نيجيرفان بارزاني... رئيس كردستان العراق وسليل أعرق عائلات الإقليم السياسية

انتخب وفق قانون الرئاسة المعدّل خلال الشهر الماضي

نيجيرفان بارزاني... رئيس كردستان العراق وسليل أعرق عائلات الإقليم السياسية
TT

نيجيرفان بارزاني... رئيس كردستان العراق وسليل أعرق عائلات الإقليم السياسية

نيجيرفان بارزاني... رئيس كردستان العراق وسليل أعرق عائلات الإقليم السياسية

للسنوات الأربع المقبلة، سيحظى إقليم كردستان العراق، بحقبة غير مسبوقة من الوئام السياسي، والاستقرار الأمني والاقتصادي، مقرونة بعلاقات دبلوماسية وسياسية متوازنة مع السلطات الاتحادية في بغداد ومع محيطه الخارجي.
هذا ما تعهد به نيجيرفان بارزاني (52 سنة) الرئيس الجديد للإقليم، الذي تسلم مقاليد منصبه أخيراً، وبات من ثم، أول رئيس لكردستان العراق يجري انتخابه وفقاً للنظام البرلماني الذي أُقر في الإقليم، وفقاً لقانون الرئاسة المعدّل يوم 8 مايو (أيار) الماضي. ولقد حصل نيجيرفان بارزاني على 68 صوتاً من أصوات 81 عضواً حضروا الجلسة النيابية، مع الإشارة إلى أن العدد الإجمالي لمقاعد برلمان الإقليم (وبالتالي، عدد نوابه) هو 111 مقعداً.

نيجيرفان بن إدريس بن مصطفى بارزاني، الرئيس الجديد لإقليم كردستان العراق (الذاتي الحكم) تدرّج في السلمين الحزبي والحكومي، بتأنٍّ وثبات، إلى أن تبوأ منصب نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، أكبر الأحزاب الحاكمة في الإقليم، بزعامة رئيس الإقليم السابق مسعود بارزاني، وهذا، قبل أن يتولى رئاسة حكومة الإقليم.
يوصف نيجيرفان في الأوساط السياسية والإعلامية على المستويين المحلي والخارجي، بـ«الرئيس الشاب والأنيق والمنفتح» في سياساته وأفكاره. ولقد اكتسب تلك الشهرة من خلال حنكته السياسية والدبلوماسية ومهارته العالية، وتبصره في التعاطي المرن مع أكثر القضايا السياسية والعسكرية تعقيداً.
تجلت كل تلك الصفات السياسية في الزعيم الشاب بعد أحداث إعادة انتشار القوات العراقية.
يومذاك، حاولت ميليشيات «الحشد الشعبي» اقتحام إقليم كردستان العراق، مستغلة أجواء التوتر بين أربيل وبغداد، في أعقاب عملية الاستفتاء على مصير إقليم كردستان يوم 25 من سبتمبر (أيلول) من العام ذاته، ساعية إلى القضاء على الكيان السياسي والدستوري القائم في الإقليم منذ عام 1992.
إلا أن نيجيرفان بارزاني نجح في تطويق الأزمة وتبديد المخاوف والمخاطر، كما نجح في إبعاد شبح القتال عن الإقليم وشعبه، وتطبيع العلاقات مع بغداد أولاً، ومع عواصم دول الجوار أيضاً، بحكمته السياسية المعهودة وعلاقاته الدبلوماسية الواسعة، مع مراكز وعواصم القرار في العالم على مدى عقدين متواصلين تقريباً من توليه رئاسة الحكومة، بل أكثر من هذا وذاك، نجح بامتياز في توسيع نطاق الشعبية والجماهيرية التي يتمتع بها حزبه في الإقليم، ما ضمن له الفوز في الانتخابات التشريعية التي أجريت في العراق خلال مايو (أيار) 2018 بحصوله على 26 مقعداً، وبعد ذلك الانتخابات النيابية في الإقليم التي أجريت في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي بحصوله على المرتبة الأولى بواقع 45 مقعداً (أي نصف مقاعد البرلمان تقريباً) وبالتالي، كسب الرجل مزيداً من التألق السياسي وعزّز من موقعه في الإقليم على مختلف المستويات.

