طرح التسجيل المصور لأبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي بثته مؤسسة «الفرقان» التابعة للتنظيم في نهاية أبريل (نيسان) الماضي، دلالات كثيرة تتعلق بمسارات مُحتملة قد يتجه إليها التنظيم خلال المرحلة المقبلة، عبر السعي لتأسيس مجموعات تابعة له في أفريقيا، وتطوير استراتيجيته بالاعتماد بصورة أكثر على «الأشبال»، في ظل حالة التراجع الشديد الذي يعاني منه التنظيم بمعاقله الرئيسية السابقة، داخل العراق وسوريا.
خطط «داعش» اتسقت مع توجهات تنظيمات إرهابية أخرى للاعتماد على ظاهرة «الأشبال» في أفريقيا، في محاولة لسد النقص العددي الكبير في «المقاتلين»، ونشر أفكارها الآيديولوجية بين الصغار، لبناء أجيال تحمل الفكر المتطرف. وقال خبراء وباحثون في الحركات الأصولية إن «تنظيم (داعش) يسعى للأطفال لتنفيذ عملياته، وتوفير الدعم اللوجيستي، إذ يرى فيهم وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد، حيث يتم تدريبهم على الفكر التكفيري الدموي». وأكد الخبراء والباحثون لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك تنامياً خلال الأشهر الماضية لتجنيد الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، و(داعش) يُخطط لتكوين جيل من الأطفال المغرر بهم».
ومصطلح «الأشبال» يقصد به الأطفال الذين يتلقون رعاية خاصة من قبل التنظيمات المتطرفة، عبر الاهتمام بتنشئتهم فكرياً على أفكار «الجهاد»، وبدنياً على حمل السلاح. ويُعد دفع الأطفال دون 16 عاماً للقتال أمراً محظوراً بموجب القانون الدولي، وطبقاً للمعاهدات والأعراف، كما يتم توصيفه بـ«جريمة حرب» من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
تغرير بالصغار
يقول تقرير أعده مرصد الفتاوى والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية إن «التنظيمات المبايعة لـ(القاعدة) في أفريقيا، والتنظيمات الأخرى الموالية لـ(داعش)، الأكثر إقبالاً على تجنيد الأطفال ودفعهم للقتال، خاصة أن أفريقيا تُعد موطناً لأكثر من 75 في المائة من إجمالي عدد الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراعات حول العالم».
وذكر التقرير أن حركة «بوكو حرام»، في غرب القارة الأفريقية، استخدمت الأطفال بشكل كبير في الآونة الأخيرة لتنفيذ عمليات انتحارية، حيث أكدت منظمة «اليونيسيف» أن تجنيد الأطفال في غرب أفريقيا تضاعف لأكثر من 3 مرات منذ عام 2010. واستخدمت الحركة أكثر من 135 طفلاً لتنفيذ عمليات إرهابية على معسكرات للجيش والقرى النيجيرية.
وذكر الدكتور إبراهيم نجم، مدير مرصد الفتاوى بالإفتاء المصرية، أن «أفريقيا الوسطى شهدت عمليات تجنيد للأطفال من قبل التنظيمات المتطرفة. وفي الصومال، أشارت (اليونيسيف) إلى أنه يتم تجنيد 200 طفل كل شهر على الأقل، خاصة من قبل حركة (الشباب)»، مضيفاً أن «كلاً من مالي والنيجر والكاميرون من الدول التي تشهد عمليات إرهابية متكررة بسبب انتشار خطر الإرهاب الذي تمثله (بوكو حرام) والتنظيمات المبايعة لـ(القاعدة)».
عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، قال: «تنوعت أساليب التنظيمات الإرهابية في تجنيد الأطفال، مثل التغرير بهم داخل المخيمات الدعوية، والسماح لهم باستخدام الأسلحة. وقد يتم استقطاب الصغار من خلال مواقع التواصل الاجتماعي»، مضيفاً: «وفي مرحلة لاحقة، يتم تدريبهم على القتال، لتخريج دفعات جاهزة للقتال، وغالباً ما يتم تجنيدهم كعناصر انتحارية بسبب قدرتهم على التنقل».
وأخيراً، وضعت منظمة «مشروع كلاريون» الأميركية بعض سمات للأطفال الذين يكونون أكثر عرضة للتطرف، كان من بينها الأطفال الذين يقضون وقتاً كبيراً على الإنترنت، وليس لديهم من يراقب أنشطتهم عبرها. وحددت المنظمة بعض علامات التطرف التي يُمكن للأبوين ملاحظتها على أطفالهم، ومن بينها قضاء الطفل كثيراً من وقته على الإنترنت، أو تصفح المواقع المتطرفة.
تطبيقات الإرهاب
في حين قال مؤشر للفتوى، تابع لدار الإفتاء المصرية، إن «(داعش) هو الأكثر استخداماً لتطبيقات الهواتف المحمولة للتأثير على عقول الشباب والمراهقين، فالتنظيم أطلق في مايو (أيار) 2016 تطبيق (حروف) لتعليم الأبجدية للأطفال لترسيخ مفاهيم العنف والقتال». وأكد المؤشر أن «لجوء التنظيمات الإرهابية لتدشين تطبيقات الهواتف للتأثير على عقول الشباب والأطفال، ومن ثم سهولة حشدهم وتجنيدهم، وضمان وجود الشعارات والفتاوى الجهادية والانتصارات الوهمية بشكل يومي بين يدي الشباب والأطفال عبر هواتفهم في كل مكان وزمان».
