كوريا الشمالية تحثّ واشنطن على مراجعة سياستها التفاوضية

علّقت عروض الألعاب الجماعية بعد أن فشلت في إرضاء كيم

كيم وزوجته لدى حضورهما افتتاح عروض الألعاب الجماعية الاثنين الماضي (أ.ب)
كيم وزوجته لدى حضورهما افتتاح عروض الألعاب الجماعية الاثنين الماضي (أ.ب)
TT

كوريا الشمالية تحثّ واشنطن على مراجعة سياستها التفاوضية

كيم وزوجته لدى حضورهما افتتاح عروض الألعاب الجماعية الاثنين الماضي (أ.ب)
كيم وزوجته لدى حضورهما افتتاح عروض الألعاب الجماعية الاثنين الماضي (أ.ب)

حذّرت كوريا الشمالية الولايات المتحدة من احتمال تعرض الاتفاقات التي توصل إليها زعيما البلدين في سنغافورة العام الماضي للخطر، بسبب ضغط واشنطن المستمر بلا داع على بيونغ يانغ للتخلص من أسلحتها النووية.
وبعد مرور ما يقرب من عام على أول لقاء بين ترمب وكيم، الذي عُقد في سنغافورة حيث وقعا بيانا مشتركا من أربع نقاط تعهدا خلاله على العمل معا على تأسيس علاقة جديدة بين البلدين، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الكورية الشمالية إن الاتفاق بين البلدين «ربما يصبح في خطر»، إذا لم تتخل الولايات المتحدة عن سياستها «التي تصر بموجبها فقط على أن نتخلى من جانب واحد عن أسلحتنا النووية»، كما نقلت رويترز.
وأضاف المسؤول في البيان: «ننصح الولايات المتحدة جيدا بأن تغير طريقة حساباتها الحالية، وترد على طلبنا في أسرع وقت ممكن... لصبرنا حدود».
وجاء البيان بعدما ذكرت وسائل إعلام أن كوريا الشمالية عاقبت بعض أعضاء فريقها الذي قاد التفاوض مع الولايات المتحدة قبل فشل القمة الثانية بين زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون والرئيس الأميركي دونالد ترمب في هانوي، في فبراير (شباط).
من جهة أخرى، أعلنت كوريا الجنوبية أمس تخصيص 8 ملايين دولار (7.1 مليون يورو) من المساعدات الإنسانية لكوريا الشمالية، في وقت باتت فيه المفاوضات بشأن الترسانة النووية لبيونغ يانغ والعلاقات بين الكوريتين في حالة من الجمود.
وتعتبر هذه أول مساعدة من هذا النوع تقدّمها سيول إلى بيونغ يانغ منذ عام 2015، تزامناً مع تسجيل الشمال أسوأ موسم حصاد منذ عقود، حسب الأمم المتحدة. ويسعى رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن إلى إعادة التواصل الدبلوماسي بين بيونغ يانغ وواشنطن منذ إخفاق قمة هانوي. وقطع الشمال منذ ذلك الوقت الجانب الأكبر من اتصالاته مع سيول وواشنطن.
وأعلن وزير الوحدة في كوريا الجنوبية كيم يون - تشول، الذي يدير العلاقات بين الكوريتين، أنّ حكومة بلاده خصصت المساعدات بسبب «تدهور الوضع الغذائي» في الشمال. وستعطي سيول مبلغ 4.5 مليون دولار لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة لمكافحة سوء الغذاء، ومبلغ 3.5 مليون دولار لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) «تخصص لمساعدة الأطفال والحوامل».
وأشارت تقديرات حديثة للأمم المتحدة إلى أنّ أكثر من 10 ملايين كوري جنوبي (40 في المائة من السكان) يعانون نقصاً حاداً في الأغذية، وهي نسبة مستقرة مقارنة بالأعوام الأخيرة.
على صعيد آخر، أعلنت وكالة سفر متخصصة في تنظيم رحلات إلى كوريا الشمالية أن بيونغ يانغ ستعلق مؤقتاً عروض «أرض الشعب»، أحدث برنامج للألعاب الجماعية، وذلك لأنها لم ترق إلى المستوى الذي كان يتوقعه الزعيم كيم جونغ أون.
وأقيم العرض الافتتاحي لهذا البرنامج الكبير، وهو الأول هذه السنة، الإثنين في استاد الأول من مايو (أيار) في بيونغ يانغ. وكان من المفترض أن تتبعه عروض تستمر حتى أكتوبر (تشرين الأول). ولكن وكالة الأنباء الكورية الشمالية قالت الثلاثاء إن كيم جونغ أون «انتقد بشدة» مصممي العروض «بسبب افتقادهم لروح الإبداع»، و«عدم تحليهم بالمسؤولية» إزاء العمل المطلوب منهم. وعلى الإثر، أبلغت وكالات السفر أن العروض «ستعلق مؤقتاً». وعلمت وكالة «كوريو تورز» للسفر أنه ابتداء من 10 يونيو (حزيران) «ستعلق الألعاب الجماعية على أن يتم إدخال تعديلات وتغييرات عليها»، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مديرها العام سيمون كوكريل، دون أن يتم تحديد موعد لاستئنافها.
وتشارك حشود ضخمة لا سيما من الطلاب والأطفال في أداء هذه الألعاب، التي تتضمن رقصات وحركات فنية منسقة ومعقدة. وخلف الراقصين، يعرض على جزء من مدرجات الاستاد آلاف من الأطفال صفحات ملونة تشكل لوحات رائعة للغاية.
وتُظهر الصور التي تم نشرها حول العرض الأول ليلة الاثنين الفنانين وهم يلوحون بالأعلام أو يلعبون بالحلقات ويدورون حول زهور ضخمة في ملعب الاستاد. فيما رسم الأطفال عبارة «كلنا واحد!» على المدرجات بألواحهم على خلفية من الزهور التي ترسم قوس قزح في صورة ظلية لشبه الجزيرة الكورية.
وشكلوا في لوحة أخرى عبارة «شكرا لك، الأب كيم جونغ أون!».
ولم يعرف سبب غضب الزعيم الكوري الشمالي، علما بأن صورته استخدمت في الخلفية أثناء العرض، بالطريقة نفسها التي استخدمت صورة جده وأبيه، كيم إيل سونغ وكيم جونغ إيل. وفي حين تنتشر صور أبيه وجده في كل مكان في كوريا الشمالية، يندر رؤية صور كيم جونغ أون وليس له أي تمثال حالياً.
وفي التقرير الذي قدمته عن العرض الثلاثاء، لم تعرض قناة التلفزيون الكورية الشمالية هذه الصورة، على الرغم من أنها عرضت صور كيم جونغ أون وهو يحضر العرض مع زوجته ري سول جو. وقالت شركة السفر الأخرى «يانغ بايونيرز تورز» في تغريدة إن تعليق العروض «يرجع إلى أن كيم جونغ أون لم يكن راضياً عن العرض الأول».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