فنزويلا تعود إلى الاحتجاجات بعد فشل محادثات أوسلو

واشنطن: الشيء الذي يمكن التفاوض عليه مع مادورو هو شروط رحيله

النرويج استضافت المحادثات بين المسؤولين الحكوميين ووفد المعارضة إلا أنها لم تحرز تقدما  نحو حل الأزمة السياسية بين مادورو (يمين) وغوايدو (يسار) (أ.ف.ب)
النرويج استضافت المحادثات بين المسؤولين الحكوميين ووفد المعارضة إلا أنها لم تحرز تقدما نحو حل الأزمة السياسية بين مادورو (يمين) وغوايدو (يسار) (أ.ف.ب)
TT

فنزويلا تعود إلى الاحتجاجات بعد فشل محادثات أوسلو

النرويج استضافت المحادثات بين المسؤولين الحكوميين ووفد المعارضة إلا أنها لم تحرز تقدما  نحو حل الأزمة السياسية بين مادورو (يمين) وغوايدو (يسار) (أ.ف.ب)
النرويج استضافت المحادثات بين المسؤولين الحكوميين ووفد المعارضة إلا أنها لم تحرز تقدما نحو حل الأزمة السياسية بين مادورو (يمين) وغوايدو (يسار) (أ.ف.ب)

كرر أعضاء وفد المعارضة الفنزويلية خلال محادثات أوسلو دعواتهم للرئيس نيكولاس مادورو بالتنحي وترك الأمور لحكومة انتقالية تنظم انتخابات رئاسية من أجل إنهاء الأزمة السياسية في الدولة العضو بمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). النرويج استضافت المحادثات بين المسؤولين الحكوميين ووفد المعارضة، إلا أنها لم تحرز تقدما نحو حل الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ وقت طويل، وتعهد زعيم المعارضة في فنزويلا خوان غوايدو بالمضي قدما في الاحتجاجات بالشوارع. وجاء في بيان صدر عن المعارضة: «انتهى هذا الاجتماع بدون اتفاق». وأضاف: «شددنا على أن تكون الوساطة مفيدة لفنزويلا حيثما كانت هناك عناصر تجعل من الممكن التحرك نحو حل حقيقي».
وذكر البيان أن المعارضة تمسكت بمطالبها فيما يتعلق باستقالة مادورو وتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات حرة. وقال غوايدو لشبكة فوكس بيزنس «ليس هناك اتفاق حاليا لذلك فإن الفرصة التي أمامنا اليوم هي البقاء في الشوارع». وأضاف «نريد التوصل إلى حل للأزمة».
وأعلن غوايدو في يناير (كانون الثاني) نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد مستندا إلى دستور فنزويلا ووصف حكومة مادورو بأنها غير شرعية بعد أن خاض جولة إعادة لانتخابات الرئاسة العام الماضي في تصويت شابته اتهامات واسعة بالتزوير. واعترفت معظم الدول الغربية بغوايدو رئيسا شرعيا لكن مادورو أكد مرارا أنه لن يتخلى عن المنصب ووصف غوايدو بأنه مدبر انقلاب ودمية في يد واشنطن.
وفي بيان سابق قال مكتب غوايدو إن المعارضة لا تزال راغبة في مواصلة جهود الوساطة طالما هناك ظروف مواتية لإحراز تقدم لكنها لن تتخلى عن خارطة الطريق التي رسمتها لإجراء انتخابات جديدة.
وأعلنت وزارة الخارجية النرويجية الأربعاء أن ممثلي الحكومة والمعارضة الفنزويلية اجتمعوا في أوسلو وناقشوا «القضايا السياسية والاقتصادية والانتخابية». وقالت في بيان إن الجانبين «أظهرا استعدادهما للمضي قدما في البحث عن حل دستوري متفق عليه». وأضاف البيان: «مطلوب من الأطراف إبداء أقصى درجات الحذر في تعليقاتهم وبياناتهم المتعلقة بالعملية؛ من أجل الحفاظ على عملية يمكن أن تؤدي إلى نتائج». كما دعت أوسلو في بيانها الجانبين لتوخي الحذر عند الإدلاء بتصريحات تجنبا لإلحاق الضرر بالمحادثات.
وفي تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي قال مادورو إن الحكومة مهدت الأرض للوساطة النرويجية عبر شهور من المحادثات السرية. وقالت أيضا مصادر من المعارضة إن اتصالات جرت مع عناصر من الحكومة لأشهر خاصة قبل انتفاضة عسكرية تم إحباطها في 30 أبريل (نيسان). وقال مادورو «السبيل الوحيد للمضي قدما هو الحوار. نريد اتفاق سلام».
يشار إلى فنزويلا شهدت أزمة اقتصادية وسياسية هائلة في عهد الرئيس مادورو، الذي فاز بفترة ولاية ثانية في انتخابات قاطعتها معظم تيارات المعارضة قبل عام. ودفع انهيار الاقتصاد أكثر من ثلاثة ملايين فنزويلي لمغادرة البلاد في السنوات القليلة الماضية كما سقط قتلى خلال الاحتجاجات السياسية. واحتجزت عناصر المخابرات العديد من حلفاء غوايدو فيما وجهت المحكمة العليا هذا الشهر اتهامات إلى 14 مشرعا معارضا بارتكاب جرائم من بينها الخيانة والتآمر.
وفي ذات الوقت، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن «الشيء الوحيد الذي يمكن التفاوض عليه مع نيكولاس مادورو هو شروط رحيله». وقال مسؤول رفيع المستوى في الاتحاد الأوروبي ببروكسل إن بروكسل ومجموعة الاتصال الدولية بشأن فنزويلا، التي تضم دولا من أوروبا وأميركا اللاتينية، يمكن أن تساعد في دعم «تطبيق الاتفاقيات المحتملة التي قد تسفر عنها عملية أوسلو». وأضاف المسؤول بالاتحاد الأوروبي: «نحن مهتمون ببناء الدعم الدولي للعملية، إذا نجحت العملية وطلب الأطراف دعم تطبيقها، على سبيل المثال في المساعدة في التحضير لانتخابات حرة ونزيهة». وتابع المسؤول قائلا: «لا ينبغي لنا - في المجتمع الدولي - اختيار فائز، أو تحديد التيار الذي يجب أن يخوض الانتخابات. هدفنا الرئيسي هو أن تكون هذه الانتخابات حرة ونزيهة وأن تكون جميع القوى السياسية قادرة على الترشح في ظروف متساوية». وأشار المسؤول إلى أنه: «إذا تحدثنا حول عملية انتقالية يتم التفاوض عليها، فقد تكون هناك ترتيبات انتقالية للحكومة». ومن المقرر أن يجتمع ممثلو مجموعة الاتصال الدولية بشأن فنزويلا وممثلو مجموعة ليما الأميركية على المستوى الوزاري في الثالث من يونيو (حزيران) في نيويورك لمناقشة الوضع في فنزويلا. وأضاف المسؤول: «نصرّ في اتصالاتنا بالولايات المتحدة على أن الخيار الوحيد يجب أن يكون سياسيا وديمقراطيا».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