ليس الإرهاب في فرنسا حكراً على المجموعات الجهادية الإرهابية التي نشطت في السنوات الأربع الأخيرة، بدءاً من شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2015. لكن الأمر المؤكد أن أعداد الضحايا من قتلى وجرحى لا يقارن بأي حال بما أسفرت عنه أعمال إرهابية أخرى مرتبطة بمجموعات اليمين المتطرف ذات التوجهات النازية. وليس سراً أن المخابرات الداخلية الفرنسية جعلت من ملاحقة هذه المجموعات ثاني أولوياتها «بعد المجموعات الجهادية»، خصوصاً على خلفية استقواء اليمين المتطرف سياسياً وانتخابياً، ليس في فرنسا وحدها إنما في كثير من الدول الأوروبية.
آخر ما استجد على هذا الصعيد الكشف أمس في باريس عن تفكيك خلية من 5 أشخاص لمن يسمون «النازيون الجدد» يبدو أنها كانت تخطط لمهاجمة أماكن عبادة إسلامية أو يهودية على الأراضي الفرنسية. لكن المعلومات التي توافرت حتى مساء أمس لم تتضمن تفاصيل محددة حول التحضير لاعتداءات مخطط لها في الزمان والمكان.
حقيقة الأمر أن تفكيك الخلية المشار إليها ليس جديداً، إنما الجديد كشف السلطات القضائية والأمنية عنها يوم أمس. وبحسب المعلومات الضئيلة المتوافرة، فإن بداية القصة تعود لـ9 أشهر خلت عندما قبضت الشرطة، في مدينة غرنوبل الواقعة جنوب شرقي فرنسا، على رجل لحيازته أسلحة حربية. وقادت التحقيقات معه، في مرحلة أولى، إلى توقيف الأربعة الآخرين بينهم قاصران. ويبدو أن المحققين الذين استجوبوا الخمسة قد حصلوا على معلومات مفصلة أتاحت لهم، تباعاً، توجيه اتهامات للخمسة تتعلق بالتحضير لأعمال إرهابية وتتضمن تصنيع ونقل متفجرات والمشاركة في مخطط إرهابي. ولم يعطِ المحققون أي تفاصيل لا حول دوافع الخمسة ولا حول الأهداف الحقيقية التي كانوا ينوون مهاجمتها، مكتفين بالقول إنها أماكن عبادة يهودية وإسلامية. ولخصت المصادر الفرنسية ذلك بقولها إن المخطط الإرهابي المشار إليه «ليس واضحاً»، وإنه «لم يكن ناضجاً بعد». والمعروف أن الاعتداءات التي طالت أماكن العبادة ومصالح المسلمين وكذلك اليهود قد تزايدت في السنوات الأخيرة، وهي عادة ما تنسب إلى المجموعات اليمينية المتطرفة.
وأفادت معلومات حصلت عليها القناة الإخبارية «بي إف إم» بأن المجموعة كانت تسمي نفسها «العصفور الأسود» وأنها تتبنى آيديولوجياً يمينية متطرفة قريبة من الطروحات النازية الجديدة. وبحسب القناة المذكورة، فإنها كانت تخطط لاستهداف المؤتمر السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا أو أماكن عبادة عائدة للمسلمين. وبداية العام الحالي، نقل الملف من مدينة غرونوبل إلى قسم مكافحة الإرهاب في النيابة العامة في العاصمة ما أفضى إلى توجيه الاتهامات المشار إليها سابقاً.
وفي الأشهر الأخيرة، سلطت الأضواء على عدة مخططات محتملة تورط فيها متطرفون من اليمين المتشدد. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اعتقل 6 أشخاص للاشتباه بتورطهم في مخطط يستهدف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وفي يونيو (حزيران) من العام نفسه، اعتقلت شرطة مكافحة الإرهاب 13 شخصاً على ارتباط بمجموعة راديكالية على خلفية مخطط مفترض لمهاجمة مسلمين. أما في يوليو (تموز) من عام 2017، فقد اتهم شخص يبلغ من العمر 23 عاماً بالتخطيط لاغتيال الرئيس خلال عرض عسكري بمناسبة العيد الوطني.
و«النازيون الجدد»، حركة متطرفة عنصرية تسمى أيضاً «الفاشية الجديدة»، وتتبع أهداف ومبادئ الحركة النازية، ونشطت مؤخراً في عدد من البلدان الأوروبية. وتعمد الحكومة الفرنسية دورياً إلى حل مجموعات اليمين المتطرف التي تتوسل العنف سبيلاً. والصعوبة التي تواجهها هي تمكن هذه المجموعات من تغيير أسمائها ووجوهها وكلما منع تنظيم منها برز تنظيم آخر مكانه. وفي خطابه الأخير (فبراير/ شباط الماضي)، بمناسبة العشاء السنوي للمجلس التمثيلي اليهودي، دعا ماكرون الحكومة لاتخاذ «أقسى التدابير» بحق المجموعات والجمعيات التي تروج للحقد والعنف والتمييز العراقي، ودعا إلى حل 3 مجموعات اتهمها بمعاداة السامية؛ وهي «لو باستيون» و«كومبا 18» و«بود أند هونور أكساغون». وحث ماكرون على رسم «خطوط حمراء» والإسراع باتخاذ قرارات وتدابير ملموسة تتيحها القوانين لمحاربة هذه المجموعات. ويأتي عمل الأجهزة الأمنية والقضاء في السياق الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي.
الأجهزة الأمنية الفرنسية تركز على مكافحة إرهاب المجموعات اليمينية المتطرفة
الأجهزة الأمنية الفرنسية تركز على مكافحة إرهاب المجموعات اليمينية المتطرفة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة