشاشة

أخذت محطات التلفزة على عاتقها، طيلة أيام الحرب في لبنان، تخصيص برامج حوارية تتعلّق بهذا الحدث. وكثّفت اللقاءات التلفزيونية مع محللين سياسيين وعسكريين. وبسبب طول مدة الحرب استعانت المحطات بوجوه جديدة لم يكن يعرفها اللبناني من قبل. نوع من الفوضى المنظمة ولّدتها تلك اللقاءات. فاحتار المشاهد اللبناني أي تحليل يتبناه أمام هذا الكم من الآراء. وتم إطلاق عناوين محددة على تلك الفقرات الحية. سمّتها محطة الجديد «عدوان أيلول». وتحت عنوان «تحليل مختلف»، قدّمت قناة «إل بي سي آي» فقرة خاصة بالميدان العسكري وتطوراته. في حين أطلقت «إم تي في» اسم «لبنان تحت العدوان» على الفقرات الخاصة بالحرب.

أفيخاي أدرعي نجماً فرضته الحرب

انتشرت خلال الحرب الأخبار الكاذبة، وخصّصت بعض المحطات مثل قناة «الجديد» فقرات خاصة للكشف عنها. وبين ليلة وضحاها برزت على الساحة الإعلامية مواقع إلكترونية جديدة، وكانت مُتابعة من قِبل وسائل الإعلام وكذلك من قِبل اللبنانيين. ومن بينها «ارتكاز نيوز» اللبناني. كما برز دور «وكالة الإعلام الوطنية»، لمرة جديدة، على الساحة الإعلامية؛ إذ حققت نجاحاً ملحوظاً في متابعة أخبار الحرب في لبنان. وشهدت محطات تلفزة فضائية، مثل: «العربية» و«الجزيرة» و«الحدث»، متابعة كثيفة لشاشاتها ومواقعها الإلكترونية.

أما الحدث الأبرز فكان متابعة اللبنانيين للمتحدث الإعلامي للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. فالحرب فرضته على اللبنانيين لتوليه مهمة الكشف عن أسماء قادة الحزب الذين يتمّ اغتيالهم. كما كان يطل في أوقات متكررة، عبر حسابه على «إكس»، يطالب سكان مناطق محددة بمغادرة منازلهم. فيحدد لهم الوقت والساعة والمساحة التي يجب أن يلتزموا بها، كي ينجوا من قصف يستهدف أماكن سكنهم.

عودة صحيفة إلى الصدور

في خضم مشهد الحرب الطاغي على الساحة اللبنانية، برز خبر إيجابي في الإعلام المقروء. فقد أعلنت صحيفة «نداء الوطن»، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، استئناف صدورها، ولكن بإدارة جديدة. فقد سبق أن أعلن القيمون عليها في فترة سابقة عن توقفها. وكان ذلك في شهر مايو (أيار) من العام نفسه.

توقيف حاكم مصرف لبنان يتصدّر نشرات الأخبار

سبق انشغال الإعلام اللبناني بمشهد الحرب خبر توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. كان الخبر الأبرز في نشرات الأخبار المتلفزة. لم يتوقع اللبنانيون في 3 سبتمبر من عام 2024 أن يستيقظوا على خبر شكّل مفاجأة لهم. ففي هذا اليوم تم توقيف رياض سلامة على ذمة التحقيق، وذلك بتهم تتعلّق بغسل أموال واحتيال واختلاس. جاءت هذه الخطوة في إطار تحقيق يتعلّق بشركة الوساطة المالية اللبنانية «أبتيموم إنفيست»، وقبل أسابيع قليلة من تصنيف لبنان ضمن «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل المالي «فاتف» (FATF)؛ مما يهدّد النظام المالي اللبناني المتأزم.

اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله تصدّر مشهد الحرب

أخبار تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024

تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024 سلسلة من الأحداث. شملت أخبار اغتيالات قادة «حزب الله»، وفي مقدمهم أمينه العام حسن نصر الله في 27 سبتمبر. كما انشغلت نشرات الأخبار المتلفزة بالحديث عن وضع لبنان على «القائمة الرمادية»، وهو تصنيف من شأنه أن يفاقم معاناة البلاد اقتصادياً في ظل الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019. أما أحدث الأخبار التي تناقلتها محطات التلفزة فهو قرار الإفراج عن المعتقل السياسي جورج إبراهيم عبد الله بعد قضائه نحو 40 عاماً في السجون الفرنسية.

وقف إطلاق النار يبدّل المشهد المرئي

في 27 نوفمبر أُعلن وقف إطلاق النار، بعد توقيع اتفاق مع إسرائيل. فتنفّست محطات التلفزة الصعداء. وانطلقت في استعادة مشهديتها الإعلامية المعتادة استعداداً لاستقبال الأعياد وبرمجة موسم الشتاء.