سنوات السينما: Buchanan Rides Alone

راندولف سكوت في «بوكانن يرحل وحيداً»
راندولف سكوت في «بوكانن يرحل وحيداً»
TT

سنوات السينما: Buchanan Rides Alone

راندولف سكوت في «بوكانن يرحل وحيداً»
راندولف سكوت في «بوكانن يرحل وحيداً»

Buchanan Rides Alone
(1952)
مسافر وحيد ومدينة ملتهبة

يكتفي النقد العربي ببضع مخرجين يعتبرهم عنوان سينما الغرب الأميركي. يتقدم هؤلاء المخرجين جون فورد، ويتبعه هوارد هوكس، وهنري هاذاواي، وسام بكنباه، وفي السنوات الأخيرة ارتفع نصيب كونتِن تارنتينو من الاهتمام؛ وذلك من بعد فترة سادت فيها أعمال كلينت إيستوود.
لكن الواقع أن هناك مخرجين لا يقلون جدارة عن المذكورين أعلاه في هذا الشأن، مثل أنطوني مان، وراوول وولش، وجون سترجز، ودلمر ديڤز، وكذلك مخرج «بوكانن يرحل وحيداً» بد بوويتيكر. هذا المخرج الذي أنجز 33 فيلماً للسينما (وعشرات الأفلام التلفزيونية) بينها 15 فيلماً وسترن، لم يعرض فقط حكايات غرب قاحل وبلدات مفتوحة أمام البطل ضد الأشرار، بل ركّب في ذات معظم ما قدّمه عناصر تجعل هذه الشخصيات معقدة وداخلية. في ذلك هو قريب من أنطوني مان وسام بكنباه في حقيقة أن الريشة التي يرسم بها بوويتيكر شخصياته ومحيطاتها داكنة.
«بوكانن» (المأخوذ عن إحدى روايات لجوناس وورد) هو أحد أفلام الست الأخيرة، وتقع جل أحداثه في بلدة صغيرة يفصلها عن المكسيك جسر صغير. إليها يصل بوكانن (راندولف سكوت) رجل طويل القامة مبتسم المحيا غامض السوابق اسمه بوكانن؛ بغاية تمضية يوم واحد ثم الرحيل عنها صوب موطنه في تكساس.
لكن ما بانتظاره يتمدد صوب مفاجآت عدة. في الأساس البلدة اسمها أغري وتملكها عائلة بالاسم ذاته. هناك الشريف لو أغري (باري كيلي)، والقاضي سايمون أغري (تول أفيري)، ويملك الفندق فيها شقيق ثالث اسمه آموس (بيتر وتني). هناك رابع اسمه روي (ويليام لسلي) وهو ابن القاضي. حين يصل بوكانن البلدة يجد نفسه متورطاً في مساعدة مكسيكي شاب قتل روي في مبارزة. التهمة هي وسيلة الشريف لو للاستيلاء على ثروة بوكانن التي تقدر بألفي دولار. وعلى الرغم من اضطرار القاضي إلى تبرئة بوكانن، فإن لو يريد الاحتفاظ بالمبلغ لنفسه فيأمر رجلين من أزلامه بالتخلص من بوكانن قتلاً. أحدهما شاب تكساسي ينقذ حياة بوكانن ويقتل رفيقه. لا ينتهي الفيلم هنا، بل يتحوّل مجدداً إلى نزاع حول حياة المكسيكي المعلقة.
ما يثير في كل ذلك هو أن الفساد ضارب أطنابه في عائلة أغري بدءاً بالشريف الذي يسرق، والقاضي الذي يطمع في مقايضة حياة المكسيكي المحكوم عليه بمبلغ من المال، والشقيق الثالث الذي يحاول الاستفادة من القاضي والشريف المتنازعين على الحصّة.
لكن ما يعمّر طويلاً في البال أيضاً شخصية بوكانن ذاتها. ذلك المسافر الوحيد الذي لا يكترث الفيلم للبحث في تاريخ حياته والذي يقصد أرضاً تتبدى له نهايةً وحلماً، لكنه يتعرض لفصل من الحياة غير متوقع. إنه أب روحي للشاب المكسيكي وللشاب التكساسي، وعدو عنيد للشريف ورجاله.
وفي حين شاهدنا الكثير من الأفلام التي تدور حول أثرياء بلدة فاسدين، إلا أن عائلة أغري تبدو مثالية؛ فهي في نزاع حول الغنيمة يتبعه معركة يقتل فيها كل منهما الآخر في سبيل الحصول عليها.
الفيلم أخاذ ببصرياته (تصوير لوسيان بالاراد الذي عمل لاحقاً مع سام بكنباه) وراندولف سكوت لعب في سبعة أفلام وسترن من إخراج بوويتيكر، أولها Seven Men From Now سنة 1957، وآخرها Comanche Station سنة 1960، وموقع هذا الفيلم هو الرابع بينها.


مقالات ذات صلة

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.