نفايات في الفضاء... تلوث خطير تعززه الشركات الناشئة

صورة افتراضية لمخلفات فضائية
صورة افتراضية لمخلفات فضائية
TT

نفايات في الفضاء... تلوث خطير تعززه الشركات الناشئة

صورة افتراضية لمخلفات فضائية
صورة افتراضية لمخلفات فضائية

خلال قيامهم بمهمة لصالح وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، تعرض رواد فضاء لسلسلة من الحوادث الكارثية بعد إطلاق صاروخ روسي لتدمير قمر اصطناعي قريب منهم. تسبب الحطام الفضائي الناتج عن الانفجار بإلحاق ضرر كبير بالمركبة الأميركية، مما أجبر الرواد على مغادرتها، والالتحاق بمحطة فضاء دولية تابعة للصين من أجل العودة إلى الأرض.
هذه الحادثة هي من فيلم أميركي بعنوان «جاذبية»، ولكن هذا النوع من الدراما المثيرة التي تقوم على الخيال العلمي ربما يصبح قريباً واقعاً مأساوياً، مع ازدياد مخاطر النفايات الفضائية التي يتسبب بها البشر.

- شركات ناشئة تغزو الفضاء
قبل أيام قليلة، نجحت شركة «سبيس إكس» في إطلاق الصاروخ «فالكون 9» الذي عمل على نقل 60 قمراً اصطناعياً مخصصاً للاتصالات إلى مدار خارجي يبعد ألفي كيلومتر عن سطح الأرض. هذه الشركة الخاصة التي يديرها رائد الأعمال المعروف إيلون ماسك، رئيس شركة «تيسلا» للسيارات الكهربائية، تخطط في نهاية المطاف لإطلاق نحو 12 ألف قمر اصطناعي لتشكيل شبكتها الخاصة بالاتصالات التي تغطي الكوكب.
ولا يقتصر الأمر على شركة «سبيس إكس»؛ ذلك أن شركات ناشئة أخرى تبذل مساعيها لاقتحام سوق الاتصالات الفضائية التي تعتمد على الأقمار الاصطناعية، مثل شركة «وان ويب» التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها، وشركة «أمازون» عملاق تجارة التجزئة عبر الإنترنت، لكن طموح هذه الشركات يجعل من قضية السلامة في الفضاء مثار قلق.
في مطلع يونيو (حزيران) 2019، كان في الفضاء نحو 2200 قمر اصطناعي، بما فيها 45 قمراً تملكه أو تستثمره هيئات عربية. ويشير ذلك إلى زيادة بمقدار 15 في المائة خلال سنة واحدة، ومن المتوقع أن تصل إلى 30 في المائة سنوياً، قبل أن يتراجع المعدل مرة أخرى. ويخشى المختصون من أن وجود هذه الأقمار ضمن ما يمكن وصفه بـ«الطرق المدارية السريعة» قد يؤدي إلى حصول تصادم وإنتاج حطام فضائي يؤدي إلى مزيد من الحوادث الكارثية.
وتحاول شركة «سبيس إكس» التقليل من هذه المخاوف بإضافة تقنية جديدة إلى أقمارها تمنحها القدرة على تتبع الحطام المداري وتجنبه. وتشير الشركة إلى أن مجمل مكونات الأقمار الخاصة بها جرى تصنيعها من مواد تحترق بسرعة عند إيقاف تشغيلها وعودتها إلى الغلاف الجوي، وذلك وفقاً لتصاميم تتفوق على معايير السلامة الحالية.
وتمثل الأجسام التي يصنعها البشر ويرسلونها إلى الفضاء مصدر قلق دائم منذ إطلاق القمر الاصطناعي الأول «سبوتنك 1» عام 1957. وعلى أثر هذه المهمة الروسية الناجحة، بدأت قيادة دفاع الفضاء الجوي الأميركية الشمالية في بناء قاعدة بيانات (كاتالوغ الأجسام الفضائية) لجميع إطلاقات الصواريخ المعروفة والأجسام التي تصل إلى الفضاء، بما فيها الأقمار الاصطناعية والدروع الواقية وأجزاء الدفع الصاروخي.
كان العاملون في تسجيل البيانات على دراية بمعطيات أخرى تحصل في المدار، لا سيما حوادث الاصطدام المدمرة. بعض هذه الحوادث كان متعمداً في أثناء اختبار الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية في الستينات، وبعضها حصل خلال مراحل إطلاق الصواريخ وتحرير خزانات الوقود.
خلال السبعينات، كان من الشائع الاعتقاد أن انحدار الحطام الفضائي إلى المدارات الأرضية الأدنى سيؤدي إلى زواله بسرعة، لكن العالم دونالد كيسلر من وكالة «ناسا» أطلق عام 1978 نظريته التي تربط بين زيادة أعداد الأقمار الاصطناعية في الفضاء وازدياد فرصة اصطدام بعضها ببعض، مما يؤدي إلى تكون غيوم من الشظايا تتسبب بدورها في مزيد من التصادمات.
وأنتجت المهمات الفضائية خلال الأعوام الستين الماضية، وفقاً لمعطيات نشرتها وكالة الفضاء الأوروبية في مايو (أيار) 2019، نحو 130 مليون قطعة حطام في الفضاء، يتراوح حجمها بين بضعة ملليمترات وعدة أمتار. وتعتبر الوكالة أن أكثر من 900 ألف قطعة هي من الحجم الذي يكفي لإلحاق ضرر أو تدمير مركبة فضائية في حال التصادم معها. ويمكن لحادث كهذا أن يترك آثاراً خطيرة على الخدمات اليومية القائمة على الأقمار الاصطناعية، مثل الملاحة والاتصالات ومراقبة الطقس والمناخ.