تبنّي النظام البرلماني
لعل من أهم ما يُحسب للرئيس الجديد، وسليل بيت الزعامة الأبرز في كردستان العراق منذ النصف الثاني من القرن العشرين. تحديداً من إنجازات سياسية، هو نجاحه في إقناع قيادات حزبه بتبني النظام البرلماني، عوضاً عن النظام الرئاسي، الذي لطالما تسبب في إثارة معضلات سياسية عويصة مع أقطاب المعارضة وفي مقدمتها «حركة التغيير».
إذ كانت هذه الحركة تشترط تغيير النظام النيابي سبيلاً لتطبيع الأوضاع السياسية المتوترة بينها وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني، التي نشبت على خلفية رفض الرئيس السابق مسعود بارزاني في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2016، تبني النظام البرلماني، وتعديل قانون رئاسة الإقليم، ما أسفر عن تعطيل برلمان الإقليم لسنتين من عمر دورته السابقة، ومنع رئيسه وقتذاك، يوسف محمد، القيادي في «حركة التغيير» (التي كانت تشغل 24 مقعداً) من مزاولة مهامه وإبعاد وزراء الحركة الأربعة من تشكيلة الحكومة السابقة.
ومن ثم، كان لحصول هذا التحول السياسي والإداري الكبير، أثر عميق في إبراز دور نيجيرفان بارزاني، في الحياة السياسية وتصحيح مسيرتها في الإقليم، بحيث أفلح في استقطاب أكبر قوى المعارضة، أي «حركة التغيير»، إلى تحالف القوى الثلاث التي ستشكل حكومة الإقليم المنتخَبة، وبالتالي، إضعاف جبهة المعارضة النيابية في الإقليم.

إبان مقاومة «داعش»
أيضاً يُسجَّل للزعيم الشاب، إدارته لشؤون الإقليم، أمنياً واقتصادياً، خلال سنوات الحرب ضد تنظيم «داعش»، الذي كان يهدد أمن واقتصاد الإقليم في الصميم، وفي ظل أوضاع اقتصادية خانقة جراء قطع بغداد لحصة الإقليم من الموازنة العامة للبلاد على مدى أربع سنوات. ولقد وُفّق تماماً في حفظ السلم الاجتماعي رغم ما عانى منه الإقليم من اضطرابات سياسية وهيجان شعبي، بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية. وبرهن للقاصي والداني على مهارته وسعة خبرته الإدارية والسياسية، ما يؤهله، حسب كثير من المراقبين، وقطاع واسع من النخبة الثقافية والإعلامية، لأن يكون رئيساً متميزاً، بوسعه فعل الكثير، في حال لم يتكالب أعداء النجاح لعرقلة مشاريعه الطموحة والواعدة.

مضمون خطاب اليمين
وفي خطاب نيجيرفان بارزاني الذي ألقاه خلال مراسم أدائه اليمين القانونية أمام برلمان الإقليم في 10يونيو (حزيران) الحالي، حدد الرئيس الجديد، جوهر وأساس الخلافات القائمة بين الإقليم والسلطات الاتحادية في بغداد منذ 16 سنة، ألا وهو تجاهل الدستور العراقي الذي صوّت عليه 70 في المائة من الشعب العراقي عام 2005، أو الانتقائية في تنفيذ بنوده.
وعزا في الخطاب إلى ذلك كل المشاكل السياسية والأمنية التي عانى ويعاني منها العراق، بما فيها مشكلة الإرهاب، ممثلاً بالمنظمات والجماعات المتطرفة. وأكد أن الفرصة ما زالت سانحة، وهناك متَّسع من الوقت لإعادة تفعيل الدستور وتنفيذ مضامينه حرفياً، وجعله المرجع والفيصل في حلحلة الخلافات القائمة بين الجانبين. كذلك أعلن استعداده لطي صفحة الخلافات وفتح صفحة أوسع من التعاون والعلاقات المتوازنة والإيجابية مع بغداد، وهو ما يعني ضمناً أن الرئيس الشاب يطمح إلى تدشين مرحلة فريدة من التعاون المثمر بين الإقليم والسلطات الاتحادية ببغداد، مستثمراً وجود عادل عبد المهدي، المعروف بعلاقاته الطيبة جداً مع القوى الكردية، على رأس الحكومة العراقية، الأمر الذي يؤمل أن تظهر أولى بوادره أثناء زيارة عبد المهدي المرتقبة للإقليم خلال اليومين المقبلين. هذه الزيارة ستكون الزيارة الأولى لعبد المهدي منذ توليه رئاسة الحكومة. ووفقاً لمصادر كردية مطلعة، من المرتقب أن يبحث الرئيسان بارزاني وعبد المهدي، أهم وأعقد الملفات العالقة بين الطرفين، وعلى رأسها مسألة تصدير النفط من الإقليم، وقانون النفط والغاز المعطل في البرلمان العراقي منذ أكثر من عقد، وحصة الإقليم من الموازنة المالية للدولة، وملف قوات البيشمركة ومستحقاتها المالية والعسكرية، وهي جزء من سلسلة ملفات ما برحت تعيق عودة المياه إلى مجاريها الطبيعية، بين أربيل وبغداد.

