باسل بن جبر... السعودي الذي فتحت له الملكة قلعتها

من كان يتصور أن يغزو سعودي محلات واحدة من أهم المؤسسات البريطانية التجارية، ألا وهي محلات «سيلفريدجز»؟ ومن كان يتصور أن تفتح له الملكة أبواب قلعتها التاريخية «تاور أوف لندن»، حيث تُحفظ الرموز الملكية، من التاج الملكي والصولجان، في ليلة من ليالي شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ليعرض عطوراً يمكن اعتبارها هي الأخرى من «الجوالي» والنفائس؟ لكن هذا ما حدث مع باسل بن جبر الذي تشهد أرقام المبيعات في محلات «سيلفريدجز» أنه يحقق أعلاها، متفوقاً على عطور تنتجها بيوت أزياء معروفة وشركات متمرسة في هذا المجال منذ عقود.
اختياره «تاور أوف لندن» لتقديم 3 عطور جديدة له عدة دلالات، على رأسها أنه يلعب مع الكبار، وأن طموحاته تتعدى العادي. فقد تكون القلعة سياحية في النهار، إلا أنها لا تفتح أبوابها مساء سوى للنخبة، وقد كانت مناسبة جداً بالنسبة للعطار السعودي الشاب. فاسم العلامة التي أطلقها منذ بضع سنوات فقط (ثمين) اختاره ليعكس مفهومه للعطور: أن تكون فريدة من نوعها مكونة من أغلى وأنقى الخلاصات، بغض النظر عن سعر هذه المكونات. فهو يعتبر كل عطر قطعة مجوهرات ثمينة. وفي لقاء خاص، يقول إنه منذ البداية كان يعرف أنه لا يمكن أن يتباخل على مشروعه هذا. فالسوق مُتخم بالعطور التي تظهر بين كل شهر وآخر تقريباً، وما كان يحتاجه كعطار سعودي هو التميز والتفرد حتى يرسخ مكانته بين الكبار. ويشرح: «ليس مهماً بالنسبة لي أن أدخل هذا المجال فقط للوجود فيه... كانت فكرتي دائماً تدور حول عطور فريدة تخاطب الذواقة، أولاً وأخيراً». ويتذكر كيف كان يرافق والده وهو صغير إلى سوق العطارين لشراء الورد، وتحديداً ورد الطائف الذي كان والده يعشقه ويبحث عنه داخل السعودية وخارجها «إلى حد أن تجار العطور باتوا يعرفونه، ويتصلون به عندما يحصلون على الجيد والفريد منه». كبر الطفل، وكبر معه شغفه، وأصبح هو الآخر يجول العالم باحثاً عن خلاصات ومكونات جديدة مثلما يبحث تاجر الماس أو الزمرد عن الأحجار النادرة حول العالم. وأعطى شغفه ثماره سريعاً، بدليل أنه غزا السوق البريطانية من أبواب «سيلفريدجز» التي تفوز لسنوات بالمرتبة الأولى كأحسن محل تجاري عالمي. ومع ذلك يوضح، بتواضع شديد، أن المسألة لم تكن تحتاج إلى عبقرية بقدر ما كانت تحتاج إلى شغف وحب، مشيراً إلى أن «ثقافة العطور وصناعتها متجذرة في الحضارة العربية، وتسري في المسام والوجدان على حد سواء». لكنه يؤكد أن نظرته وطموحاته عالمية، ولا يريد أن يضع نفسه في تلك الصورة النمطية لدى الغرب، من أن العرب يعشقون فقط العطور القوية، وتلك التي يدخل فيها العود «رغم أن أكثر من روج للعود على المستوى العالمي هو توم فورد، عندما استعمله أول مرة وحقق نجاحاً هائلاً فتح العيون على أهميته كمكون فاخر». لكن ليس كل عطر دخل فيه العود نجح. فهناك أصول يجب احترامها، ولا يتقنها سوى قلة، حسب رأيه. المشكلة في الغرب أنه ظل ينظر طويلاً إلى الشرق على أنه مُستهلك أكثر منه مُبدع أو منتج في هذا المجال، رغم أن التاريخ يقول العكس تماماً. فقد حققت الحضارة الإسلامية ثورة في تاريخ العطور، عبر ابتداع وسيلة التقطير والعمليات الكيميائية العلمية التي لا تزال تعتمد إلى الآن بآليات أكثر تطوراً. صحيح أن الحضارة الإسلامية ورثت الكثير عن الحضارة الإغريقية، إلا أن العرب هم أول من استخدم تاج الزهرة لاستخراج ماء الزهور منذ 1300 عام، ولم يستعمل العرب تاج الأزهار كعطرٍ فقط، بل استعملوها كدواء أيضاً.
