الحياكة مقابل الترميز والغزل مقابل البرمجة في مختبرات الفيزياء

الحياكة مقابل الترميز والغزل مقابل البرمجة في مختبرات الفيزياء
TT

الحياكة مقابل الترميز والغزل مقابل البرمجة في مختبرات الفيزياء

الحياكة مقابل الترميز والغزل مقابل البرمجة في مختبرات الفيزياء

في عشية اجتماع الجمعية الفيزيائية الأميركية السنوي في مارس (آذار) الماضي، عُقدت جلسة «للحياكة» مفعمة بالبهجة والسعادة لمدة ساعة في حانة بهو فندق ويستن بوسطن واترفرونت.
وكانت الدكتورة كارين دانيلز، أستاذة الفيزياء من جامعة نورث كارولينا، قد غردت على حسابها في «تويتر» بإشعار الاجتماع في وقت سابق من ذلك اليوم، إذ قالت متسائلة: «هل أنت من الفيزيائيين المهتمين بالحياكة، أو الكروشيه، أو غير ذلك من فنون الخيوط والألياف؟ إنني شخصياً سوف أقوم بحياكة (الطارة الهندسية)»، وهي الكعكة المصممة رياضياً التي استلهمت كارين تصميمها من رسالة علمية لأحد أصدقائها.
وفي حانة الفندق، وفي وسط طاولة مليئة بكرات الغزل والخيوط، استوعبت الدكتورة كارين دانيلز نصائح التصميم من مجموعة من الحائكين المتمرسين، ومن بينهم إليزابيتا ماتسوموتو، وهي عالمة الرياضيات التطبيقية والفيزياء في معهد جورجيا للتكنولوجيا، والمضيف المشارك للجمع اللطيف.
بالنسبة إلى الدكتورة إليزابيتا ماتسوموتو، فإن الحياكة هي أكثر من مجرد هواية أو حرفة يدوية ذات منافع صحية. فهي تستشرف مشروعاً يستمر قرابة خمس سنوات كاملة، يحمل عنوان «ماهية الشبكة المعقدة التي نحيكها»، وهو من تمويل المؤسسة الوطنية للعلوم، للبحث في الرياضيات والميكانيكا الخاصة بالتكنولوجيا القديمة المعروفة باسم الحياكة.
وبعض من أقدم الأمثلة يرجع تاريخها إلى القرن الحادي عشر قبل الميلاد في مصر القديمة. ولكن على الرغم من أجيال تلو الأجيال من المعرفة العلمية والتجريبية، فإن الخصائص الفيزيائية والرياضية للألياف المنسوجة نادراً ما تخضع للدراسة بطريقة تنتج عنها نماذج قابلة للتنبؤ بشأن سلوكيات هذه الأقمشة والمنسوجات.
تقول الدكتورة إليزابيتا ماتسوموتو إن الحياكة تشبه الترميز، وإن الغزل هو مادة قابلة للبرمجة. والفوائد المحتملة لبحثها تتراوح بين الإلكترونيات القابلة للارتداء إلى السقالات المصنوعة من الأنسجة.
وأثناء اجتماع عُقِد في مقهى بعد انتهاء ساعات العمل، تمكنت من حياكة عينة تحاكي تقنية جراحية تجميلية تسمى «زي بلاستي». وكانت تلك العينة مخصصة لأجل محاضرة سوف تلقيها في الثامنة من صباح اليوم التالي تحت عنوان «التشابكات الطوبولوجية الملتوية». وظهر العشرات من الفيزيائيين، على الرغم من الجلسة الموازية المنافسة التي كانت تدور حول «الميكانيكا المتطرفة للبالونات».
قالت الدكتورة إليزابيتا ماتسوموتو للحاضرين الذين كان أغلبهم من الرجال: «كنت أمارس الحياكة منذ نعومة أظفاري. وكان هذا ما يشغلني للتوافق مع والدتي في مرحلة المراهقة. وكان من أحلامي أن آخذ كل الأشياء التي تعلمتها ولعبت بها عندما كنت طفلة صغيرة وتحويلها إلى شيء علمي حقيقي وصارم».
وكخطوة أولى، أصبح فريقها يعمل على إحصاء جميع الغرز القابلة للحياكة، وأضافت الدكتورة إليزابيتا ماتسوموتو قائلة: «نعلم أن هناك عدداً لانهائيّاً وغير معدود من الغرز. وكيفية تصنيفها هو شغلنا الشاغل في الوقت الراهن».
يسترشد البحث بالتقاليد الرياضية المعروفة لنظرية العقدة. فالعقدة عبارة عن دائرة متشابكة - وهي دائرة مدمجة ضمن تقاطعات لا يمكن حل تشابكها (والدائرة من دون تقاطعات لا يمكن وصفها بالعقدة).
وقالت ماتسوموتو إن «الغرزة المحيكة» هي سلسلة كاملة من الغرز المتتابعة، واحدة تلو الأخرى. وتشكل الصفوف والأعمدة من الغرز المتتابعة نمطاً شبكياً منتظماً للغاية، حيث إنه يضاهي البنية البلورية والمواد البلورية.
وعن طريق نظرية العقدة، تعمل الدكتورة إليزابيتا ماتسوموتو في الأساس على تطوير «نظرية الحياكة»: الأبجدية المرتبة للغرز وحيدة الخلية، وهي مسرد من مجموعات الغرز، وقواعد التنظيم الحاكمة لهندسة وطوبولوجيا الحياكة - حياكة الألياف والأنسجة، أو «المرونة الناشئة».

- خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».