مهرجان فينيسيا: «ذيب» لناجي أبو نوار يحصد جائزة أفضل مخرج في «آفاق جديدة»

الملكة رانيا العبد الله: أنا فخورة بالمواهب الأردنية

الأردني ناجي أبو نوار يفوز بجائزة أفضل مخرج (إ.ب.أ)
الأردني ناجي أبو نوار يفوز بجائزة أفضل مخرج (إ.ب.أ)
TT

مهرجان فينيسيا: «ذيب» لناجي أبو نوار يحصد جائزة أفضل مخرج في «آفاق جديدة»

الأردني ناجي أبو نوار يفوز بجائزة أفضل مخرج (إ.ب.أ)
الأردني ناجي أبو نوار يفوز بجائزة أفضل مخرج (إ.ب.أ)

حصد الفيلم الروائي الأردني الطويل (ذيب) لناجي أبو نوار جائزة أفضل مخرج في قسم «آفاق جديدة» ب مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الذي اختتم يوم السبت فعاليات دورته الحادية والسبعين.
وقسم «آفاق جديدة» متخصص في عرض أفلام تحمل اتجاهات تعبيرية وجمالية جديدة في السينما العالمية، حيث شهدت المسابقة هذا العام تنافس 29 فيلما من جنسيات مختلفة.
ويتناول الفيلم مشاهد جمالية تدور وقائعها في الصحراء الأردنية إبان فترة تاريخية مطلع القرن الماضي خلال الوجود العثماني.
ويسرد قصة الفتى البدوي ذيب وشقيقه حسين اللذين يتركان مضارب قبيلتهما في رحلة محفوفة بالمخاطر في مطلع الثورة العربية الكبرى، حيث تعتمد نجاة ذيب من هذه المخاطر على تعلم مبادئ الرجولة والثقة ومواجهة الخيانة.
وحضر عرض الفيلم المخرج ناجي أبو نوار، والأبطال جاسر عيد، وحسن مطلق، وحسين سلامة وجاك فوكس، والمنتجان باسل غندور وروبرت لويد، والمنتج المنفذ نادين طوقان، والمنتجان المشاركان ناصر قلعجي وليث المجالي، والمنتجان المساعدان يانال كاساي، وعيد سويلحين، ومدير الإنتاج ديالا راعي، والملحن جيري لين، ومدير التصوير وولفغانغ تالر.
وفيلم «ذيب» هو مغامرة صحراوية ضخمة مدتها 100 دقيقة، وهو أول الأفلام الطويلة للمخرج والكاتب أبو نوار الذي بدأ الكتابة والإخراج منذ عام 2010. ونال مشروع الفيلم منحا مقدمة من صندوق «سند» في أبوظبي، ومؤسسة الدوحة للأفلام، وصندوق رؤى جنوب شرقي السويسري.
والفيلم من إنتاج شركة بيت الشوارب التي أسسها الأردني باسل غندور، بالتعاون مع «نور بيكتشرز» من خلال المنتج البريطاني روبرت لويد، وشركة الخلود للإنتاج الفني، وشارك في الإنتاج ناصر قلعجي وليث المجالي، وتقوم نادين طوفان بدور المنتج المنفذ.
فيلم «ذيب» هو ثاني أفلامه وأول أفلامه الطويلة، وقد بدأ أبو نوار مسيرته المهنية في عام 2005، حيث كان في الدفعة الأولى من خريجي ورشة عمل راوي لمؤلفي السيناريو في الأردن التي تنظم بالاشتراك مع معهد ساندانس.
وقال ناجي أبو نوّار، بعد حصوله على الجائزة: «إنها بالفعل تجربة استثنائية، ففيلم (ذيب) هو أول أعمالي الطويلة، كما أن هذا هو المهرجان الأول الذي أحضره وأنا صانع أفلام، أريد أن أعبر عن اعتزازي بالعمل مع مجموعة عظيمة، وسعادتي بتسليط الضوء علينا في فعالية مرموقة مثل مهرجان فينيسيا السينمائي، فهذا يمكن اعتباره حلما وتحقق، كما أن الفضل في هذا كله يرجع إلى فريق (ذيب)».
وباركت الملكة رانيا العبد الله فوز فيلم «ذيب» الأردني بجائزة عالمية في «فينيسيا»، أمس (الأحد)، عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر».
وقالت الملكة رانيا العبد الله، في تغريدة لها: «مبارك للمخرج الأردني ناجي أبو نوار وفريقه على فوز فيلم (ذيب) بجائزة أوريزونتي (آفاق جديدة) عن أفضل مخرج في مهرجان فينيسيا للأفلام». وقالت في تغريدة مماثلة باللغة الإنجليزية: «أنا فخورة بالمواهب الأردنية ومبروك لكل فريق (ذيب)».
جرى تصوير فيلم «ذيب» في صحراء جنوب الأردن، وتعاون فيه المنتجون مع المجتمعات البدوية التي جرى التصوير بالقرب منها، وجرى اختيار ممثلي الفيلم من العشائر التي تعيش في المنطقة منذ مئات السنوات، وذلك بعد إشراكهم في ورش عمل للتمثيل والأداء لمدة 8 أشهر قبل بدء التصوير، وقام بدور الشخصية الرئيسة في الفيلم الطفل جاسر عيد، بالاشتراك مع حسين سلامة، حسن مطلق ومرجى عودة، بالإضافة إلى الممثل جاكفوكس.
وقد شارك ناجي أبو نوار في كتابة السيناريو بالاشتراك مع باسل غندور. ويجمع الفيلم فريق عمل عالميا، يأتي في مقدمتهم مدير التصوير النمساوي وولفغانغ تالر الحائز الكثير من الجوائز السينمائية، والملحن البريطاني جيري لين، ومصممة الديكور البريطانية آنا لافيل، بينما قام روبرت لويد بمونتاج الفيلم.
بدأ أبو نوار مسيرته المهنية في عام 2005، حيث كان في الدفعة الأولى من خريجي ورشة عمل راوي لمؤلفي السيناريو في الأردن التي تنظم بالاشتراك مع معهد ساندانس للأفلام.
والمؤلم أن الفيلم الأردني الذي أبهر لجنة التحكيم في المهرجان الدولي (فينيسيا)، كان صناعه عانوا في البحث عن رعاة محليين وداعمين، إذ رفضت كل من الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، وصندوق الملك عبد الله دعم الفيلم.
ومن المقرر أن يشارك الفيلم بعد ذلك في مهرجان تورونتو السينمائي في دورته المقبلة.
ومن ناحية اخرى قال مدير مهرجان البندقية السينمائي ألبرتو باربرا، إنه ينبغي على المهرجانات السينمائية الرائدة أن تتعاون بدلا من خوض حروب لكي تظل جذابة لكبرى استوديوهات هوليوود.
وقال باربرا خلال مقابلة أجريت معه: «أعتقد أن بدء الحرب والمنافسة بين المهرجانات خطوة سخيفة»، حسب «رويترز».
وأضاف: «لا نحتاج إلى أن نتنافس فيما بيننا. نحن هنا للقيام بمهامنا التي هي عرض الأفلام الجيدة لصناع الأفلام لمساعدتهم في الدخول إلى السوق وهكذا.. أليس كذلك؟».
وقال باربرا إنه التقى رؤساء مهرجانات آخرين في كان وبرلين، بالإضافة إلى كبار المسؤولين في تورنتو لمناقشة العمل على نحو أكثر تعاونا. وأضاف أن إحدى المشكلات الكبرى التي تواجه جميع المهرجانات هي أن هوليوود لم تعد تنظر إليها بالضرورة على أنها وسيلة جيدة لطرح الأفلام التي تلقى إقبالا.
وقال باربرا: «عندما تحصل على واحد فستشعر أنك محظوظ لأن بالنسبة لمعظم أفلام هوليوود فإن الاستوديوهات لا تعتبر المهرجان كخيار أولي للترويج لفيلمها. المنتجون لا يحبون فكرة الحرب بين المهرجانات. إنهم يحتاجون إلى الترويج لأفلامهم ولا يريدون التورط في هذه الحرب».
إلى ذلك، انتهت مساء السبت فعاليات مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في دورته الـ71 بإعلان هيئة التحكيم للجوائز الممنوحة للأعمال الفائزة وهي كالتالي:
- جائزة الأسد الذهبي لأفضل فيلم وحصل عليها فيلم «حمامة فوق غصن تتأمل الوجود»، «إيه بيجون سات أون إيه برانش ريفليكتينج إجزيستانس» للمخرج السويدي روي أندرسون.
- جائزة الأسد الفضي لأفضل مخرج وذهبت للمخرج الروسي أندريه كونتشالوفسكي عن فيلمه «الليالي البيضاء لساعي البريد».
- جائزة لجنة التحكيم الكبرى لفيلم «نظرة الصمت» للمخرج جوشوا أوبنهايمر (الولايات المتحدة).
- جائزة لجنة التحكيم الخاصة للمخرج التركي كان موجديسي عن فيلمه «سيفاس».
- جائزة كأس فولبي لأفضل ممثل: وحصل عليها الممثل آدم درايفر «الولايات المتحدة «عن دوره في فيلم «قلوب جائعة». وسميت الجائزة علي اسم الكونت جوزيبي كولبي مؤسس مهرجان فينيسيا السينمائي.
- جائزة كأس فولبي لأفضل ممثلة: وحصلت عليها الممثلة إلبا روروتشر (إيطاليا) عن دورها في فيلم «قلوب جائعة».
- كأس ماستروياني لأفضل ممثل/ ممثلة صاعدة: روما يول عن فيلم ضربة المطرقة الأخيرة «لو درنيير كوب دو مارتو (فرنسا).
- أفضل سيناريو: فيلم «حكايات» راخشان بني اعتماد (إيران).



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)