كما لا تزال الأزهار، مثل الياسمين والبنفسج وزهر الليمون والورد وغيرها، من المصادر المهمة لاستخراج العطور عند العرب، ولكن جوهر العطر يستخرج من مصادر أخرى غير الأزهار، كالخشب، ولا سيما خشب الأرز وخشب الصندل، ومن الأوراق، مثل النعناع والغرنوق والخزامى، ومن جذور معينة مثل الزنجبيل والسوسن. كل هذا يؤكد أن العرب ليسوا دخلاء على هذه المهنة. الفرق أنها ظلت لقرون محلية «وهذا ما يجعلني سعيداً أن تحقق عطوري النجاح التجاري الذي تحققه على المستوى العالمي حالياً». الفضل يعود أيضاً إلى نظرته واستراتيجيته على حد سواء. فهو لم يضعها في خانة محددة، ولم يسوقها كعربية أو سعودية، بل «هي عالمية، من ناحية أنها مسجلة في بريطانيا، ومكوناتها من ألمانيا، وعطاريها من فرنسا». الجديد أن عربياً سعودياً هو المايسترو في هذه الخلطة.

العطور لدى العرب
- تعددت أسماؤه، من الطيب، والشذا، والرائحة، والعرف، والعبق، والضوع، والفوح، والأريج، إلى العبير.
- اشتُقت كلمة «عطر» في اللغة الإنجليزية «perfume» من العبارة اللاتينية «per» بمعنى «خلال»، و«fumus» التي تعني «دخان». وبعد ذلك أطلق الفرنسيون الاسم «parfum» على الروائح اللطيفة التي تنتقل عبر الهواء من البخور المحترق.
- اكتشفه قدماء العراقيين في حضارة ما بين النهرين قبل نحو 4 آلاف سنة، حيث كانوا يحرقون أنواعاً من الراتنج والأخشاب في مراسيم دينية.
- كان العرب أول من استخدم تاج الزهرة لاستخراج ماء الزهور منذ 1300 عام، للتعطير والتطبيب أيضاً.
- رغم أن الأزهار، مثل الياسمين والبنفسج وزهر الليمون والورد وغيرها، من المصادر المهمة لاستخراج العطور عند العرب، فإن الأخشاب، مثل خشب الأرز وخشب الصندل، إلى جانب أوراق النعناع والغرنوق والخزامى، كانت تحظى بالأهمية نفسها.
- وصل حب العرب للعطور إلى تأليف عدة كتب عن هذه الصناعة. وأبرز هذه المؤلفات كانت لإبراهيم بن العباس، والحبيب العطار، والكندي.
- لا يمكن الحديث عن العطر دون العودة لشخصيتين مهمتين ساهمتا في ابتكار طرق جديدة لصناعتها، هما أبو الكيمياء جابر بن حيان والكندي. فقد كان الفضل في اكتشاف طرق فصل المواد الكيميائية، مثل التقطير الخالص والتبخير والترشيح، يعود إلى جابر بن حيان. واعتبر ابن الجوزي «عطر الغالية» الذي صنعه الكندي من النفائس التي كان الأمير العباسي المقتدر مسرفاً في اقتنائها. أما يعقوب بن إسحاق الكندي فيُعد المؤسس الحقيقي لصناعة العطور، حسب البعض، حيث أجرى تجارب مكثفة ناجحة لدمج عطور النباتات المختلفة مع مواد وخامات أخرى، وله مخطوط قديم بعنوان «الترفق في العطر»، يحتوي على 10 أبواب (صنعة المسك، وصنعة العنبر، وصنعة الزعفران، وصنعة الورس، وصنعة الغوالي، وباب آخر، والأدهان، وعمل الكافور، وصنعة السك والرامك، وعمل التصعيدات).
- كانت مهنة العطارة عند عرب الجزيرة من المهن الرفيعة التي لا يمارسها إلا علية القوم. وكانوا يحفظونه في قوارير من زجاج، ويصدرونه عبر البحر إلى السند والهند، وعن طريق البر إلى فارس وبلاد الروم. وبالإضافة إلى المسك والعنبر والعود والصندل، اشتهر عرب الجزيرة باستخدام أنواع أخرى من الطيب استعملوها في تطييب ثيابهم، مثل المر والصبر والكافور واللبان.
- تنقسم العطور في العصور الوسطى إلى 3 أنواع: عطور نباتية، يكون مصدرها النبات، مثل العود والصندل والكافور والزعفران والقرنفل والسنبل والياسمين؛ والثاني عطور حيوانية، وهي عبارة عن إفرازات غددية تتألف من دهون وزيوت يتم الحصول عليها من أجسام الحيوانات، ومنها العنبر والمسك؛ أما النوع الثالث فهو مزيج من العطور النباتية والحيوانية المركبة تركيباً كيميائياً باستخدام التقطير والتخمير، ومضافاً إليها بعض المثبتات.