وأكد رسمي عجلان، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «هناك تنامياً خلال الأشهر الماضية لتجنيد الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، و(داعش) يُخطط لتكوين جيل من الأطفال المغرر بهم»، مضيفاً أن «داعش» يُلقن الصغار الأفكار المتطرفة في سن مبكرة جداً، ويجبرهم على تنفيذ عمليات الإعدام للرهائن وعناصر التنظيم الهاربة.
واتفقت مع الرأي السابق دراسة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف بالقاهرة، أكدت أن تجنيد الأطفال في أفريقيا كارثة إنسانية وخطر كبير يُهدد الجميع دون استثناء، لافتة إلى أن «أكثر وسائل تجنيد الصغار خطراً هو (غسيل الأدمغة) عبر المدارس التعليمية التابعة لتلك التنظيمات، ما يعني أن هؤلاء الصغار تعرضوا لحالة (مسخ) للهوية بأفكار العنف والقتال، مما يجعلهم (قنابل موقوتة) قد تنفجر في وجه المجتمعات في أي وقت».
وقال مراقبون إنه في عام 2016، اعتمد «داعش» بشكل متزايد في العمليات الوحشية، لا سيما الإعدامات، على الأطفال، وقد بث التنظيم عدة إصدارات مرئية تظهر أطفالاً قاموا بعمليات إعدام بحق رهائن سقطوا في يد التنظيم، أو عناصر من التنظيم فكروا في الهروب من أرض الخلافة «المزعومة»، عقب اكتشاف زيف مزاعم «داعش».
وأكدت دراسة مرصد الأزهر في هذا الصدد أن «تجنيد الجماعات الإرهابية للأطفال، خاصة تجنيد (داعش) لأطفال أفريقيا، ما هو إلا محاولة لسد الخسائر في صفوف عناصره الإرهابية التي جندها من جميع دول العالم، فبسبب تلك الخسائر، بدأ اتجاه (داعش) يتحول إلى استراتيجية جديدة تُعوض خسائره البشرية في سوريا والعراق، وهي تجنيد الأطفال. ولأنه يعلم أن الأمر بات صعباً في البلدين، اتجه إلى الدول النائية في أفريقيا، ليعوض خسائره البشرية هناك، حيث الفقر والضعف الأمني في بعض الدول».
معسكرات تدريب
وأضافت دراسة مرصد الأزهر: «إن حركة (بوكو حرام) تتبع معايير مزدوجة في التعامل مع الأطفال، طبقاً للنوع، إذ تُجبر الفتيات على الزواج بأعضاء الحركة، ومن ثم تكليفهن بتنفيذ عمليات إرهابية. أما تجنيد الأطفال من قبل (الشباب) فلا يزال أمراً قائماً بشدة، وقد تم تجنيد قرابة 1800 طفل في الصومال من قبل الجماعات المسلحة خلال الأشهر الأولى من عام 2017. وتتراوح أعمار أولئك الأطفال بين العاشرة والخامسة عشرة، حيث تلقوا تدريبات عسكرية على استخدام الأسلحة النارية، والتعامل مع القنابل اليدوية والعبوات الناسفة في معسكرات خاصة، فضلاً عن تجنيد (داعش) لأطفال النيجر، فيما تعد أوغندا أبرز الدول الأفريقية تجنيداً للأطفال، أما مالي فلا تزال هناك بؤرة ضبابية فيما يتعلق بتجنيد الأطفال».
وفي هذا الصدد، نقل مركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة»، في أبوظبي، دراسة لجيسيكا تريسكو (زميل في معهد أميركان إنتربرايز)، بعنوان «التصدي لاستغلال الإرهابيين للشباب»، أصدرها المعهد في مايو (أيار) الماضي، وأشارت إلى أن الشباب يُمثلون مصدراً حيوياً لدعم كثير من التنظيمات الإرهابية، حيث أوضحت الدراسة أنه من بين 40 ألف عضو في تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، كان ما يقرب من 12 في المائة منهم من الأطفال دون سن الثامنة عشرة. وقد بلغت أعدادهم ما لا يقل عن 4640 من الأطفال القُصر، بالإضافة إلى ما يقرب من 730 طفلاً رضيعاً قد ولدوا لمقاتلين أجانب في الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم خلال الفترة من أبريل (نيسان) عام 2013 حتى يونيو (حزيران) عام 2018، في حين تُشير التقديرات الكلية لأعداد الأطفال المولودين في الأراضي التي كانت يُسيطر عليها «داعش» إلى نحو 5 آلاف طفل.
وأشارت دراسة تريسكو إلى أن «هذا الرقم الكبير في أعداد الأطفال المولودين لآباء وأمهات منخرطين في تنظيمات إرهابية يعكس حجم المخاطر المستقبلية التي يُمكن أن تنجم، خاصة في ظل عدم وجود اهتمام دولي كاف بإدماج هؤلاء الأطفال، وإبعادهم عن البيئة المحفزة للتطرف العنيف، وهو ما يرتبط بما يثار منذ انحسار تنظيم (داعش) وهزيمته، حول مخاطر العائدين من التنظيم، سواء كانوا عائلات أو شباباً أو شابات أو أطفالاً، حيث إن هؤلاء جميعاً يُشكلون (قنابل موقوتة) في المجتمعات التي يمكن أن يستقروا بها».
من جهته، أكد عجلان أن «(داعش) يرى في الصغار وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد، حيث يُعد الأطفال صيداً ثميناً لجماعات التطرف، بسبب استغلال حسن نيتهم وضعف مداركهم، لنشر عقيدة التنظيم الدموية».