«حلف» موسكو - دمشق يدمر 24 منشأة طبية في «مثلث الشمال» السوري

TT

«حلف» موسكو - دمشق يدمر 24 منشأة طبية في «مثلث الشمال» السوري

أفاد تقرير حقوقي أمس أن «قوات الحلف السوري الروسي» استهدفت 24 منشأة طبية في «مثلث الشمال»، منطقة خفض التصعيد في شمال غربي سوريا، في غضون أربعة أسابيع، مشيرة إلى أن ذلك يشكل خرقاً لقرارات مجلس الأمن و«فشلاً للمجلس في حماية المدنيين مما يتطلب تشكيل تحالف دولي خارج مجلس الأمن لحماية المشافي».
وقالت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» أمس إن «قوات الحلف السوري الروسي استهدفت 24 منشأة طبية في منطقة خفض التصعيد الرابعة في غضون أربعة أسابيع». ودعت إلى تشكيل تحالف دولي خارج مجلس الأمن لحماية المشافي.
حسب التقرير الذي جاء في 22 صفحة، ساهم ضعف آليات الأمم المتحدة عن إلزام النظام السوري بوقف قصف المشافي والمنشآت المشمولة بالرعاية من جهة، وعجز مجلس الأمن عن التحرك بسبب حق النقض (فيتو) الروسي من جهة ثانية، وأخيراً عدم تشكل تحالف دولي مسؤول عن حماية المدنيين والمراكز الطبية والمدنية، ساهم كل ذلك في استمرار النظام السوري وحلفائه في خطته البربرية في البدء بقصف المراكز الطبية.
وذكر التقرير أن «قوات الحلف السوري الروسي الإيراني هي المرتكب الأبرز لانتهاكات قصف المنشآت الطبية وبشكل رئيسي بسبب استخدام سلاح الطيران؛ الأمر الذي تسبب في تدمير جزئي أو كلي للمراكز الطبية والمستشفيات الميدانية، والمعدات الطبية وبالتالي في إغلاق مرافق الرعاية الصحية بشكل مؤقت أو دائم».
وجاء في التقرير أنَّ منطقة إدلب لخفض التصعيد (المؤلفة من محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حماة وحلب واللاذقية) شهدت تصعيداً عسكرياً متكرراً منذ دخول اتفاق سوتشي حيِّزَ التنفيذ في 17 سبتمبر (أيلول)، وتسببت هذه الحملات العسكرية بحسب التقرير في مقتل ما لا يقل عن 701 مدني، بينهم 201 طفل، و131 سيدة (أنثى بالغة) على يد قوات الحلف السوري - الروسي، وتشريد قرابة مليون مدني، نزح مئات الآلاف منهم غيرَ مرة.
ونوَّه التقرير بأنَّ منطقة إدلب شهدت منذ 26 أبريل (نيسان) حملة عسكرية هي الأعنف منذ اتفاق سوتشي، وقد تسببت هذه الحملة حتى 24 مايو (أيار) في مقتل ما لا يقل عن 265 مدنياً، بينهم 64 طفلاً، و50 سيدة وتشريد ما لا يقل عن 195 ألف نسمة.
وذكر التقرير أنَّ هذا التصعيد شملَ ارتفاعاً في وتيرة عمليات الاعتداء على المراكز الحيوية المدنية وبشكل خاص المراكز الطبية؛ مما اضطرَّ إدارة معظم المراكز إلى تعليق عملها، وبشكل خاص بعد أن أوقف عدد كبير من الدول والمانحين تمويل المنظمات في الجزء الخاضع لسيطرة هيئة تحرير الشام المصنفة كجهة إرهابية.
ونقل التقرير عن فضل عبد الغني مدير «الشبكة» قوله أمس: «لا يمكن للإنسانية أن تقبل كل هذا الكم من الحقد والاعتداء على مراكز تُقدِّم خدمات طبية لجرحى أو مصابين، إن هذا الاستهداف المتواصل لم يعد يُشكِّل اعتداءً على الشعب والمجتمع السوري وحده، إنه جرائم ضدَّ الإنسانية جمعاء، وسوف يُشجع مجرمين وديكتاتوريات على استنساخ تجربة النظام السوري في الاعتداء على الإنسانية على هذا النَّحو البشع، يجب التحرك العاجل من قبل تحالف دولي حضاري خارج مجلس الأمن لوقف الانتهاكات الصارخة والمتكررة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان».
وتشمل حصيلة حوادث الاعتداء التي وردت في التقرير عمليات القصف التي استهدفت منشآت طبية ولم يكن بالقرب منها مقرات أو معدات عسكرية وعمليات قصف المنشآت الطبية التي تم تعليق عملها خشية تعرُّضها للقصف؛ ونظراً لنزوح أهالي المنطقة، مُشيراً إلى أنه قد تتعرض المنشأة الطبية الواحدة لأزيدَ من اعتداء واحد، وكل حادثة اعتداء توثَّق على أنها انتهاك.
ووثَّق التقرير ما لا يقل عن 39 حادثة اعتداء على منشآت طبية من قبل قوات الحلف السوري الروسي في منطقة خفض التصعيد الرابعة منذ 17 سبتمبر وقع 29 منها في ظلِّ الحملة العسكرية الأخيرة، النظام السوري كان مسؤولاً عن 15 حادثة منها، في حين نفَّذت القوات الروسية 14 حادثة كما تسبب التصعيد العسكري الأخير على منطقة خفض التصعيد الرابعة في مقتل ما لا يقل عن 4 من الكوادر الطبية منذ 26 أبريل و«جميعهم قتلوا على يد قوات النظام السوري».
وبحسب التقرير فإنَّ هذه الحوادث تسببت في تضرُّر ما لا يقل عن 24 منشأة طبية 6 منها مدرجة ضمن آلية التحييد التي ابتكرَها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سبتمبر 2014. وتقوم الآلية بإعلام قوات التحالف الدولي وروسيا وتركيا والمجموعة الدولية لدعم سوريا بالمواقع الإنسانية الثابتة والمهام الإنسانية المتحركة للتَّخفيف من مخاطر استهدافهم.
وطبقاً للتقرير لم تُقدِّم هذه الآلية شيئاً يُذكر في حماية المراكز الطبية، بل ربما ساهمت في توفير معلومات إلى القوات الروسية التي استخدمتها في قصف المراكز الطبية لاحقاً. وقدَّر التقرير حصيلة المصابين جراء العمليات العسكرية الأخيرة بقرابة 832 مدنياً.
أكَّد التقرير أنَّ الحوادث الواردة فيه تُمثِّل خرقاً لقرارات مجلس الأمن رقم 2139 و2254 و2286. مُشيراً إلى أنَّ معظم الهجمات قد استهدفت أفراداً مدنيين عُزَّل. وأوصى بضرورة التوقف عن اعتبار الحكومة السورية طرفاً رسمياً «بعد أن ارتكبت جرائم ضدَّ الإنسانية» فيما يتعلق بالجانب الإغاثي، والتوقف عن إمدادها بالقسم الأكبر من المساعدات المالية والمعنوية، التي غالباً لا تصل إلى مُستحقيها، بل إلى الموالين للحكومة السورية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.