نمو الاقتصاد الروسي في ميزان اتفاقية «أوبك بلس»

نمو الاقتصاد الروسي في ميزان اتفاقية «أوبك بلس»
TT

نمو الاقتصاد الروسي في ميزان اتفاقية «أوبك بلس»

نمو الاقتصاد الروسي في ميزان اتفاقية «أوبك بلس»

شكل ارتفاع أسعار النفط، بفضل اتفاقية «أوبك بلس»، عاملاً رئيسياً في نمو الاقتصاد الروسي، حتى مستويات قياسية، حصيلة العام الماضي، وسط توقعات بتباطؤ وتيرة نموه أدنى من التوقعات السابقة، العام الحالي، نتيجة تراجع حجم الإنتاج النفطي في روسيا. في حين عبر إيغر سيتشين، مدير شركة «روسنفت»، عن مخاوفه من تأثير تمديد اتفاقية «أوبك +» على حجم الإنتاج، وحصة روسيا في سوق النفط العالمية. بينما وفر ارتفاع أسعار النفط لروسيا ظروفاً مريحة ساهمت في تعزيز احتياطياتها الدولية، وزيادة مدخرات صندوقها للرفاه الوطني، الذي تعتمد عليه كـ«وسادة أمان» لمواجهة الأزمات.
وفي تقرير «الأفاق الاقتصادية العالمية»، الذي نشره البنك الدولي مؤخراً على موقعه الرسمي، قال إن الاقتصاد الروسي سجل العام الماضي نمواً قياسياً بمعدل 2.3 في المائة، لأول مرة منذ 6 سنوات، ويرى خبراء البنك أن هذه النتيجة ترجع إلى ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية، ونمو عائدات التصدير، وتنفيذ عدد من المشروعات الضخمة في مجال الطاقة، فضلاً عن الأثر الإيجابي الذي خلفه تنفيذ مشروعات ضخمة في إطار استضافة روسيا لبطولة العالم بكرة القدم، صيف العام الماضي، وتأثير استضافة البطولة، بحد ذاتها.
في الوقت ذاته، خفض البنك الدولي توقعاته للاقتصاد الروسي للعام الحالي. وعدل توقعاته السابقة لنمو الناتج المحلي الإجمالي في روسيا من 1.5 في المائة إلى 1.2 في المائة، في مراجعة ضمن تقريره الجديد. وأحال ذلك إلى تراجع إنتاج النفط، نتيجة التزام روسيا بتقليص الإنتاج في إطار اتفاق «أوبك +»، و«تشديد السياسة النقدية، وزيادة ضريبة القيمة المضافة منذ مطلع العام الحالي»، موضحاً أن هذا كله يسهم في انخفاض معدلات النمو ضمن الفترة المتبقية من عام 2019.
كما خفض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي حتى 2.6 في المائة، ما يزيد من المخاطر التي يواجهها الاقتصاد الروسي، وفق تقديرات البنك المركزي الروسي، الذي قال في تقرير نشره على موقعه الرسمي، إن تباطؤ الاقتصاد العالمي واحد من المخاطر الرئيسية بالنسبة للمنظومة المالية الروسية. أما بالنسبة لعامي 2020 - 2021، حافظ البنك الدولي على توقعاته السابقة لنمو الاقتصاد الروسي بمعدل 1.8 في المائة، لكن شرط أن يستمر «الضخ الحكومي» في الاقتصاد.
وفي أول تعليق رسمي على تقرير البنك الدولي، قال مكسيم أوريشكين، وزير التنمية الاقتصادية، إن تخفيض البنك توقعاته لنمو الاقتصاد الروسي لن يؤثر على توقعات الوزارة، التي ستحافظ على تقديراتها السابقة بمعدل نمو نحو 1.3 في المائة، أو أعلى من ذلك لعام 2019.
وأعاد الوزير إلى الأذهان توقعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، خريف العام الماضي، وتيرة نمو مرتفعة للاقتصاد العالمي، وأنه «تجري حالياً إعادة نظر بتلك التقديرات، وتوقعات البنك الدولي (الحالية) باتت أقرب وفق المعايير العالمية إلى توقعاتنا».
