منذ بضع سنوات لقي زوجي كريس، الذي شارك في أربع مرات لنشر القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، مصرعه في انهيار ثلجي في ولاية كولورادو. أنا من المحاربين القدامى في الجيش، وشاركت في مناطق قتال مرتين، أحدهما عام 2005 والأخرى عام 2008. دون عواقب أو أضرار نفسية خطيرة. مع ذلك أعتقد أن وفاة زوجي عشية أعياد الميلاد هي الواقعة التي ستؤدي إلى معاناتي من اضطراب كرب ما بعد الصدمة وفقدان السيطرة على ذاتي وحالتي النفسية. كانت الأشهر القليلة التالية لذلك مليئة بليالٍ عانيت فيها من الأرق والإسراف في تناول المشروبات، لكنها أيضاً لم تخلُ من ممارسة التمرينات الرياضية والتأمل والتفكر، حيث بحثت بين كتب تنمية الذات، وسعيت وراء العلاج النفسي. كذلك لم أواجه قط مشكلة في الاستيقاظ صباحاً، وكنت أحافظ على الذهاب إلى عملي في الموعد المحدد، وكنت أعمل بكفاءة لكني أشعر بالحزن. لم يتم تشخيص حالتي بأنها اكتئاب أو اضطراب كرب ما بعد الصدمة، وكنت أرى أنه طالما الأمر كذلك، لا بد أن بي خطب ما.
كان الكثيرون يرون أن من الحتمي أن يصاب أي شخص تعرض لصدمة ما بكرب ما بعد الصدمة، لكن لأنني خبرت الصدمة على صعيد الأسرة وعلى خطوط المواجهة التي شاركت فيها لم أعانِ من اضطراب كرب ما بعد الصدمة، تطوعت منذ ثلاثة أعوام للعمل ضمن مجموعة معيارية في دراسة يمولها كل من المعهد الوطني للصحة النفسية والمركز الوطني لاضطراب كرب ما بعد الصدمة في وزارة شؤون المحاربين القدامى. من الشائع أن يعاني المرء من استرجاع للأحداث والكوابيس فضلاً عن أعراض أخرى بعد تعرضه لصدمة، لكن أكثر الناس تتعافى من تلك الحالة وتتجاوزها.
تختلف هذه الاستجابة الحادة لأي حدث يثير التوتر والأسى عن اضطراب كرب ما بعد الصدمة، الذي يتم تشخيصه عندما تستمر الأعراض لمدة تزيد على 30 يوماً، وتحتاج إلى وقت أطول للتعافي، وتتضمن خطة العلاج في هذه الحالة إما علاجاً نفسياً أو عقاقير طبية أو كليهما. رغم أن 60 في المائة تقريباً من العامة قد تعرضوا لحدث من هذا النوع أو أكثر، يعاني نحو 8 في المائة فقط من ذلك الاضطراب في مرحلة ما من حياتهم. مع ذلك بالنسبة للمحاربين القدامى، الذين شاركوا في عمليات نشر للقوات في العراق أو أفغانستان، معدل الإصابة بكرب ما بعد الصدمة أكبر، حيث يتراوح بين 11 و20 في المائة. ونظراً لالتحاقي بكلية الطب حالياً عرفت أن هناك عدداً من عوامل التكيف والمرونة التي قد تساعد في حماية الناس من الإصابة بكرب ما بعد الصدمة. وقد اكتشفت أن لدي بعضاً من تلك العوامل وهي عدم الإصابة بصدمة في مرحلة الطفولة، واختيار مواصلة التعليم، ووجود أصدقاء مقربين وأفراد أسرة يقدمون لي الدعم الاجتماعي.