- حوادث اصطدام خطرة
مع ازدياد أعدادها، باتت المخلفات الفضائية تهدد سلامة المركبات والأجسام الفضائية، لا سيما محطة الفضاء الدولية. وفي مارس (آذار) 2009، جرى إخلاء المحطة إثر اقتراب جسم فضائي بصورة خطيرة منها.
وفيما قُدّر طول الجسم بأقل من سنتيمتر واحد، كانت له قدرة تخريبية تكفي لتهديد مستقبل المحطة الدولية التي تقدّر قيمتها بنحو 100 مليار دولار. ونتيجة لتأخر إبلاغ رواد المحطة بالجسم، لم يعد بمقدورهم المناورة حوله، مما اضطرهم إلى إخلاء المحطة، ولجوئهم إلى كبسولة الإنقاذ «سويوز»، كإجراء احترازي.
وفي السنة ذاتها، حصل أول اصطدام بين قمرين اصطناعيين، عندما تصادم القمر الروسي «كوسموس 2251» مع القمر الأميركي «إيريديوم 33» على ارتفاع 800 كيلومتر فوق شمال سيبيريا، وقد أدى الاصطدام إلى تدمير القمرين، وتشكيل حطام فضائي.
وفي سنة 2017، أجرت «ناسا» 21 مناورة لمنع حدوث ارتطام فضائي بمركبات غير مأهولة، 4 منها كانت لتجنب مخلفات قمر دمرته الصين سنة 2007 في اختبار للصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية، واثنتين لتفادي الارتطام ببقايا المحطة «إيريديوم 33».
أما أسوأ الحوادث المتعلقة بدخول المخلفات الفضائية إلى المجال الجوي، فكان في شهر يوليو (تموز) 1979، عندما اخترقت المحطة الأميركية «سكاي لاب» المجال الجوي للأرض قبل الموعد المحدد لها، وسقطت أجزاؤها التي تزن 78 طناً على مواقع متفرقة من أستراليا.
وفي سنة 2001، سقطت وحدة الحمل المساعد للقمر الاصطناعي «ستار 48»، الخاص بتحديد الموقع الشامل (جي بي إس)، على بعد 240 كيلومتراً من العاصمة السعودية الرياض. وكانت هذه الوحدة قد أنجزت عملها في سنة 1993، حيث استغرقها الأمر 8 سنوات، لتسقط عائدة إلى الأرض بعد مسارها المداري.
وفي مارس (آذار) 2019، انضمت الهند إلى الولايات المتحدة وروسيا والصين في سباق التسلح الفضائي، بعد تدميرها لقمر اصطناعي يتبع لها بصاروخ أرضي. وعلى أثر ذلك، أعلنت وكالة الفضاء الأميركية أن التجربة الهندية أنتجت 400 شظية تدور حول الأرض، وأكدت زيادة احتمال خطر اصطدام المخلفات بمحطة الفضاء الدولية بنسبة 44 في المائة خلال الأيام العشرة التي تلت التجربة.
ويتعاون كثير من وكالات الفضاء والهيئات المعنية على تعقب الحطام الفضائي لتجنّب أضراره. وقبل أيام، وقّعت «الهيئة المصرية للاستشعار عن بعد» اتفاقيتي تعاون مع روسيا والصين للحصول على برمجيات وتلسكوب ليزري لرصد الحطام الفضائي من خلال كاميرات موزعة في مناطق القطامية وحلوان والسويس. ونتيجة لحوادث التصادم المتكررة ومخاطرها المتزايدة، بسبب التنافس المحموم باتجاه الفضاء، يعمل حالياً فريق مشترك من معهد ماساشوستس التقني ووكالة الفضاء الأوروبية على وضع نظام مستقل لتقييم قرارات المشغلين عند إطلاق أقمار اصطناعية جديدة أو أي نوع من المركبات الفضائية.
ويهدف النظام الجديد، الذي أطلق عليه اسم «تصنيف استدامة الفضاء»، إلى مساءلة الشركات والحكومات عن تصرفاتها في الفضاء الخارجي، مع تزايد عدد مهماتها الفضائية. ويسعى القائمون على المشروع إلى وضع مقياس يحدد مدى اتباع أنظمة الأقمار الاصطناعية إرشادات ضمان استدامة الفضاء على المدى الطويل.
ويتصور مؤيدو المشروع أن هذا التصنيف سيكون مشابهاً إلى حد ما لنظام الريادة في الطاقة والتصميم البيئي (LEED) المستخدم في تحديد كفاءة استخدام الطاقة ضمن المباني.
لكن خطر النفايات الفضائية ليس محصوراً في حوادث التصادم، إذ قد يكون لتكاثرها في المستقبل أثر على نوعية الهواء. ووفق علماء البيئة، يشكّل هذا تحدياً جدياً من الضروري مراقبته عن كثب.


