نيجيرفان بارزاني... رئيس كردستان العراق وسليل أعرق عائلات الإقليم السياسية

انتخب وفق قانون الرئاسة المعدّل خلال الشهر الماضي

نيجيرفان بارزاني... رئيس كردستان العراق وسليل أعرق عائلات الإقليم السياسية
TT

نيجيرفان بارزاني... رئيس كردستان العراق وسليل أعرق عائلات الإقليم السياسية

نيجيرفان بارزاني... رئيس كردستان العراق وسليل أعرق عائلات الإقليم السياسية

للسنوات الأربع المقبلة، سيحظى إقليم كردستان العراق، بحقبة غير مسبوقة من الوئام السياسي، والاستقرار الأمني والاقتصادي، مقرونة بعلاقات دبلوماسية وسياسية متوازنة مع السلطات الاتحادية في بغداد ومع محيطه الخارجي.
هذا ما تعهد به نيجيرفان بارزاني (52 سنة) الرئيس الجديد للإقليم، الذي تسلم مقاليد منصبه أخيراً، وبات من ثم، أول رئيس لكردستان العراق يجري انتخابه وفقاً للنظام البرلماني الذي أُقر في الإقليم، وفقاً لقانون الرئاسة المعدّل يوم 8 مايو (أيار) الماضي. ولقد حصل نيجيرفان بارزاني على 68 صوتاً من أصوات 81 عضواً حضروا الجلسة النيابية، مع الإشارة إلى أن العدد الإجمالي لمقاعد برلمان الإقليم (وبالتالي، عدد نوابه) هو 111 مقعداً.

نيجيرفان بن إدريس بن مصطفى بارزاني، الرئيس الجديد لإقليم كردستان العراق (الذاتي الحكم) تدرّج في السلمين الحزبي والحكومي، بتأنٍّ وثبات، إلى أن تبوأ منصب نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، أكبر الأحزاب الحاكمة في الإقليم، بزعامة رئيس الإقليم السابق مسعود بارزاني، وهذا، قبل أن يتولى رئاسة حكومة الإقليم.
يوصف نيجيرفان في الأوساط السياسية والإعلامية على المستويين المحلي والخارجي، بـ«الرئيس الشاب والأنيق والمنفتح» في سياساته وأفكاره. ولقد اكتسب تلك الشهرة من خلال حنكته السياسية والدبلوماسية ومهارته العالية، وتبصره في التعاطي المرن مع أكثر القضايا السياسية والعسكرية تعقيداً.
تجلت كل تلك الصفات السياسية في الزعيم الشاب بعد أحداث إعادة انتشار القوات العراقية.
يومذاك، حاولت ميليشيات «الحشد الشعبي» اقتحام إقليم كردستان العراق، مستغلة أجواء التوتر بين أربيل وبغداد، في أعقاب عملية الاستفتاء على مصير إقليم كردستان يوم 25 من سبتمبر (أيلول) من العام ذاته، ساعية إلى القضاء على الكيان السياسي والدستوري القائم في الإقليم منذ عام 1992.
إلا أن نيجيرفان بارزاني نجح في تطويق الأزمة وتبديد المخاوف والمخاطر، كما نجح في إبعاد شبح القتال عن الإقليم وشعبه، وتطبيع العلاقات مع بغداد أولاً، ومع عواصم دول الجوار أيضاً، بحكمته السياسية المعهودة وعلاقاته الدبلوماسية الواسعة، مع مراكز وعواصم القرار في العالم على مدى عقدين متواصلين تقريباً من توليه رئاسة الحكومة، بل أكثر من هذا وذاك، نجح بامتياز في توسيع نطاق الشعبية والجماهيرية التي يتمتع بها حزبه في الإقليم، ما ضمن له الفوز في الانتخابات التشريعية التي أجريت في العراق خلال مايو (أيار) 2018 بحصوله على 26 مقعداً، وبعد ذلك الانتخابات النيابية في الإقليم التي أجريت في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي بحصوله على المرتبة الأولى بواقع 45 مقعداً (أي نصف مقاعد البرلمان تقريباً) وبالتالي، كسب الرجل مزيداً من التألق السياسي وعزّز من موقعه في الإقليم على مختلف المستويات.

تبنّي النظام البرلماني
لعل من أهم ما يُحسب للرئيس الجديد، وسليل بيت الزعامة الأبرز في كردستان العراق منذ النصف الثاني من القرن العشرين. تحديداً من إنجازات سياسية، هو نجاحه في إقناع قيادات حزبه بتبني النظام البرلماني، عوضاً عن النظام الرئاسي، الذي لطالما تسبب في إثارة معضلات سياسية عويصة مع أقطاب المعارضة وفي مقدمتها «حركة التغيير».
إذ كانت هذه الحركة تشترط تغيير النظام النيابي سبيلاً لتطبيع الأوضاع السياسية المتوترة بينها وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني، التي نشبت على خلفية رفض الرئيس السابق مسعود بارزاني في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2016، تبني النظام البرلماني، وتعديل قانون رئاسة الإقليم، ما أسفر عن تعطيل برلمان الإقليم لسنتين من عمر دورته السابقة، ومنع رئيسه وقتذاك، يوسف محمد، القيادي في «حركة التغيير» (التي كانت تشغل 24 مقعداً) من مزاولة مهامه وإبعاد وزراء الحركة الأربعة من تشكيلة الحكومة السابقة.
ومن ثم، كان لحصول هذا التحول السياسي والإداري الكبير، أثر عميق في إبراز دور نيجيرفان بارزاني، في الحياة السياسية وتصحيح مسيرتها في الإقليم، بحيث أفلح في استقطاب أكبر قوى المعارضة، أي «حركة التغيير»، إلى تحالف القوى الثلاث التي ستشكل حكومة الإقليم المنتخَبة، وبالتالي، إضعاف جبهة المعارضة النيابية في الإقليم.

إبان مقاومة «داعش»
أيضاً يُسجَّل للزعيم الشاب، إدارته لشؤون الإقليم، أمنياً واقتصادياً، خلال سنوات الحرب ضد تنظيم «داعش»، الذي كان يهدد أمن واقتصاد الإقليم في الصميم، وفي ظل أوضاع اقتصادية خانقة جراء قطع بغداد لحصة الإقليم من الموازنة العامة للبلاد على مدى أربع سنوات. ولقد وُفّق تماماً في حفظ السلم الاجتماعي رغم ما عانى منه الإقليم من اضطرابات سياسية وهيجان شعبي، بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية. وبرهن للقاصي والداني على مهارته وسعة خبرته الإدارية والسياسية، ما يؤهله، حسب كثير من المراقبين، وقطاع واسع من النخبة الثقافية والإعلامية، لأن يكون رئيساً متميزاً، بوسعه فعل الكثير، في حال لم يتكالب أعداء النجاح لعرقلة مشاريعه الطموحة والواعدة.

مضمون خطاب اليمين
وفي خطاب نيجيرفان بارزاني الذي ألقاه خلال مراسم أدائه اليمين القانونية أمام برلمان الإقليم في 10يونيو (حزيران) الحالي، حدد الرئيس الجديد، جوهر وأساس الخلافات القائمة بين الإقليم والسلطات الاتحادية في بغداد منذ 16 سنة، ألا وهو تجاهل الدستور العراقي الذي صوّت عليه 70 في المائة من الشعب العراقي عام 2005، أو الانتقائية في تنفيذ بنوده.
وعزا في الخطاب إلى ذلك كل المشاكل السياسية والأمنية التي عانى ويعاني منها العراق، بما فيها مشكلة الإرهاب، ممثلاً بالمنظمات والجماعات المتطرفة. وأكد أن الفرصة ما زالت سانحة، وهناك متَّسع من الوقت لإعادة تفعيل الدستور وتنفيذ مضامينه حرفياً، وجعله المرجع والفيصل في حلحلة الخلافات القائمة بين الجانبين. كذلك أعلن استعداده لطي صفحة الخلافات وفتح صفحة أوسع من التعاون والعلاقات المتوازنة والإيجابية مع بغداد، وهو ما يعني ضمناً أن الرئيس الشاب يطمح إلى تدشين مرحلة فريدة من التعاون المثمر بين الإقليم والسلطات الاتحادية ببغداد، مستثمراً وجود عادل عبد المهدي، المعروف بعلاقاته الطيبة جداً مع القوى الكردية، على رأس الحكومة العراقية، الأمر الذي يؤمل أن تظهر أولى بوادره أثناء زيارة عبد المهدي المرتقبة للإقليم خلال اليومين المقبلين. هذه الزيارة ستكون الزيارة الأولى لعبد المهدي منذ توليه رئاسة الحكومة. ووفقاً لمصادر كردية مطلعة، من المرتقب أن يبحث الرئيسان بارزاني وعبد المهدي، أهم وأعقد الملفات العالقة بين الطرفين، وعلى رأسها مسألة تصدير النفط من الإقليم، وقانون النفط والغاز المعطل في البرلمان العراقي منذ أكثر من عقد، وحصة الإقليم من الموازنة المالية للدولة، وملف قوات البيشمركة ومستحقاتها المالية والعسكرية، وهي جزء من سلسلة ملفات ما برحت تعيق عودة المياه إلى مجاريها الطبيعية، بين أربيل وبغداد.

