التسوية الرئاسية لم تسقط لكنها تحتاج إلى تضميد

الحريري يدق ناقوس الخطر «في الوقت المناسب» بعد سجال «المستقبل» ـ باسيل

TT

التسوية الرئاسية لم تسقط لكنها تحتاج إلى تضميد

قالت مصادر وزارية واسعة الاطلاع إن الاشتباك السياسي الذي اندلع على مصراعيه بين تيار «المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، لن يدفع في اتجاه إسقاط التسوية الرئاسية التي أبرمها الحريري مع العماد ميشال عون وأدت إلى انتخابه رئيساً للجمهورية، بمقدار ما أنها أصيبت بجروح سياسية بليغة باتت في حاجة إلى تضميد لضمان عدم تجدد الاشتباك.
وكشفت المصادر الوزارية لـ«الشرق الأوسط» أن الاشتباك السياسي لم يكن بسبب الحكم الذي أصدرته المحكمة العسكرية وقضى بتبرئة المقدم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج، بل أسهم الحكم في تسريع ظهوره إلى العلن، نظراً إلى وجود صعوبة في فهم شخصية باسيل وماذا يريد، خصوصاً أنه يتصرف مع الآخرين من موقع التمادي مع كل من لا يؤيده في الرأي.
ولفتت إلى أن لدى باسيل من وجهة نظر من يتعامل معه، شخصية غريبة الأطوار. وقالت إن إصراره على تمديد الجلسات لمناقشة مشروع البيان الوزاري، أدى إلى انزعاج رئيس الحكومة والعدد الأكبر من الوزراء، خصوصاً أن ما تقدّم به من اقتراحات كانت طُرحت في الجلسات، وأن كل ما يتطلع إليه يكمن في أنه أراد أن يقدّم نفسه على أنه المنقذ للموازنة لمنع الانهيار الاقتصادي.
وقالت المصادر الوزارية إن هناك جملة من الاعتبارات تحذّر من عودة البلد إلى المربع الأول في ظل تعذّر انتخاب رئيس جديد. إضافة إلى أنه ليس هناك من الأطراف السياسية من لديه القدرة على أن يتحمل التكلفة السياسية التي يمكن أن تترتب على سقوط التسوية.
كما أن لا مصلحة لرئيس الجمهورية بحسب المصادر في إسقاط التسوية، وهذا ما يحتم عليه التدخّل لوقف الاشتباك السياسي، مع أن باسيل لم يوفّر أحداً من انتقاداته، باستثناء حليفه «حزب الله». ناهيك بأن مجرد رهان البعض على إسقاط التسوية للبحث عن بديل للحريري على رأس الحكومة، سيؤدي حتماً إلى إقحام البلد في أزمة حكم، وبالتالي لا ترى المصادر الوزارية أن للرئيس عون مصلحة في نقل البلد إلى حالة من التأزم يبقى عنوانها البحث عن إدارة الأزمة.
ورأت المصادر أن الاشتباك الذي حصل كان ضرورياً لتمرير رسالة واضحة لباسيل، وفيها أن هناك حاجة لإعادة النظر في سلوكه السياسي الذي لم يعد مقبولاً وأن مجرد التفكير بوضع اليد على مفاصل سياسية في إدارات الدولة سيؤدي حتماً إلى الإخلال بالتوازن السياسي.
وسألت المصادر: كيف يمكن لباسيل أن يوفّق بين طموحه الرئاسي وفقدانه الكيمياء السياسية مع المكونات الرئيسية في البلد ما عدا «حزب الله»؟ وقالت إنه يريد أن يجتاح سياسياً أكثرية الأطراف ليمرّر رسالة إلى الشارع المسيحي بأنه الأقوى بلا منازع.
ونقلت المصادر الوزارية عن سياسيين كانوا تعاطوا مع باسيل في فترات سابقة قولهم إنهم كانوا يتوقعون اندلاع الاشتباك، لكنهم فوجئوا بالأسلحة السياسية الثقيلة التي استخدمت فيه، وهذا يدل على أن «المستقبل» بدأ يعاني منه، وأن الاشتباك تأجل إلى ما بعد إقرار الموازنة في مجلس الوزراء وإحالتها إلى البرلمان لمناقشتها والمصادقة عليها.
وأكدت المصادر أن الرؤساء نجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة كانوا على حق في شكواهم من باسيل واتهامه بتعطيل جلسات مجلس الوزراء وشل قدرة الحكومات التي شارك فيها على الإنتاج والعطاء.
وقالت إن باسيل يحاول أن يقلل من وطأة الخلاف مع «المستقبل» بذريعة أن الحريري لم يدخل على خط الاشتباك، وأن المتضررين من هذه العلاقة هم من يتصدّرون الحملات ضده، وربما في إشارة إلى الموقف الأخير لوزير الداخلية السابق نهاد المشنوق الذي كان من أشد المتحمّسين للتسوية لحظة إقرارها، لكنه سرعان ما اكتشف أن هناك من يريد أن يأخذ كل شيء من دون أن يعطي.
وتعتبر مصادر في «المستقبل» أن الرسائل الساخنة التي وجهتها لباسيل يفترض أن تكون قد أدت الغرض المنشود منها الذي يتمحور حول ضرورة أن يعيد النظر في سلوكه وألا يتصرف على أنه الآمر الناهي وأن لا قرار يصدر إلا بموافقته.
وفي هذا السياق، فإن الرسالة التي وصلت إلى باسيل مفادها أن «لا إمكانية من الآن وصاعداً للتعاون معك ما لم تعد النظر في تعاملك». ويتريّث المراقبون في تحديد رد فعل رئيس الجمهورية وما إذا كان سيتدخّل لإنقاذ التسوية أو يقبل أن يستنفر عهده وأن تتحوّل حكومة العهد الأولى إلى إدارة رسمية تتولى إدارة الأزمة.
وتلفت المصادر إلى أن باسيل يريد التعامل بفوقية مع بعض القيادات الأمنية وهذا ما أوقعه في رهان خاطئ عندما قرر استهداف قيادة قوى الأمن الداخلي، ومن خلالها شعبة المعلومات التي حققت نجاحات على كل المستويات بشهادات عربية ودولية، ظناً منه أنه يستطيع تلميع جهاز أمني آخر. وتؤكد أن الحريري لم يتردد في إبلاغه بأن هذه القيادة خط أحمر بالنسبة له ولن يسمح بالنيل منها.
وتقول المصادر إن الكرة الآن ليست في مرمى الحريري وإنما في مرمى الآخرين وهو يقضي الآن إجازة عيد الفطر مع عائلته وينتظر الخطوات لتطويق الاشتباك السياسي، خصوصاً أن لدى أكثر من طرف وزاري مخاوف على مشروع الموازنة للنصف الثاني من هذا العام الذي تبدأ لجنة المال والموازنة النيابية مناقشته اليوم.
ويبدو أن مصدر هذه المخاوف يعود إلى أن الكتل التي وافقت على الموازنة في مجلس الوزراء مراعاة لرئيس الجمهورية قد تضطر إلى إعادة النظر في موقفها في البرلمان، إضافة إلى أن الاشتباك السياسي فتح الباب أمام بروز أكثر من معارضة في داخل الحكومة.
وعليه فإن الحريري الذي مارس أكثر درجات الصبر لم يعد يحتمل استمرار الوضع الراهن، ويضطر إلى أن يدق ناقوس الخطر في الوقت المناسب، فهل يجد من سيلاقيه في منتصف الطريق؟ وكيف سيتعامل معه رئيس الجمهورية؟



مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان اليوم (الأحد)، إن الوزير بدر عبد العاطي تلقّى اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي أحمد معلم فقي؛ لإطلاعه على نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت مؤخراً في العاصمة التركية، أنقرة، بين الصومال وإثيوبيا وتركيا؛ لحل نزاع بين مقديشو وأديس أبابا.

ووفقاً لـ«رويترز»، جاء الاتصال، الذي جرى مساء أمس (السبت)، بعد أيام من إعلان مقديشو وإثيوبيا أنهما ستعملان معاً لحل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي استقطبت قوى إقليمية وهدَّدت بزيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وجاء في بيان وزارة الخارجية المصرية: «أكد السيد وزير خارجية الصومال على تمسُّك بلاده باحترام السيادة الصومالية ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما أمَّن عليه الوزير عبد العاطي مؤكداً على دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية (الاتحادية) في الصومال الشقيق، وفي مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار».

وقال زعيما الصومال وإثيوبيا إنهما اتفقا على إيجاد ترتيبات تجارية للسماح لإثيوبيا، التي لا تطل على أي مسطح مائي، «بالوصول الموثوق والآمن والمستدام من وإلى البحر» بعد محادثات عُقدت يوم الأربعاء، بوساطة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وهذا الاجتماع هو الأول منذ يناير (كانون الثاني) عندما قالت إثيوبيا إنها ستؤجر ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية بشمال الصومال مقابل الاعتراف باستقلال المنطقة.

ورفضت مقديشو الاتفاق، وهدَّدت بطرد القوات الإثيوبية المتمركزة في الصومال لمحاربة المتشددين الإسلاميين.

ويعارض الصومال الاعتراف الدولي بأرض الصومال ذاتية الحكم، والتي تتمتع بسلام واستقرار نسبيَّين منذ إعلانها الاستقلال في عام 1991.

وأدى الخلاف إلى تقارب بين الصومال ومصر، التي يوجد خلافٌ بينها وبين إثيوبيا منذ سنوات حول بناء أديس أبابا سداً مائيّاً ضخماً على نهر النيل، وإريتريا، وهي دولة أخرى من خصوم إثيوبيا القدامى.

وتتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع كل من إثيوبيا والصومال، حيث تُدرِّب قوات الأمن الصومالية، وتُقدِّم مساعدةً إنمائيةً مقابل موطئ قدم على طريق شحن عالمي رئيسي.

وأعلنت مصر وإريتريا والصومال، في بيان مشترك، في أكتوبر (تشرين الأول) أن رؤساء البلاد الثلاثة اتفقوا على تعزيز التعاون من أجل «تمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بصوره كافة، وحماية حدوده البرية والبحرية»، وذلك في خطوة من شأنها فيما يبدو زيادة عزلة إثيوبيا في المنطقة.

وذكر بيان وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الأحد)، أن الاتصال بين الوزيرين تطرَّق أيضاً إلى متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت في أسمرة في العاشر من أكتوبر.

وأضاف: «اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا؛ تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث؛ لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وفي سبتمبر (أيلول)، قال مسؤولون عسكريون واثنان من عمال المواني في الصومال إن سفينةً حربيةً مصريةً سلَّمت شحنةً كبيرةً ثانيةً من الأسلحة إلى مقديشو، تضمَّنت مدافع مضادة للطائرات، وأسلحة مدفعية، في خطوة من المرجح أن تفاقم التوتر بين البلدين من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر.

وأرسلت القاهرة طائرات عدة محملة بالأسلحة إلى مقديشو بعد أن وقَّع البلدان اتفاقيةً أمنيةً مشتركةً في أغسطس (آب).

وقد يمثل الاتفاق الأمني مصدر إزعاج لأديس أبابا التي لديها آلاف الجنود في الصومال، يشاركون في مواجهة متشددين على صلة بتنظيم «القاعدة».