فيما تواصلت احتجاجات الطلاب وسط العاصمة الجزائرية أمس، دعا قائد الجيش الجزائري الفريق قايد صالح إلى «حوار صريح، يجعل من المطالب الشعبية قاعدة أساسية»، وقال إن «خريطة طريق هذا الحوار ستتجلى معالمها وتتضح أكثر قريبا». وفي غضون ذلك، اتهم محامي مناضل جزائري أمازيغي مشهور السلطات بـ«تعمد قتله»، وذلك على إثر وفاته أمس بالمستشفى متأثرا بمضاعفات صحية، بسبب إضرابه عن الطعام في السجن.
وأبدى قائد الجيش لأول مرة استعدادا لفتح حوار مع نشطاء الحراك، الذين هاجمهم عدة مرات، حيث ذكر أثناء وجوده بمنشأة عسكرية بالصحراء أمس أن «السبيل الوحيد لحل الأزمة، التي تعيشها بلادنا، هو تبني نهج الحوار الجاد والجدي والواقعي والبناء والمتبصر، الذي يضع الجزائر فوق كل اعتبار. فسيادة الحوار تعني استعداد الجميع إلى الاستماع، بل الإصغاء إلى الجميع بكل روية وهدوء، والتزام وتطلع مخلص نحو ضرورة وحتمية إيجاد الحلول المناسبة دون تأخير».
وظهر صالح ليّنا إلى حد ما، قياسا إلى خطابات سابقة كان فيها متشددا وصلبا تجاه مطالب الحراك، وخاصة مطلب تنحية رئيس الدولة ورئيس الوزراء.
والحوار الذي يدعو إليه صالح «يتعين أن تشارك فيه شخصيات ونخب وطنية، تكون وفية للوطن ولمصلحته العليا المقدسة». لكن الضابط العسكري الكبير لم يحدد «معيار الوفاء»، الذي يتم على أساسه تصنيف «الشخصيات والنخب» من المعنيين بدعوته.
وكانت ثلاث شخصيات بارزة، يقودها وزير الخارجية السابق أحمد طالب الإبراهيمي، قد دعت الجيش إلى «حوار مباشر وصريح مع المتظاهرين والأحزاب وقوى المجتمع، التي تدعم الحراك». ويبدو أن صالح استجاب لهذا النداء، بعدما ظل مدة طويلة يرفض أي صوت يطالب بالابتعاد عن الحل الدستوري للأزمة.
وبينما يرفض غالبية الجزائريين، رئاسية الرابع من يوليو (تموز) المقبل، التي يتمسك بها الجيش برغم ضعف احتمال إجرائها، قال صالح إن الحل في منظوره «هو ما يضمن بلوغ إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في أسرع وقت ممكن. أقول في أسرع وقت ممكن بعيدا عن الفترات الانتقالية التي لا تؤتمن عواقبها، فالجزائر لا يمكنها أن تتحمل المزيد من التأخير والمزيد من التسويف». لكن المعارضة تطالب بـ«الفترة الانتقالية»، على اعتبار أن البلاد بحاجة إلى عامين على أقصى تقدير لترتيب «الانتقال الديمقراطي».
من جهة ثانية، قال صالح دبوز، محامي الناشط السياسي الأمازيغي الطبيب كمال الدين فخار، لـ«الشرق الأوسط» إن سلطات غرداية (600 كلم جنوب العاصمة)، نقلته من السجن المحلي إلى مستشفى المدينة منذ أسبوع، وقد كان يعاني من تبعات إضراب عن الطعام، شنه احتجاجا على سجنه.
وأضاف المحامي موضحا «لقد تدهورت حالته لأنه كان أصلا مريضا، ومستشفى غرداية لا يتوفر على الوسائل الضرورية للعلاج. ومع مرور الوقت تعقدت حالته، بينما مسؤولو جهاز القضاء المحلي، الذين كان يحتجزونه، تركوه في تلك الحالة. ولما أشرف على الهلاك قرروا نقله إلى مستشفى البليدة (قرب العاصمة)، حيث كان الوقت فات، ولم يعد ممكنا إنقاذه». وتوفي الناشط الذي يتبع للطائفة الإباضية الدينية فجر أمس.
وتابع المحامي بأن فخار «مات لأنه لم يلق حقه من الرعاية الطبية». مشيرا إلى أنه اعتقل في 31 من مارس (آذار) الماضي بغرداية بعد فترة قصيرة من نشره فيديو، خاض فيه مع صحافي حول المظاهرات الجارية ضد النظام منذ 22 من فبراير (شباط) الماضي. وأكد أن النيابة استجوبته حول اتهامات، عدتها خطيرة بحق القضاة في غرداية، وحول تعامله مع ملفات سجناء سياسيين يناضلون من أجل أفكارهم. وقد سئل في التحقيق عن وصفه القضاء المحلي بـ«نظام الأبارتايد»، وكان ذلك سببا مباشرا في إيداعه الحبس الاحتياطي.
وعرف فخار بنزعته الانفصالية، فقد كان عضوا نشطا في «حركة الحكم الذاتي بمنطقة القبائل»، التي ينطق سكانها بالأمازيغية مثل سكان غرداية. ودخل الفقيد السجن أربع مرات، وتداول ناشطون بالمنصات الرقمية الاجتماعية صور أبنائه الثلاثة، وهم يرفعون قصاصات ورق مكتوب عليها «أطلقوا سراح أبي».
وتشبه قضية فخار إلى حد كبير ظروف وفاة صحافي يدعى محمد تامالت في السجن نهاية 2016، فقد أدانه القضاء بعامين سجنا بسبب سباب وشتائم نشرها بمدونته بحق الرئيس السابق بوتفليقة، وقائد الجيش الحالي الجنرال قايد صالح، وعدة مسؤولين مدنيين وعسكريين. واحتج على سجنه بإضراب عن الطعام كان سببا في وفاته، حسب وزارة العدل. فيما تقول عائلته إنه تعرض للضرب في السجن لإجباره على وقف الإضراب.
وأعرب «مجلس جنيف للحقوق والحريات» (منظمة غير حكومية)، في بيان عن «أسفه الشديد لوفاة الحقوقي والمناضل السياسي الجزائري كمال الدين فخار، بسبب تدهور في حالته الصحية بعد إضراب عن الطعام في السجن».
قائد الجيش الجزائري يتمسك بالانتخابات ويدعو لـ«تنازلات»
وفاة ناشط انفصالي بعد تدهور صحته في السجن
قائد الجيش الجزائري يتمسك بالانتخابات ويدعو لـ«تنازلات»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة