كتاب جديد يكشف الجانب القاتم من شخصية كارل لاغرفيلد

إنّها عادة معهودة في أوساط نجوم الغناء والسينما والموضة. يرحل أحدهم فتنهال خطابات النعي والمدائح من دون حد. وما أن تمضي بضعة أشهر حتى تنقلب الصّورة وتظهر «الفضائح». لماذا يشذّ كارل لاغرفيلد عن هذه القاعدة؟ في فبراير (شباط) الماضي انطفأ مصمم الأزياء العالمي الألماني المولد. وها هي الصّحافية في جريدة «لوموند» رافائيل باكيه، تنشر عنه كتاباً يراجع سيرته كلها، بعنوان: «القيصر كارل». ويمكن إدراج الكتاب، الصّادر في 265 صفحة، عن دار «ألبان ميشيل» تحت خانة: «اذكروا مساوئ موتاكم».
«كان كريماً لكنّه قاس»، هكذا تصف المؤلفة المصمم الذي أشرف باقتدار على دار «شانيل»، زهرة صناعة الموضة الباريسية. ومن علائم قسوته أنّه صرف مستشارته الصّحافية من العمل، بإشارة من يده، بعد أن تعاونت معه لسنوات، لمجرد أنّها جلست على الكرسي الخطأ في أحد عروض الأزياء. أمّا الفصل الأكثر إثارة فهو الخلاف الذي نشب بين لاغرفيلد وبين عارضته الشهيرة المفضلة إينيس دو لا فريسانج، بسبب «خلافات فكرية». وبعد تركها العمل معه، لم يتوان عن التنديد بها، واصفاً إياها بالباريسية التي تعيش في عالمها المصغّر، واليسارية التي تعيش حياة برجوازية. أمّا العارضة النجمة ذات الشّهرة العريضة، فقد كشفت لمؤلفة الكتاب أنّ حقيقة خلافها مع المصمم هي أنّها أحبّت صحافياً يسارياً وتزوجته واستقلّت عن نفوذ القيصر. وأضافت: «مع كارل لم يكن مسموحاً لي أن أبدو حزينة، ولا أن أمرض أو يصيبني التعب. وفي نهاية الأمر أدركت أنّ الحوار الحقيقي معه مستحيل».
وحسب ما جاء في الكتاب، فإنّ لاغرفيلد لم يكن يحب لقب «القيصر»، الذي أطلقته عليه الصّحافة. فهو كان يرى نفسه من سلالة كبار الأدباء في العصور القديمة، قادراً على أن يسحر أصدقاءه بحديثه البليغ وتعليقاته اللاذعة. وهو قد كذب فيما يخصّ سنة مولده، كما كذب حول مولده في هامبورغ، بألمانيا، لأب ثري صناعي ازدهرت أعماله أثناء حكم هتلر. فهو عندما وصل إلى باريس، عام 1954، زعم أنّه من دولة إسكندنافية لأنّ الألمان كانوا مكروهين في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية. لذلك تحاشى المصمم الشّاب أي حديث عن أبي، رغم أنّه كان طفلاً في زمن النّازية وليس هناك ما يمكن أن يأخذ عليه. لقد أبدى موهبة في التصميم منذ بداياته، لكنّه لم يكن راضياً عمّا حقّقه، وبقي الرّقم 2 بعد زميله ومنافسه المصمم الشّاب، يومذاك، إيف سان لوران. وترى مؤلفة الكتاب أنّ شهرة لاغرفيلد لم تأخذ مداها إلّا بعد انسحاب سان لوران تدريجياً، بسبب المرض، ثم وفاته.
التفاصيل الأخرى التي يتوقف عندها الكتاب هي أنّ المصممين اللدودين لم يتنافسا في مضمار الموضة، فحسب، بل في الميدان العاطفي. وفي حين زعم لاغرفيلد أنه عاش من دون ارتباط بأي كان، فإن سان لوران كان أجرأ منه ومارس حياة لاهية ما بين باريس ومراكش. وتكتب المؤلفة: «لا يغرنكم المظهر الملائكي لهما فقد كان لكل منهما ضحاياه». وتضيف أن إيف كان يصمم أجمل الفساتين، وكارل يخطط لأجمل الخبطات. ومن تلك الخبطات الإعلامية تصميمه لمجموعة من الثياب «الشعبية» زهيدة الثمن لحساب شركة «إتش آند إم» للأزياء الشبابية.
عند رحيله في بدايات هذا العام، نشر المقربون من لاغرفيلد الكثير من الشهادات التي أماطت اللثام عن مبدع كان يحرص على التواري وراء عوينات سوداء وثياب تخفي رقبته وقفازات جلدية يرتديها صيفاً وشتاءً. وهناك من أصدقائه من يؤكد أن الرجل دائم التجهم، نادر الابتسامة، كان إنساناً بالغ الهشاشة، سعى لأن يحيط نفسه بدرع واقية من التحفظ والتهذيب. كان ميالاً للغرائب بشكل جعل منه مدرسة في هذا الميدان.