مقالات ذات صلة

مصر: غالبية الدول تعتبر مشاريع قرارات «كوب 27» متوازنة

شمال افريقيا وزير الخارجية المصري سامح شكري (إ.ب.أ)

مصر: غالبية الدول تعتبر مشاريع قرارات «كوب 27» متوازنة

أكد رئيس مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب27) سامح شكري اليوم (السبت) أن «الغالبية العظمى» من الدول تعتبر مشاريع القرارات التي قدمتها رئاسة مؤتمر المناخ «متوازنة» بعدما انتقدها الاتحاد الأوروبي. وأوضح وزير خارجية مصر سامح شكري للصحافيين بعد ليلة من المفاوضات المكثفة إثر تمديد المؤتمر في شرم الشيخ أن «الغالبية العظمى من الأطراف أبلغتني أنها تعتبر النص متوازنا وقد يؤدي إلى اختراق محتمل توصلا إلى توافق»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. وتابع يقول «على الأطراف أن تظهر تصميمها وأن تتوصل إلى توافق».

«الشرق الأوسط» (شرم الشيخ)
بيئة البيئة في 2021... قصص نجاح تعزز الأمل في تخفيف أزمة المناخ

البيئة في 2021... قصص نجاح تعزز الأمل في تخفيف أزمة المناخ

شهدت سنة 2021 الكثير من الكوارث والخيبات، لكنها كانت أيضاً سنة «الأمل» البيئي. فعلى الصعيد السياسي حصلت تحولات هامة بوصول إدارة داعمة لقضايا البيئة إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. كما شهدت السنة العديد من الابتكارات الخضراء والمشاريع البيئية الواعدة، قد يكون أبرزها مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» التي أطلقتها السعودية. وفي مجال الصحة العامة، حقق العلماء اختراقاً كبيراً في مواجهة فيروس كورونا المستجد عبر تطوير اللقاحات وبرامج التطعيم الواسعة، رغم عودة الفيروس ومتحوراته. وفي مواجهة الاحتباس الحراري، نجح المجتمعون في قمة غلاسكو في التوافق على تسريع العمل المناخي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق فرقة «كولدبلاي» تراعي المعايير البيئية في جولتها سنة 2022

