حسين عبد الجواد... صائد أحلام على طريقة نجيب محفوظ

أحب صاحب «نوبل» وتماهى مع طريقته في الحكي

حسين عبد الجواد
حسين عبد الجواد
TT

حسين عبد الجواد... صائد أحلام على طريقة نجيب محفوظ

حسين عبد الجواد
حسين عبد الجواد

حسين عبد الجواد هو واحد من جيل المبدعين المصريين الذين تأثروا كثيراً بصاحب «نوبل»، نجيب محفوظ، وممن ارتبطوا بندواته ولقاءاته على مدى سنوات طويلة، منذ عام 1988 حتى 2006، لدرجة أنه سعى لكتابة أحلامه أسوة بأحلام الأستاذ، كما يسميه دائماً. بدأ عبد الجواد بكتابة السيناريو، ثم تحول عام 1988 إلى كتابة الروايات والقصص القصيرة، منها مجموعة «من دفتر الأحلام» عام 2007، و«دفتر من الأحلام» عام 2016، ونشر أول أعماله الروائية عام 2008، وهي «وصمة الخصام»، ثم «سفينة الحمقى» عام 2010، و«أحلام تحت الحراسة» عام 2013، و«علمته الرماية» التي صدرت في 2016، ثم روايته الأخيرة الصادرة حديثاً «جراح وكاتب أغاني». هنا حوار معه حول إبداعاته وعلاقته بمحفوظ وتأثره به:
> كيف بدأت في كتابة قصص الأحلام، وهل لذلك علاقة باتجاه نجيب محفوظ لكتابة أحلامه؟
- في عام 1999، كان «الأستاذ» لديه نحو 6 أحلام من المجموعة التي صدرت بعد ذلك بعنوان «أحلام فترة النقاهة». كنا نقرأ القصص التي تنشر في مجلة «نصف الدنيا»، وحين نلتقي به، سواء يوم الأحد في فندق شيبرد أو يوم الأربعاء في سوفياتيل المعادي، كنا نناقش معه هذه القصص، وقد لفت نظرنا لأشياء مهمة جداً، هي أن الحلم ربما يكون فيه أكثر من مشهد وشخصية، وقال إنه يأخذ منه ما يطلق عليه بذرة، يقوم بتنميتها لتكون قصة قصيرة في صورة حلم، استهوتني جداً هذه الفكرة، وقررت أن أسجل أحلامي، وأبدع منها قصصاً أيضاً.
الأستاذ في تلك الفترة كان راغباً في كتابة قصص قصيرة جداً، وكان يقول لنا إنه يطمح لكتابة قصص لا تزيد عن أربعة أو خمسه أسطر، لكن في قصص أحلامه الأولى لم ينجح في ذلك، وجاء بعضها في صفحة، وزادت في أخرى سطوراً قليلة.
أما بالنسبة لي أنا، ككاتب يحب القصة القصيرة، فوجدت أنه لا يوجد لديّ حافز لأن أكتب القصص القصيرة جداً، وبدأت أكتب قصصي دون تقيد بشرط التكثيف هذا، كان ما يهمني هو أن تأتي في صفحة أو أكتر، ويكون فيها جو الحلم الذي أسعى لإشاعته في أجوائها.
> لكن ماذا كانت الحصيلة في النهاية؟
- كتبت كمية كبيرة من القصص كانت متكاملة الأركان، ومن حسن الحظ أن الأستاذ كان يحب الاستماع. كنت أقرأ له قصصي التي أبدعها من أحلامي، واستمررت في كتابة قصص الأحلام على هذا النحو حتى وفاته عام 2006. توقفت بعض الوقت بعد ما أصابتني وفاته باكتئاب جسيم، فقد كان يمثل بالنسبة لي المتنفس الذي يجعلني أعمل وأكتب. كنت أكتب القصص، وأظل أنتظر موعد لقاءاته حتى أسمعه ما تجهزت به، لأعرف رأيه، لم يتوقف الأمر بالنسبة لي عند حدود قراءة قصصي على أسماعه، لكنني كنت أيضاً ألخص الكتب التي تعجبني، وحين يأتي دوري في الحديث أعرض عليه أفكارها الرئيسية.
كنا نتسابق في عرض ما نراه مهما حتى نعوضه عن عدم قدرته على القراءة، وقد أثرت محاولة الاغتيال التي تعرض لها عام 1995 أيضاً على كفاءته في الكتابة والإمساك بالقلم، وقد حاول العودة، وقام بعمل تدريبات لاستعادة القلم مرة أخرى، لكن ظل خطه ضعيفاً، وكان يعوضه عن ذلك سكرتيره صبري السيد الذي استعاره من الأديب ثروت أباظة حتى يساعده في كتابة الأحلام بشكل واضح تسهل قراءته.
> هل هناك شيء أبعد جذبك لكتابة قصص الأحلام؟
- كتبتها في البداية بدافع من تقليد نجيب محفوظ، لكني اكتشفت بعد فترة أنها شكل من الكتابة جميل جداً، يتيح إبداع قصة قصيرة فيها نوع من السيريالية والفانتازيا، لأن الكاتب يتماهى مع الحلم، بنقلاته السريعة ومواقفه غير المنطقية التي تشبه المجهول، وكل هذا يخدم فكرة القصة القصيرة؛ ظللت أكتب من 2008 حتى 2011، وأصدرت مجموعتين: الأولى كانت «من دفتر الأحلام»، والثانية بعنوان «دفتر من الأحلام»، وما زال لديّ بقية من هذه القصص لم تنشر بعد.