إلى ذلك عاد إيغر سيتشين، مدير عام شركة «روسنفت» الحكومية الروسية، المسيطرة على الجزء الأكبر من الإنتاج النفطي في البلاد، وعبر عن مخاوفه من تأثير الاتفاقية على حجم الإنتاج الروسي. وفي كلمة تلفزيونية له، خلال اجتماع مع المساهمين، حذر سيتشين من أن تمديد الاتفاقية للنصف الثاني من العام الحالي، وحادثة النفط الروسي الملوث عبر شبكة أنابيب «دروجبا»، قد تؤدي إلى زيادة حدة التنافس على «حصة في السوق». وعبر بصورة خاصة عن مخاوفه من أن تشغل الولايات المتحدة حصة روسيا في سوق النفط، وقال إن «الأميركيين سيزيدون حجم الإنتاج»، وتساءل بعد ذلك: «هل من معنى بأن نقلص حجم إنتاجنا، طالما أن الأميركيين قادرون على ملء الفراغ، وشغل حصتنا في السوق على الفور؟». وبموجب الاتفاقية الحالية، السارية حتى نهاية يونيو (حزيران) الحالي، يجب على روسيا أن تحافظ على إنتاج عند مستوى 11.132 مليون برميل يومياً.
ويرى خبراء أن مدير عام «روسنفت» ينطلق من مصلحة شركته، بينما حملت اتفاقية «أوبك +» فائدة للشركات وللاقتصاد الروسي بشكل عام.
في هذا الصدد، قال دميتري ماريتشينكو، كبير مديري مكتب وكالة «فيتش»، إن حساب دخل لم يتم الحصول عليه بسبب تمديد الاتفاقية أمر غير منطقي، لافتاً إلى أن «الشركات الروسية استفادت وربحت في نهاية المطاف نتيجة تلك الاتفاقية»، موضحاً أن سعر برميل النفط ارتفع حتى مستويات أعلى، ما كان يمكن توقعه، بينما لا تبدو الخسائر بسبب تقليص الإنتاج كبيرة بذلك الحجم.
تجدر الإشارة إلى أن ارتفاع أسعار النفط بفضل التوصل لاتفاقية تقليص حصص الإنتاج «أوبك +»، بغية ضبط سوق النفط العالمية، شكل عاملاً إيجابياً للغاية في دعم الاقتصاد الروسي، وساهم في تعزيز الاحتياطيات الدولية لروسيا، وزيادة مدخرات صندوق الرفاه، الذي تنظر إليه الحكومة الروسية بصفته «وسادة أمان» يتم الاستفادة منها بحال تعرض الاقتصاد لأزمات جديدة.
وتقوم وزارة المالية الروسية، شهرياً، بتخصيص الدخل النفطي الإضافي، أي كل ما يزيد عن سعر 40 دولاراً للبرميل، وفق قانون الميزانية، لشراء العملات الصعبة من السوق المحلية، وتحويلها لصالح الاحتياطيات الروسية وصندوق الرفاه. وتجري عمليات الشراء هذه منذ مطلع عام 2017 بشكل دوري كل شهر.
وأمس، قالت وزارة المالية إنها ستخصص 310.3 مليار روبل من الدخل النفطي الإضافي، لشراء عملات صعبة من السوق المحلية.
، خلال الفترة من 7 يونيو وحتى 4 يوليو (تموز) المقبل، بواقع تدخل بقدر 16.3 مليار روبل يومياً في سوق العملات، كانت قد خصصت 300.5 مليار روبل لعمليات الشراء خلال الفترة من 14 مايو (أيار) حتى 6 يونيو الحالي. وتقدر الوزارة أن يصل حجم عائدات النفط الإضافية (ما يزيد عن السعر المعتمد في الميزانية) نحو 324 مليار روبل خلال يونيو الحالي.



الدردري: اقتصاد سوريا خسر 24 عاماً من التنمية البشرية

TT

الدردري: اقتصاد سوريا خسر 24 عاماً من التنمية البشرية

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري «الذي خسر 24 عاماً من التنمية البشرية حتى الآن».

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

لبنان

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.