تجدد القتال بين «جبهة الخلاص الوطني» والقوات الحكومية في مناطق الاستوائية

بعثة حفظ السلام تعلن مقتل 12 من أفرادها العام الماضي

TT

تجدد القتال بين «جبهة الخلاص الوطني» والقوات الحكومية في مناطق الاستوائية

أعلنت «جبهة الخلاص الوطني»، التي رفضت توقيع اتفاق السلام في جمهورية جنوب السودان، عن تصديها لهجوم شنه الجيش الحكومي على مواقعها في مقاطعتين بمناطق غرب الاستوائية، جنوب العاصمة جوبا أمس. وفي غضون ذلك قالت بعثة الأمم المتحدة في جمهورية جنوب السودان إن 12 من أفراد قواتها التابعة للبعثة في مجال حفظ السلام قتلوا خلال العام الماضي أثناء قيامهم بواجبهم، ليصل بذلك العدد الكلي للقتلى التابعين للقوات الأممية إلى 68 شخصا.
وقال نائب المبعوث الخاص للأمم المتحدة في جنوب السودان مصطفى ساوماري في كلمة له خلال الاحتفال باليوم العالمي لقوات حفظ السلام أمس في جوبا «إنه من المحزن أن نفقد 12 من أفراد قوة حفظ السلام في جنوب السودان خلال عام 2018... ونحن نتقدم بالتحية لأعضاء قوة حفظ السلام لقيامها بمهامها بكل مهنية وتجرد، والالتزام بما قدموه من تضحيات في سبيل خدمة شعب جنوب السودان». موضحا أن القوات الأممية سوف تستمر في تقديم الحماية لأكثر من 178 ألفا من المدنيين المقيمين داخل معسكراتها المنتشرة في البلاد، وستعمل من أجل بناء السلام المستدام.
وينتشر ما يناهز 15 ألف جندي من قوة حفظ السلام، وقرابة ألفي شرطي من شرطة الأمم المتحدة، إلى جانب 2800 موظف مدني، و400 من المتطوعين من 55 دولة في العالم، وتعمل البعثة الأممية تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
إلى ذلك، قالت جبهة الخلاص الوطني إنها تصدت لهجوم من قبل الجيش الحكومي على مواقعها في مقاطعتين جنوب جوبا. غير أن المتحدث باسم الجيش نفى وقوع معارك، أو أي هجوم من قواته على مواقع المتمردين.
وقال المتحدث باسم جبهة الخلاص الوطني سوبا صمويل في بيان، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن قوات الجبهة تصدت لهجوم شنته قوة تابعة من الجيش الحكومي، بمساندة ميليشيا محلية على مواقع الجبهة في مقاطعتي «لانيا» و«ندوروبا» في ولاية نهر ياي صباح أمس، مبرزا أن القتال استمر حتى الساعات الأولى من صبيحة أمس بشكل عنيف، وأن قواته كبدت الجيش الحكومي خسائر فادحة في الأرواح والعتاد. لكنه لم يذكر أي تفاصيل وأرقام القتلى أو الجرحى، باستثناء إصابة اثنين من مقاتلي جبهة الخلاص بجراح خلال المواجهات.
وقال صمويل إن هجمات القوات الحكومية تؤكد أن جوبا وضعت استراتيجيتها على هزيمة جبهة الخلاص عسكرياً، حتى تدفعها للقبول باتفاق السلام، الموقع بين الحكومة وعدد من فصائل المعارضة، مبرزا أن هذه الاتفاقية «غير حقيقية ولم تعالج جذور الأزمة، ولذلك رفضنا التوقيع عليها».
من جانبه، نفى المتحدث باسم جيش جنوب السودان لول رواي لـ«الشرق الأوسط» أن تكون القوات الحكومية شنت هجوماً على مواقع تابعة لجبهة الخلاص الوطني، وقال: «نحن ملتزمون ببنود اتفاق وقف العدائيات مع كل الفصائل المسلحة، بما فيها جبهة الخلاص»، مشدداً على أن الجيش الحكومي سيظل في مواقعه، وسيدافع عن نفسه.
وكانت جبهة الخلاص بزعامة الجنرال السابق في الجيش الحكومي توماس سريلو قد رفضت التوقيع على اتفاق السلام في الخامس من سبتمبر (أيلول) الماضي، الذي وقعته الحكومة مع فصائل المعارضة بحضور الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا «الإيقاد»، وأوضحت أن الاتفاق لم يخاطب جذور الصراع في البلاد، وتجاهل قضية الفيدرالية التي تطالب الحركة بإقرارها بصفتها نظاما للحكم في جنوب السودان، ودعت إلى إجراء مفاوضات جديدة بين الجبهة والحكومة قصد التوصل إلى اتفاق يلبي تطلعات شعب البلاد.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».