السيرة الذاتية
ولكن ماذا عن نيجيرفان بارزاني الإنسان؟ من هو وما سيرته الشخصية؟
سيرة نيجيرفان بارزاني تسرد، في الحقيقة، فصولاً طويلة من النضال السياسي العسير.
وُلِد نيجيرفان يوم 21 سبتمبر (أيلول) من عام 1966 في بارزان، معقل الأسرة البارزانية، وهو ابن إدريس، أحد ولدي الملا مصطفى بارزاني أحد أبرز الزعماء والقادة الميدانيين، بجانب أخيه مسعود، الرئيس السابق للإقليم.
وهاجر مع أسرته صبياً إلى إيران عام 1975، غداة انهيار الثورة الكردية التي قادها جده الزعيم الراحل الملا مصطفى. ونتيجة لظروف النزوح القاسية والانخراط بمعترك السياسة والعمل العسكري ضمن قوات البيشمركة الكردية، ولسنوات طويلة، تعذر عليه الانتظام واستكمال المراحل الدراسية، والحصول على شهادة جامعية. مع هذا، نتيجة لدوره المتميز في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني انتخب عضواً في المكتب السياسي عام 1989، ثم انتُخِب نائباً لرئيس الحزب.
في مارس (آذار) 1991 شارك بفاعلية في الانتفاضة الكردية ضد النظام العراقي السابق، مخططاً ومنفذاً لكثير من فصولها، ثم انتُخِب رئيساً لحكومة إقليم كردستان، في دورتها الثالثة عام 1996، ثم للدورة الرابعة عام 1999. (في تلك الفترة كانت حكومة الإقليم منقسمة إلى إدارتين بين أربيل والسليمانية بفعل الاقتتال الداخلي بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وغريمه الأزلي الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الراحل جلال الطالباني).
بعد ذلك، أُعِيد انتخابه رئيساً لحكومة الإقليم في أعقاب توحيد إدارتيها عام 2006. وأعيد انتخابه مجدداً رئيساً لدورتها الخامسة للفترة من 2011 ولغاية 2013، ثم رئيساً للدورة السادسة للفترة من 2013 ولغاية 2018.
يوم 3 ديسمبر (كانون الأول) 2018 قرر الحزب الديمقراطي ترشيحه لرئاسة الإقليم، وهكذا، وانتخب بالفعل للمنصب في مايو الماضي.
نيجيرفان بارزاني متزوج من ابنة عمه مسعود بارزاني، وله خمسة أولاد، هم: إدريس، وجيافان، ورانيا، ومايا، ودانيال. ولقد منحته كلية واشنطن وجفرسون الجامعية الأميركية المرموقة شهادة فخرية.

تكامل فريقه السياسي
ما يعزّز تكهنات المراقبين والمتابعين في أن تخيم أجواء إيجابية على العلاقة المستقبلية بين بغداد والإقليم، الآن، هو تولي مسرور بارزاني، الذي هو النجل الأكبر لزعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني، وابن عم نيجيرفان، رئاسة الحكومة المقبلة، كونه مدعوماً بقوة من والده الزعيم وابن عمه رئيس الإقليم. والرجلان تعهدا رسمياً بتقديم الدعم الكامل ليتمكن من معالجة المشاكل الداخلية في الإقليم، لا سيما مكافحة الفساد الإداري والبطالة المقنّعة، وتوفير فرص العمل المتوازنة للشباب، لا سيما حملة الشهادات الجامعية.
هذا، وسيباشر مسرور بارزاني مساعيه لتشكيل حكومته اعتباراً من مطلع الأسبوع المقبل، بعد تكليفه بذلك رسمياً من قبل رئيس الإقليم يوم الأربعاء الماضي. ومن المنتَظَر أن تكون مفاوضاته سهلة في مدينة السليمانية مع زعماء حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (21 مقعداً)، بصفته الشريك الثاني في الحكومة، و«حركة التغيير» بصفتها الشريك الثالث، في ضوء ما هو محدد في الاتفاقات الثنائية المنفصلة المبرمة بين «الديمقراطي» وشريكيه في الحكم. على أن يتم تشكيل الحكومة في غضون شهر واحد من تاريخ تكليف مسرور بارزاني، الذي هو عضو في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي، وحاصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية من إحدى الجامعات الأميركية.



ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.