السيرة الذاتية
ولكن ماذا عن نيجيرفان بارزاني الإنسان؟ من هو وما سيرته الشخصية؟
سيرة نيجيرفان بارزاني تسرد، في الحقيقة، فصولاً طويلة من النضال السياسي العسير.
وُلِد نيجيرفان يوم 21 سبتمبر (أيلول) من عام 1966 في بارزان، معقل الأسرة البارزانية، وهو ابن إدريس، أحد ولدي الملا مصطفى بارزاني أحد أبرز الزعماء والقادة الميدانيين، بجانب أخيه مسعود، الرئيس السابق للإقليم.
وهاجر مع أسرته صبياً إلى إيران عام 1975، غداة انهيار الثورة الكردية التي قادها جده الزعيم الراحل الملا مصطفى. ونتيجة لظروف النزوح القاسية والانخراط بمعترك السياسة والعمل العسكري ضمن قوات البيشمركة الكردية، ولسنوات طويلة، تعذر عليه الانتظام واستكمال المراحل الدراسية، والحصول على شهادة جامعية. مع هذا، نتيجة لدوره المتميز في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني انتخب عضواً في المكتب السياسي عام 1989، ثم انتُخِب نائباً لرئيس الحزب.
في مارس (آذار) 1991 شارك بفاعلية في الانتفاضة الكردية ضد النظام العراقي السابق، مخططاً ومنفذاً لكثير من فصولها، ثم انتُخِب رئيساً لحكومة إقليم كردستان، في دورتها الثالثة عام 1996، ثم للدورة الرابعة عام 1999. (في تلك الفترة كانت حكومة الإقليم منقسمة إلى إدارتين بين أربيل والسليمانية بفعل الاقتتال الداخلي بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وغريمه الأزلي الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الراحل جلال الطالباني).
بعد ذلك، أُعِيد انتخابه رئيساً لحكومة الإقليم في أعقاب توحيد إدارتيها عام 2006. وأعيد انتخابه مجدداً رئيساً لدورتها الخامسة للفترة من 2011 ولغاية 2013، ثم رئيساً للدورة السادسة للفترة من 2013 ولغاية 2018.
يوم 3 ديسمبر (كانون الأول) 2018 قرر الحزب الديمقراطي ترشيحه لرئاسة الإقليم، وهكذا، وانتخب بالفعل للمنصب في مايو الماضي.
نيجيرفان بارزاني متزوج من ابنة عمه مسعود بارزاني، وله خمسة أولاد، هم: إدريس، وجيافان، ورانيا، ومايا، ودانيال. ولقد منحته كلية واشنطن وجفرسون الجامعية الأميركية المرموقة شهادة فخرية.

تكامل فريقه السياسي
ما يعزّز تكهنات المراقبين والمتابعين في أن تخيم أجواء إيجابية على العلاقة المستقبلية بين بغداد والإقليم، الآن، هو تولي مسرور بارزاني، الذي هو النجل الأكبر لزعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني، وابن عم نيجيرفان، رئاسة الحكومة المقبلة، كونه مدعوماً بقوة من والده الزعيم وابن عمه رئيس الإقليم. والرجلان تعهدا رسمياً بتقديم الدعم الكامل ليتمكن من معالجة المشاكل الداخلية في الإقليم، لا سيما مكافحة الفساد الإداري والبطالة المقنّعة، وتوفير فرص العمل المتوازنة للشباب، لا سيما حملة الشهادات الجامعية.
هذا، وسيباشر مسرور بارزاني مساعيه لتشكيل حكومته اعتباراً من مطلع الأسبوع المقبل، بعد تكليفه بذلك رسمياً من قبل رئيس الإقليم يوم الأربعاء الماضي. ومن المنتَظَر أن تكون مفاوضاته سهلة في مدينة السليمانية مع زعماء حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (21 مقعداً)، بصفته الشريك الثاني في الحكومة، و«حركة التغيير» بصفتها الشريك الثالث، في ضوء ما هو محدد في الاتفاقات الثنائية المنفصلة المبرمة بين «الديمقراطي» وشريكيه في الحكم. على أن يتم تشكيل الحكومة في غضون شهر واحد من تاريخ تكليف مسرور بارزاني، الذي هو عضو في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي، وحاصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية من إحدى الجامعات الأميركية.



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».