مصر تبحث عن حلول مبتكرة لإنقاذ القاهرة التاريخية

تدرس إنشاء جهاز بصلاحيات واسعة لرعايتها وتطبيق نموذج جديد على 3 مناطق

جانب من شارع  المعز في القاهرة
جانب من شارع المعز في القاهرة
TT

مصر تبحث عن حلول مبتكرة لإنقاذ القاهرة التاريخية

جانب من شارع  المعز في القاهرة
جانب من شارع المعز في القاهرة

تبحث الحكومة المصرية عن حلول جديدة ومبتكرة لإنقاذ القاهرة التاريخية، التي أهملت خلال السنوات الثلاث الماضية، مما عرض ما يزيد على 700 أثر مسجل للخطر. وبينما قرر مجلس الوزراء دراسة إنشاء جهاز خاص بصلاحيات واسعة لرعاية القاهرة التاريخية، أعرب وفد من منظمة اليونيسكو، التقى إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء أمس، عن استعداده لمواصلة التعاون مع السلطات المصرية للحفاظ على تلك الآثار، وعلى رأسها 31 موقعا مدرجة ضمن قائمة التراث العالمي.
وشكل رئيس الحكومة مجموعة عمل تضم 10 وزراء في أبريل (نيسان) الماضي لوضع برامج عاجلة لحماية تراث القاهرة التاريخية، وإخلاء المواقع الأثرية من الإشغالات، وإعادة توظيفها بصفتها تراثا إنسانيا تعرض للإهمال في الآونة الأخير. واجتمعت مجموعة العمل مساء أول من أمس، حيث عرض وزير الآثار ممدوح الدماطي المعوقات التي تقف في سبيل تطوير وحماية القاهرة التاريخية.
وتضم اللجنة التي يترأسها محلب وزراء: السياحة، والتنمية المحلية، والتطوير الحضري، والأوقاف، والثقافة، والإسكان، والتعاون الدولي، والبيئة، والآثار، ومحافظ القاهرة، وسفير مصر لدى «اليونيسكو»، بالإضافة إلى ممثلي بعض الجهات الحكومية.
وعرض وزير السياحة المصري، هشام زعزوع، أن تتولى وزارته تمويل أعمال نظافة الأماكن الأثرية السياحية، وتقرر خلال الاجتماع البدء بنموذج نظافة لثلاثة أماكن، هي: قلعة صلاح الدين، وحي الجمالية، وشارع المعز الذي يعد بذاته أكبر متحف مفتوح في العالم.
وقال بيان لمجلس الوزراء، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إنه «بعد عرض قدمه وزير الآثار لعدد من المعوقات والمشكلات (التي تواجه تطوير وحماية القاهرة التاريخية)، وجه رئيس الوزراء بضرورة أن يكون هناك تنسيق بين وزارتي الآثار والأوقاف، والمحافظة (القاهرة)، وأن يكون هناك حلول سريعة للمساجد الأثرية، وكيفية صيانتها وإدارتها، كما طالب بحلول غير تقليدية لنظافة المناطق الأثرية بالقاهرة التاريخية بوجه عام».
وأضاف البيان أنه تقرر دراسة إنشاء جهاز مختص بصلاحيات واسعة، تنتقل إليه اختصاصات الجهات ذات الصلة بمنطقة القاهرة التاريخية، وأن يكون به ممثلون للوزارات المعنية. وتسعى الحكومة إلى إعادة استغلال بعض المناطق والأبنية الأثرية، لكنها تصطدم في الغالب بوجود سكان في معظم تلك الأبنية. وقرر اجتماع مجموعة العمل المكلفة تطوير القاهرة التاريخية حصر التعديات على تلك المباني لبدء إزالتها.
وتقف على رأس المناطق التي تسعى الحكومة لإعادة استغلالها، وكالة «أودة باشي» التي أنشأها ذو الفقار كتخدا مستحفظان عام 1673 في الجمالية بالقرب من باب النصر، حيث تعود أحلام تحويلها إلى فندق منذ زمن الوزير الأسبق فاروق حسني. وترى السلطات أن المحال والورش في محيط وكالة «أودة باشي» عشوائية، وتعرض الآثار لمخاطر التدمير.
وبينما تسعى مصر لوضع خطط عاجلة لحماية القاهرة التاريخية، التقى رئيس مجلس الوزراء وفدا من منظمة اليونيسكو، يضم رئيس مكتب المنظمة بالقاهرة، والمدير الإقليمي لـ«اليونيسكو» بالمنطقة العربية، ونائب رئيس منظمة التراث العالمي، إلى جانب مديرة المجلس الدولي للمتاحف (إيكوم)، والمركز الإقليمي لحفظ التراث الثقافي في الوطن العربي (إيكروم)، لبحث آفاق التعاون بين مصر والمنظمة الدولية خلال الفترة المقبلة. وحضر اللقاء وزيرا التعاون الدولي، والآثار، وسفير مصر لدى منظمة اليونيسكو.
وأكد محلب اهتمام مصر بإقامة وتطوير المتاحف التاريخية، بصفتها كنزا للتراث الحضاري، مشيرا إلى أن القاهرة التاريخية منطقة فريدة للإنسانية جمعاء، حيث تتجاور فيها المساجد والكنائس والمعابد، وهو ما يؤكد روح التسامح والمحبة التي تجمع بين المصريين في نسيج واحد.
وشدد محلب، بحسب بيان صدر عن مجلس الوزراء، على حرص الحكومة الحالية على المحافظة على التراث المصري، وموضحا أن حكومته أعدت برنامجا طموحا لإقامة وتطوير المتاحف والمناطق الأثرية المختلفة، كالمتحف المصري الكبير (تحت الإنشاء بالقرب من منطقة أهرام الجيزة)، وترميم متحف الفن الإسلامي الذي تعرض لأضرار جسيمة في استهداف مبنى مديرية أمن القاهرة مطلع العام الحالي، وإنقاذ الكنوز الأثرية الحضارية المصرية.
وأكد محلب حرص الحكومة على فتح مجالات جديدة للتعاون في الحفاظ على الآثار وحماية التراث المصري بالتعاون مع «اليونيسكو»، إضافة إلى سابق جهودها في تطوير شارع المعز ومنطقة الجمالية والكثير من الآثار التاريخية بالقاهرة القديمة، موجها الدعوة إلى «اليونيسكو» للمشاركة في الحفاظ على تراث مصر، الذي يعد إرثا عالميا.وأشار محلب، خلال اللقاء، إلى أنه يعمل على أن تتضمن الكتب المدرسية معلومات عن الآثار وعن منظمة اليونيسكو وأنشطتها، للتوعية بدورها الحضاري في حماية التراث الإنساني العالمي.
من جانبه، أوضح عابدين صالح، رئيس وفد «اليونيسكو»، أن هناك حرصا مصريا كبيرا على الحفاظ على تراثها، كما أكد ترحيب المنظمة الدولية بمواصلة تعاونها مع مصر في مجالات التدريب، وترميم الآثار، إلى جانب الكثير من مجالات التعاون الأخرى.
كما أضاف رئيس الوفد أن هناك 31 موقعا بمصر على قائمة التراث العالمي، وأنه من الأهمية العمل على ضم المزيد من المواقع المصرية الأثرية إلى القائمة، للحفاظ عليها وجذب السائحين إليها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».