فرقة «كولدبلاي» تراعي المعايير البيئية في جولتها سنة 2022

أعلنت فرقة «كولدبلاي» البريطانية، الخميس، عن جولة عالمية جديدة لها سنة 2022 «تراعي قدر الإمكان متطلبات الاستدامة»، باستخدام الألواح الشمسية وبطارية محمولة وأرضية تعمل بالطاقة الحركية لتوفير كامل الكهرباء تقريباً، فضلاً عن قصاصات «كونفيتي» ورقية قابلة للتحلل وأكواب تحترم البيئة. وذكرت «كولدبلاي» في منشور عبر «تويتر» أن «العزف الحي والتواصل مع الناس هو سبب وجود الفرقة»، لكنها أكدت أنها تدرك «تماماً في الوقت نفسه أن الكوكب يواجه أزمة مناخية». وأضاف المنشور أن أعضاء فرقة الروك الشهيرة «أمضوا العامين المنصرمين في استشارة خبراء البيئة في شأن سبل جعل هذه الجولة تراعي قدر الإمكان متطلبات الاستدامة» و«

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق بعد انخفاضها بسبب الإغلاق... انبعاثات الكربون تعاود الارتفاع

بعد انخفاضها بسبب الإغلاق... انبعاثات الكربون تعاود الارتفاع

انخفضت انبعاثات الغازات المسببة للاحترار العالمي بشكل كبير العام الماضي حيث أجبر وباء «كورونا» الكثير من دول العالم على فرض الإغلاق، لكن يبدو أن هذه الظاهرة الجيدة لن تدوم، حيث إن الأرقام عاودت الارتفاع بحسب البيانات الجديدة، وفقاً لشبكة «سي إن إن». وتسببت إجراءات الإغلاق لاحتواء انتشار الفيروس التاجي في انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 7 في المائة على مدار عام 2020 - وهو أكبر انخفاض تم تسجيله على الإطلاق - وفق دراسة نُشرت أمس (الأربعاء) في المجلة العلمية «نيتشر كلايميت شينج». لكن مؤلفيها يحذرون من أنه ما لم تعطِ الحكومات الأولوية للاستثمار بطرق بيئية في محاولاتها لتعزيز اقتصاداتها الم

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
بيئة 5 ملفات بيئية هامة في حقيبة بايدن

5 ملفات بيئية هامة في حقيبة بايدن

أعلن الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أن وزير الخارجية السابق جون كيري سيكون له مقعد في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، وهي المرة الأولى التي يخصّص فيها مسؤول في تلك الهيئة لقضية المناخ. ويأتي تعيين كيري في إطار التعهدات التي قطعها جو بايدن خلال حملته الانتخابية بإعادة الولايات المتحدة إلى الطريق الصحيح في مواجهة تغيُّر المناخ العالمي ودعم قضايا البيئة، بعد فترة رئاسية صاخبة لسلفه دونالد ترمب الذي انسحب من اتفاقية باريس المناخية وألغى العديد من اللوائح التشريعية البيئية. وعلى عكس ترمب، يعتقد بايدن أن تغيُّر المناخ يهدّد الأمن القومي، حيث ترتبط العديد من حالات غياب الاستقرار

«الشرق الأوسط» (بيروت)

طفرة في سياحة الحيتان تثير قلقاً في بولينيزيا الفرنسية

تأتي الحيتان الحدباء لتتكاثر وتضع صغارها في مياه بولينيزيا الفرنسية (أ.ف.ب)
تأتي الحيتان الحدباء لتتكاثر وتضع صغارها في مياه بولينيزيا الفرنسية (أ.ف.ب)
TT

طفرة في سياحة الحيتان تثير قلقاً في بولينيزيا الفرنسية

تأتي الحيتان الحدباء لتتكاثر وتضع صغارها في مياه بولينيزيا الفرنسية (أ.ف.ب)
تأتي الحيتان الحدباء لتتكاثر وتضع صغارها في مياه بولينيزيا الفرنسية (أ.ف.ب)

بدأ «موسم الحيتان» في بولينيزيا الفرنسية الواقعة في جنوب المحيط الهادئ، حيث تزدهر الرحلات البحرية لمشاهدة الحيتان وحتى السباحة معها، ما يثير تساؤلات ومخاوف بشأن صحة هذه الحيوانات البحرية الضخمة.

وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، في كل عام، من يوليو (تموز) إلى نوفمبر (تشرين الثاني)، تأتي الحيتان الحدباء لتتكاثر، وتضع صغارها في مياه بولينيزيا. تُعدّ هذه المنطقة الفرنسية التي تضم 118 جزيرة و5 أرخبيلات، من الأماكن الوحيدة في العالم التي تسمح بإطلاق هذه الحيتان الكبيرة.

وتشكل تاهيتي أكبر جزيرة في بولينيزيا الفرنسية، وتبلغ مساحتها أكثر من 1000 كيلومتر مربع، وهي مكان متميز لمشاهدة الحيتان.

يقول جوليان أنطون، وهو مرشد في «تاهيتي دايف منجمنت» (إدارة الغوص في تاهيتي): «نحن محظوظون بوجود الحيتان الحدباء التي تقترب من الشعاب المرجانية بحثاً عن الراحة والهدوء. وتحاول الإناث الهروب من الذكور، لذا تأتي لحماية أنفسها، وتسبح بانتظام على طول الشعاب المرجانية». وتتيح هذه الشركة المعتمدة من الحكومة البولينيزية إمكان الالتقاء بالحيتان.

«فرصة كبيرة»

يخضع هذا النشاط المزدهر لضوابط صارمة لمحاولة تجنب الإضرار بهذه الأنواع المحمية، والتي يبلغ عددها نحو 80 ألفاً في نصف الكرة الجنوبي. وبعد أن اقتربت من الانقراض، زاد عدد الحيتان بشكل ملحوظ منذ أن دخل الوقف الدولي لحظر صيد الحيتان التجاري حيز التنفيذ في عام 1986.

ويفرض مرسوم من الحكومة البولينيزية، نُشر في 25 أبريل (نيسان) 2024، مسافة أمان تبلغ 100 متر بين الحيوان والقوارب المرخصة، و15 متراً مع السباحين.

يقول جوليان أنطون: «إنها من الأماكن الأخيرة على هذا الكوكب التي يحق لنا مراقبتها من هذه المسافة القريبة. إن أعداد (الحيتان) في حالة جيدة جداً، لذا فهي حقاً فرصة كبيرة».

ورغم نجاحها السياحي والمكاسب المالية التي توفرها، فإن السباحة مع الحيتان تتعرض لانتقادات من جمعيات وجزء من المجتمع العلمي. وتشير دراسة أجريت في جزر تونغا، ونُشرت عام 2019 في مجلة «بلوس وان (PLOS One)»، إلى وجود «سلوكيات ينبغي تجنُّبها»، بما في ذلك الغوص فترات طويلة، مع آثار غير معروفة على صحة الحيتان.

«انتهاكات منتظمة»

المخاطر لا تتعلق بالحيوانات فقط؛ ففي أغسطس (آب) 2020، أصيبت سبّاحة تبلغ 29 عاماً بجروح خطيرة على الساحل الأسترالي بعد أن وجدت نفسها عالقة بين حوتين. وفي غضون أسبوع، سجلت البلاد حادثين آخرين لحيتان.

وتندد الجمعية البولينيزية «ماتا توهورا»، التي تعمل على حماية الثدييات البحرية، بالانتهاكات المنتظمة من القوارب والسباحين الذين يقتربون من الحدود المسموح بها.

وتقول أنييس بينيه، عالمة الأحياء ومؤسِّسة الجمعية: «اليوم، هناك عدد كبير جداً من القوارب على الماء. إنه حقاً الاضطراب الناتج عن العدد (وهو ما يشكل مشكلة)، وبالتالي يجب علينا الحد من عدد القوارب حول الحيتان والدلافين. إنها إدارة للنشاط يتعين القيام بها».

وتضيف الباحثة: «يمكننا السباحة مع الحيتان من دون إزعاجها... هذا ممكن إذا أخذت الوقت، وإذا كنت صبوراً، وإذا فعلت ذلك بحب، وهو ما ينطبق على جميع الحيوانات».

وتقوم الجمعية بحملة لتحديد فترة حظر للمراقبة، من الساعة الثانية بعد الظهر، للسماح للحيتان بالراحة والاحتماء ليلاً، في إجراء يهدف إلى تحقيق التوازن بين النشاط السياحي واحتياجات الحيتان.