> لكن ما الذي دفعك لكتابة قصصك الأخيرة القصيرة جداً؟
- منذ عام ونصف تقريباً، ترامى إلى ذهني مقولة مفادها أن القصة القصيرة جداً لا يجب أن تزيد على مائة كلمة، والأفضل أن تكون أقل، مكثفة وتلغرافية، وتختزن شحنة من الدلالات في أقل عدد من السطور، راقتني الفكرة، وبدأت في الكتابة فعلاً مستعيناً بالقصص التي كنت أستمدها من الأحلام. كنت عندما أستيقظ من نومي، بعد تناول إفطاري، أجلس لكتابة حلمي كما هو، بكل ما فيه من أحداث. وبعد ذلك، أقوم بعمل عملية تفكيك من أجل البحث عن المعاني الكامنة فيه، ثم أتركه بعد ذلك. وبعد فترة، أعود لما لديّ من أحلام، وأبدأ في كتابة قصص منها، كان هذا من نحو عام ونصف، وفي بعض الأحيان كانت القصص تأتي طويلة بعض الشيء، وقتها كنت أعمل عليها، وأختصر منها ما أراه غير مفيد، حتى أحصل على قصة قصيرة جداً، وقد وجدت نفسي أفعل ما كان يطمح له الأستاذ نجيب، وكانت النتيجة أنني انتهيت من تجهيز مجموعة قصصية أستعد حالياً لدفعها للنشر.
> كيف ترى الكتابة القصصية القصيرة جداً بعد تجربتك الكبيرة فيها؟
- هي شكل جديد في الكتابة، وغير مطروق، أتذكر أن إحدى المجلات الأدبية قامت بنشر قصص قصيرة جداً لبعض الكتاب العالميين، ونشروا وقتها في ذلك الملف نحو 47 قصة لكتاب عالميين، بعضهم حاصل على «نوبل»، مثل ماركيز، وبعضهم مشهور جداً، مثل بورخيس؛ وجدت وقتها أن القصص الجميلة التي أعجبتني لم تزد عن سبع أو ثماني قصص، كما لاحظت بعدها أن أحداً منهم لم يفرد كتاباً يتضمن قصصاً قصيرة جداً، فقد كانت كتابتها بالنسبة لهم خاضعة لنوع من الفانتازيا، وتم نشرها في صحيفة أو مجلة، وانتهى الأمر.
> أظن أن هذه الاستراتيجية القائمة على كتابة الشخصي والخاص ممتدة لديك أيضاً في رواية «جراح وكاتب أغاني».
- طبعاً... هذه الرواية قائمة على شخصيتين: الكاتب والجراح. وقد سعيت وأنا أشتغل عليها إلى أن أضمن أحداثها الأحلام التي أراها، فقد كانت تنعكس فيها القضايا التي كنت مشغولاً بها وأنا أنسج الأحداث، وأرسم مسار شخصيتين متنافرتين، رغم أنهما أصدقاء، فالجراح عنده طموح أن يصير روائياً، ويكتب كثيراً ويحصل على جوائز، لكن الكاتب يراه متأرجحاً بين الاثنين، فلا هو صار أديباً ولا جراحاً، أما هو فيرى الكاتب غريب الأطوار مضطرب الأحوال، لذا ظلت الشخصيتان كل واحدة منها على نقيض الأخرى.
> ما الذي كنت تسعى إليه وأنت تستحضر القارئ بين آن وآخر وتجعله شاهداً على ما يدور من أحداث؟
- هناك رواية للكاتب البرازيلي ماشادو دي أسيس، عنوانها «دون كازمورو»، أحبها كثيراً، وهذه الرواية تأثرت بها جداً، والكاتب فيها يخرج من الأحداث، ويكلم القارئ ليحيله إلى أحداث في صفحات متقدمة في العمل نفسه، الجاحظ أيضاً قام بذلك في كتابه البخلاء، أعجبني جداً هذا الأسلوب، وقد كنت أسعى لتوريط القارئ في الأحداث، وجعله طرفاً فيها، وقد فكرت أن أكتب رواية تعتمد هذا التكنيك بشكل جذري، وأنا بالفعل بدأت في الكتابة، لكني لم أنتهِ بعد.
> وسط كل هذه الأجواء... ما الذي دفعك إلى اعتماد تعدد الأصوات في رواية «علمته الرماية» وأنت ترسم الأحداث؟
- هناك أربع شخصيات، كل واحد يتحدث بلسانه عن الأحداث التي رآها، ويكون الآخرين طرفاً فيها، إلى جانب أفراد آخرين مخفيين يظهرون في أثناء السرد، حين تأتي سيرتهم على لسان واحد من الأربعة، وهذا الأسلوب مرهق جداً في الكتابة، ولا بد للمبدع أن يكون قادراً على إدارة الحدث، والتحكم في مسارات شخصياته، حتى يؤدي إلى حالة من الثراء في العمل، نابعة من كون كل شخصية تتمتع بصوت ونظرة وتقدير مختلف لما تراه. هذا لم أكن في حاجة إليه في «جراح وكاتب أغاني»، فقد لجأت فيها وأنا أسرد الأحداث لمذكرات الكاتب التي وجدها الجراح، وراح يقرأها ويعلق عليها بين آن وآخر وهو في انتظار استيقاظ مضيفة الذي تركه مع كتاباته ليطالعها، وذهب يأخذ قسطاً من النوم.



حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
TT

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)

سادت حالة من الحزن في الوسطين الفني والرسمي المصري، إثر الإعلان عن وفاة الفنان نبيل الحلفاوي، ظهر الأحد، عن عمر ناهز 77 عاماً، بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

وكان الحلفاوي قد نُقل إلى غرفة العناية المركزة في أحد المستشفيات، الثلاثاء الماضي، إثر تعرضه لوعكة صحية مفاجئة، وهو ما أشعل حالة من الدّعم والتضامن معه، عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي.

ونعى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الفنان الراحل، وقال في بيان: «كان الفقيد قامة فنية شامخة؛ إذ قدّم عبر سنوات إبداعه الطويلة أعمالاً فنية جادة، وساهم في تجسيد بطولات وطنية عظيمة، وتخليد شخوص مصرية حقيقية خالصة، وتظلّ أعماله ماثلة في وجدان المُشاهد المصري والعربي».

الفنان الراحل نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

وعبّر عددٌ من الفنانين والمشاهير عن صدمتهم من رحيل الحلفاوي. منهم الفنانة بشرى: «سنفتقدك جداً أيها المحترم المثقف الأستاذ»، مضيفة في منشور عبر «إنستغرام»: «هتوحشنا مواقفك اللي هتفضل محفورة في الذاكرة والتاريخ، الوداع لرجل نادرٍ في هذا الزمان».

