«داعش» يراوغ بأكاذيب التمدد

أعلن «ولاية الهند» ويراهن على «خلايا طاجيكستان»

عناصر من «داعش» في طريقهم للمثول أمام المحكمة في أحمد آباد بالهند  بعد ضبطهم وهم يحضرون لهجمات إرهابية في فبراير 2017 (غيتي)
عناصر من «داعش» في طريقهم للمثول أمام المحكمة في أحمد آباد بالهند بعد ضبطهم وهم يحضرون لهجمات إرهابية في فبراير 2017 (غيتي)
TT

«داعش» يراوغ بأكاذيب التمدد

عناصر من «داعش» في طريقهم للمثول أمام المحكمة في أحمد آباد بالهند  بعد ضبطهم وهم يحضرون لهجمات إرهابية في فبراير 2017 (غيتي)
عناصر من «داعش» في طريقهم للمثول أمام المحكمة في أحمد آباد بالهند بعد ضبطهم وهم يحضرون لهجمات إرهابية في فبراير 2017 (غيتي)

هل تكون الهند وطاجيكستان واجهتا تنظيم «داعش» المقبلتين بعد هزائم سوريا والعراق؟ سؤال يتبادر إلى الأذهان عقب تلميحات أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم، إلى تأسيس «ولايات جديدة»، خلال التسجيل المصور الذي ظهر فيه نهاية أبريل (نيسان) الماضي بعد اختفاء 5 سنوات. المساعي «الداعشية» الجديدة تأتي في إطار محاولات التنظيم إثبات قدرته على التمدد في مناطق بعيدة عن التي ظهر فيها وحاول تطبيق مشروع «الدولة المزعومة» بها وفشل، بعد أن تعرض لضربات عسكرية قوية وخسائر مادية وبشرية.
متخصصون في الحركات الإسلامية قالوا إن «داعش» يحاول أن يلفت الأنظار إليه، وإيجاد أماكن جديدة، حتى لو في الفراغ، من أجل الظهور الإعلامي فقط، وإثبات أنه ما زال موجوداً ويتوسع. مؤكدين أن «داعش» تحول إلى «خلايا نائمة» وهذا يُمثل بُعداً آخر تفوح منه رائحة الخطورة، وسط مخاوف من عمليات كبرى في الهند أو طاجيكستان أو المناطق القريبة منهما.
ويرى مراقبون أن «داعش» يُحاول أن يبدأ من جديد حيث بداياته الأولى، فالتنظيم يمتلك خبرة استراتيجية سواء في الانكفاء والانزواء على النفس، أو العودة من جديد بعد الخفوت.

ظهور البغدادي
وأعلنت وكالة «أعماق» التابعة للتنظيم في مايو (أيار) الماضي، تأسيس ولاية جديدة في الهند. وذكرت دراسة لمركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» في أبوظبي، أن «إعلان التنظيم عن تأسيس ولايته الجديدة في الهند، جاء بعد نحو شهرين من التصريحات التي أدلى بها بعض المسؤولين الغربيين بشأن القضاء عليه بنسبة كبيرة، وبعد الظهور الأخير للبغدادي، والذي تزامن مع حلول الذكرى الخامسة لتأسيس التنظيم ذاته، وهو ما يكشف أن التنظيم كان يسعى عبر ذلك إلى توجيه رسالة مفادها أن المشروع الذي سعى إلى تطبيقه لم يسقط بعد، رغم كل الضغوط التي يتعرض لها».
وقال عمرو عبد المنعم، الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، إن «(داعش) يحاول لفت الأنظار إليه، وإيجاد أماكن جديدة له، حتى لو في الفراغ، من أجل الظهور الإعلامي فقط، وتأكيد أنه ما زال موجوداً ويهدد ويتوسع، فالتنظيم لم يُنفذ إلا 3 أو 4 عمليات في الهند على مدى السنوات الماضية، وهي عمليات لا تُذكر، ولا يستطيع القول إنه حقق في الهند أي نجاحات سابقة»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «التنظيم يحاول أن يُعلن عن (ولاية الهند) عقب الفشل الكبير الذي مُني به في العراق وسوريا، والضربات التي تلقاها في ليبيا، وارتفاع الصراع الوجودي بينه وبين (القاعدة)، خصوصاً أن (القاعدة) كان له عمليات في الهند منذ أحداث أفغانستان ثم البوسنة والهرسك».
ولفت عبد المنعم إلى أن «بعض عناصر (القاعدة) لجأوا إلى آسيا الوسطى والقوقاز من قبل، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، استقلت هذه الدول وورثت الصراعات المذهبية والسياسية، ويسعى التنظيم إلى استغلال التوترات التي تتسم بطابع ديني أو عرقي لتعزيز قدرته لتحقيق أهدافه».
ويشار إلى أن فقدان «القاعدة» النفوذ في الهند، اعتبره «داعش» فرصة للتمدد في المناطق التي سبق أن سعى تنظيم «القاعدة» إلى الظهور فيها.

بؤر جديدة
وعن أهداف «داعش» من إعلان عن «ولاية الهند». أرجعتها دراسة مركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» إلى محاولة التنظيم الهروب إلى الأمام، إذ يبدو أن قادة «داعش» باتوا يدركون أن الحفاظ على هيكل التنظيم في كل من العراق وسوريا بات صعباً بدرجة كبيرة، خصوصاً بعد سقوط الباغوز التي مثّلت نهاية للمشروع الذي تبناه وحاول تطبيقه على الأرض، وهو ما دفعهم إلى البحث عن بؤر جديدة يُمكن من خلالها ليس فقط الحفاظ على هذا المشروع، إنما أيضاً تمكين العناصر الهاربة من البؤر «الداعشية» المحاصرة من الانتقال إليها. ورغم اهتمام «داعش» بمحاولات تعزيز نفوذه في القارة الأفريقية فإنه يواجه عقبات في مقدمتها النفوذ الذي يحظى به «القاعدة»، الذي تمكن من توجيه ضربات قوية إلى بعض المجموعات «الداعشية» في مناطق نفوذها، خصوصاً في منطقة الساحل الأفريقي، وهو ما دفع قادة «داعش» إلى البحث عن مناطق جديدة يُمكن أن يحققوا من خلالها هذا الهدف. بالإضافة إلى أن التنظيم ما زال حريصاً على استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية في أنحاء مختلفة من العالم، حيث يستخدم آليات مختلفة في هذا السياق، يتمثل أبرزها في الإعلان عن تأسيس «ولايات خارجية» تابعة له، أو مبايعة مجموعات إرهابية مختلفة قريبة من توجهاته.
لكن الدراسة ذكرت أن الفرع الجديد في الهند ربما لن يتمكن بسهولة من ممارسة الدور نفسه الذي سبق أن مارسه بعض المجموعات الإرهابية التي أعلنت مبايعتها لـ«داعش»، خصوصاً أن تلك الخطوة الأخيرة جاءت في سياق محاولات التنظيم مواجهة انحسار نشاطه ورفع معنويات كوادره وعناصره.