تستخدم الدراسة، التي تطوعت بالمشاركة فيها، تكنولوجيا تصوير المخ في محاولة لتكوين نظرة عميقة للحالة العصبية البيولوجية لذلك الاضطراب، وتقوم بتتبع الطريقة التي تعمل بها الاستجابات المتعلقة بالخوف والسلامة لدى الأشخاص المصابين بكرب ما بعد الصدمة ولدى الذين لديهم فيما يبدو مقاومة للإصابة بهذه الحالة. إذا تمكن العلماء من تحديد أنشطة أو عمليات المخ لدى الأشخاص الذين تعاملوا بشكل أفضل وأقل حدة مع الكروب والصدمات والذكريات، ربما ينجحون في التوصل إلى طرق علاج أفضل تساعد الذين يعانون من أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة.
تمددت أسفل ماكينة التصوير بالرنين المغناطيسي وكانت أول خواطري هي سعادتي بأني قد تجاوزت خوفي المرضي من الأماكن المغلقة. تطلعت إلى مرآة أمام وجهي تعكس مجموعة من الألوان. حاولت الاسترخاء وسرعان ما أدركت أن الصدمة تمر بالفعل بعد ظهور مربع أصفر على المرآة حتى أعلم بالوقت الذي عليى الاستعداد فيه. شعرت بالتوتر في جسدي، واصطكت أسناني. كان أحد المساعدين في البحث يجلس في غرفة أخرى يراقب صوراً لمخي طوال مدة الفحص التي وصلت إلى ساعة. رأيت تلك الصور لاحقاً، وبدت مثل عاصفة على خريطة لأحوال الطقس، حيث كانت هناك بعض المناطق النشطة التي يزداد فيها تدفق الدم.
كان الفحص يقيس ردود فعل مخي عند شعوري بالأمان والخطر. قبل إجراء فحص الرنين المغناطيسي كنت قد ملأت مجموعة من الاستبيانات التي يستخدمها الأطباء في تشخيص كرب ما بعد الصدمة. وكان أحدها عن المشاركة في القتال مثل وجود خطر الإصابة أو الموت، وإطلاق النار على العدو، ومشاهدة شخص أصيب في القتال أمامي، وقد وضعت علامة صح أمام كل تلك الأسئلة. كان الاستبيان التالي عن الأعراض المحتملة المرتبطة بالتجارب الصادمة مثل الأحلام المزعجة، والشعور بالقلق والانتباه المبالغ فيه، والشعور بالعزلة عن الناس، وقد أجبت بلا عن أول سؤالين وبأحياناً عن السؤال الثالث.
قبل وفاة كريس كنا كثيراً ما نناقش تجاربنا في الحروب، ونتساءل عن سبب عدم إصابتنا باضطراب كرب ما بعد الصدمة مثل الآخرين. كنا نظن أن الدعم المتبادل بيننا كان من أسباب ذلك، فقد كنا في الجيش وربما جعل ذلك من الأسهل التحدث عن تجاربنا.
تظهر صور الأحداث الصادمة التي مررت بها في مخي، وأستطيع استرجاعها متى شئت، لكني أظل أتحكم بهم وأشعر بالانفصال عنها، وهذا يختلف عن المصابين باضطراب كرب ما بعد الصدمة الذين يتفادون التفكير في تجاربهم المؤلمة لأن الذكريات تحرك مشاعرهم وتحدث استجابة في أجسامهم. تشير بعض الدراسات إلى أن اللوزة الدماغية، وهي جزء من المخ مرتبط باستجابة الخوف، أصغر حجماً لكنها أكثر نشاطاً لدى الأشخاص المصابين بكرب ما بعد الصدمة. ولا تزال الدوائر الطبية تدرس ذلك لتعرف ما إذا كان ناجماً عن اختلاف وراثي، أم أنه نتيجة التعرض لصدمات. النظرية السائدة عن ذلك الاضطراب هي أنه يتم تعلم استجابة الخوف غير المناسبة للموقف بعد التعرض لصدمات بحيث يصبح أقل مثير سبباً كافياً لشعور المصابين بتلك الحالة بالقلق والتأهب والاستنفار، حيث لا يسجل المخ أن الوضع الجديد آمن وأن البيئة لم تعد خطيرة.
- خدمة «نيويورك تايمز»