وكتبت الفنانة حنان مطاوع: «رحل واحدٌ من أحب وأغلى الناس على قلبي، ربنا يرحمه ويصبّر قلب خالد ووليد وكل محبيه»، مرفقة التعليق بصورة تجمعها به عبر صفحتها على «إنستغرام».

الراحل مع أحفاده (حسابه على «إكس»)

وعدّ الناقد الفني طارق الشناوي الفنان الراحل بأنه «استعاد حضوره المكثف لدى الأجيال الجديدة من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتاد أن يتصدّر الترند في الكرة والسياسة والفن»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الحلفاوي رغم موهبته اللافتة المدهشة وتربيته الفنية الرّاسخة من خلال المعهد العالي للفنون المسرحية، لم يُحقّق نجوميةَ الصف الأول أو البطل المطلق».

وعبر منصة «إكس»، علّق الإعلامي اللبناني نيشان قائلاً: «وداعاً للقدير نبيل الحلفاوي. أثرى الشاشة برقِي ودمَغ في قلوبنا. فقدنا قامة فنية مصرية عربية عظيمة».

ووصف الناقد الفني محمد عبد الرحمن الفنان الراحل بأنه «صاحب بصمة خاصة، عنوانها (السهل الممتنع) عبر أدوار أيقونية عدّة، خصوصاً على مستوى المسلسلات التلفزيونية التي برع في كثير منها»، لافتاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «السينما خسرت الحلفاوي ولم تستفِد من موهبته الفذّة إلا في أعمال قليلة، أبرزها فيلم (الطريق إلى إيلات)».

حنان مطاوع مع الحلفاوي (حسابها على «إنستغرام»)

وُلد نبيل الحلفاوي في حي السيدة زينب الشعبي عام 1947، وفور تخرجه في كلية التجارة التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي تخرج فيه عام 1970، ومن ثَمّ اتجه لاحقاً إلى التلفزيون، وقدّم أول أعماله من خلال المسلسل الديني الشهير «لا إله إلا الله» عام 1980.

ومن أبرز أعمال الحلفاوي «رأفت الهجان» عام 1990 الذي اشتهر فيه بشخصية ضابط المخابرات المصري «نديم قلب الأسد» التي جسدها بأداءٍ يجمع بين النبرة الهادئة والصّرامة والجدية المخيفة، بجانب مسلسل «غوايش» و«الزيني بركات» 1995، و«زيزينيا» 1997، و«دهشة» 2014، و«ونوس» 2016.

مع الراحل سعد أردش (حسابه على «إكس»)

وتُعدّ تجربته في فيلم «الطريق إلى إيلات» إنتاج 1994 الأشهر في مسيرته السينمائية، التي جسّد فيها دور قبطانٍ بحريّ في الجيش المصري «العقيد محمود» إبان «حرب الاستنزاف» بين مصر وإسرائيل.

وبسبب شهرة هذا الدور، أطلق عليه كثيرون لقب «قبطان تويتر» نظراً لنشاطه المكثف عبر موقع «إكس»، الذي عوّض غيابه عن الأضواء في السنوات الأخيرة، وتميّز فيه بدفاعه المستميت عن النادي الأهلي المصري، حتى إن البعض أطلق عليه «كبير مشجعي الأهلاوية».

نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

ووفق الناقد محمود عبد الشكور، فإن «مسيرة الحلفاوي اتّسمت بالجمع بين الموهبة والثقافة، مع دقة الاختيارات، وعدم اللهاث وراءَ أي دور لمجرد وجوده، وهو ما جعله يتميّز في الأدوار الوطنية وأدوار الشّر على حد سواء»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «لم يَنل ما يستحق على مستوى التكريم الرسمي، لكن رصيده من المحبة في قلوب الملايين من جميع الأجيال ومن المحيط إلى الخليج هو التعويض الأجمل عن التكريم الرسمي»، وفق تعبيره.