تداعيات الانحسار
في غضون ذلك، يسعى «داعش» أيضاً إلى طاجيكستان في إطار التمدد في آسيا الوسطى، كونها تمثل أهمية كبيرة بالنسبة إليه، إذ يرى أن هذا التمدد يمكن أن يساعده في احتواء تداعيات الانحسار والتراجع الذي يعاني منه في العراق وسوريا.
وأكد المراقبون أن التنظيم سعى عبر الخلايا التي قام بتكوينها داخل طاجيكستان إلى تنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها، حيث وجه القضاء الطاجيكي في بداية مايو (أيار) 2016 اتهاماً إلى اثنين من عناصر التنظيم بمحاولة استهداف الرئيس إمام علي رحمانوف عام 2015.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أعلن «داعش» تبنيه قتل أربعة من راكبي الدراجات الغربيين دهستهم سيارة في طاجيكستان... وقتل «داعش» في مايو الماضي، ثلاثة من حراس سجن مدينة فاخدات، و29 نزيلاً في السجن شديد الحراسة.
وعن حرص «داعش» على تعزيز نفوذه داخل طاجيكستان. قالت دراسة مركز «المستقبل» في هذا الصدد إن «روسيا تمثل إحدى القوى الدولية التي تحاول الخلايا التابعة لـ(داعش) استهداف مصالحها، خصوصاً في ظل الدور الذي تقوم به في سوريا، حيث رفعت مستوى انخراطها العسكري في الصراع السوري منذ سبتمبر (أيلول) 2015 على نحو أسهم بشكل كبير في تغيير توازنات القوى لصالح النظام السوري، فضلاً عن أنها مثّلت ظهيراً دولياً حال دون صدور قرارات إدانة ضده من مجلس الأمن».
من جانبه، قال خالد الزعفراني، الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنظيم تحول إلى (خلايا نائمة) الفترة الماضية، وهذا يمثل بعداً آخر تفوح منه رائحة الخطورة، حيث الانتشار في شكل أفراد أو مجموعات صغيرة، والاندماج وسط المجتمعات المحلية في الهند وطاجيكستان، وفي المناطق الصحراوية التي لدى التنظيم خبرة الاختفاء فيها».

صراعات مذهبية
بينما أكد عبد المنعم أن «(داعش) أسهل له أن يعلن عن تأسيس ولاية هنا أو هناك، فهو يعمل في المساحات الفارغة أو الضيقة في المحيط الدولي الواسع، فهو يتحرك بقوة في أفريقيا، وفي طاجيكستان مستغلاً الخلاف السني والشيعي، لأن طاجيكستان وريث صراع 3 قوى (الشيوعية، والقوى السنية المتمثلة في تركيا، والشيعية المتمثلة في إيران)، فالصراع كبير في طاجيكستان، ويحاول التنظيم أن يدخل في هذه المساحات ويلعب عليها، فهو يدّعي تحركه ضد الرافضة، ثم يدّعي تحركه ضد الشيوعية، ومرة ثالثة يدّعي تحركه ضد القوى العلمانية، وهذا كله وفقاً لما يخدم مصالحه». وأشارت تقارير روسية في فبراير (شباط) الماضي، وفقاً للدراسة، إلى أن ثمة مخاوف عديدة تنتاب موسكو من احتمالات عودة مقاتلي «داعش» إلى دولهم الأصلية في آسيا الوسطى من أجل توجيه ضربات ضد مصالحها، خصوصاً في طاجيكستان، إذ تمكن «داعش» من تأسيس خلايا عديدة تابعة له داخل أفغانستان، التي يسعى عبرها إلى مهاجمة مصالح بعض القوى الدولية والمحلية، فضلاً عن استهداف التنظيمات الإرهابية المنافسة. وذكرت التقارير نفسها أن تنظيم «داعش» يحاول الاستعانة بخلاياه الموجودة في طاجيكستان في العمليات التي يقوم بتنفيذها داخل أفغانستان، لدرجة أن عدد الطاجيك داخل ما تسمى «ولاية خراسان» زاد بشكل ملحوظ في الفترة الماضية، بالإضافة إلى استغلال السجون في تجنيد واستقطاب عناصر جديدة، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى التحذير من المخاطر التي يفرضها الجمع بين عناصر «داعش» والسجناء في قضايا أخرى داخل السجون الطاجيكية.
في هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم: «لا نستطيع أن نغفل أنه عندما يعلن (داعش) عن ولاية جديدة سواء في الهند أو طاجيكستان، أن تتبعها عملية كبرى سواء في هاتين الدولتين أو في منطقة قريبة منهما... وهو بذلك يريد أن يُغطي على عملية كبرى قد تحدث في آسيا الوسطى».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.