دراسة: جهود مكافحة الإرهاب {تفيد} الدول المتقدمة اقتصادياً

TT

دراسة: جهود مكافحة الإرهاب {تفيد} الدول المتقدمة اقتصادياً

تفترض دراسة جديدة نشرتها دورية «أكسفورد إكونوميك بيبرز» أن عدداً من الدول المتقدمة ربما تجني مكاسب اقتصادية كبيرة من وراء جهودها لمكافحة التهديدات الإرهابية. وعلى النقيض من ذلك، يبدو أن الدول النامية تعاني اقتصادياً بسبب جهود التصدي للإرهاب.
المعروف أن دولاً تجارية كبرى مثل الولايات المتحدة أو تكتلات تجارية مثل الاتحاد الأوروبي تعتبر أهدافاً للتنظيمات الإرهابية. وعادة ما توجد هذه التنظيمات، مثل «القاعدة» و«داعش»، داخل دول نامية تفتقر إلى الموارد اللازمة لردع هذه التنظيمات ومنعها من العمل.
وخلال العقدين الأخيرين، غالباً ما صاحبت هذه الندرة في الموارد آيديولوجيات راديكالية يمكن زرعها بسهولة وسط مجموعات الأفراد التي تشعر بالسخط، وبالتالي تشكل لاحقاً مصادر لتجنيد إرهابيين. ويترتب على ذلك، ظهور بؤر إرهابية في مناطق نائية تصعب السيطرة عليها مثلما الحال في أفغانستان وباكستان والصومال وسوريا واليمن.
وسعياً لحماية نفسها من هجمات مثل هذه التنظيمات، تعمد الدول المستهدفة إلى اتخاذ إجراءات دفاعية للتصدي للإرهاب في الداخل، مما يؤدي إلى تغيير مسار الهجمات بالخارج. بجانب ذلك، يؤدي الإرهاب إلى اضطراب في حركة إنتاج السلع والخدمات داخل الاقتصاد. وتؤثر الاعتبارات الإنتاجية تلك على العرض والطلب العالميين على السلع، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تبدل أنماط التجارة وأسعار الواردات والصادرات.
بالاعتماد على مواردها المحدودة، تستهدف تنظيمات إرهابية كلا النمطين من الدول.
وكلما زادت الجهود الدفاعية لمكافحة الإرهاب من قبل دولة ما، تقلص خطر الإرهاب في داخلها، لكنه ربما يزيد تهديده في دولة أخرى، حيث يعيد الإرهاب توجيه هجماته نحوها. وربما تتخذ مثل هذه الإجراءات الدفاعية شكل تعزيز أمن الحدود وفرض إجراءات مراقبة أكبر.
وتفرض جهود مكافحة الإرهاب قيوداً على إنتاج السلع المصنعة من خلال الطلب على موارد شديدة الصلة ببعضها بعضاً. فالمعروف أن ثمة حاجة إلى أسلحة وكاميرات مراقبة وطائرات مروحية وسيارات شرطة ووسائل اتصال وسلع أخرى مصنعة من أجل ضمان تنفيذ جهود مكافحة إرهاب فاعلة. علاوة على ذلك، تتطلب الإجراءات الدفاعية تشغيل عمالة في صورة حرس وشرطة، الذين يجب أن يحصلوا على معدات لحماية أهداف محتملة وتنسيق عمليات دفاعية.
وتركز الدراسة على التفاعل بين التجارة والإرهاب في ظل تجارة حرة بين دولة متقدمة تصدر سلعاً مصنعة إلى دولة نامية، وتستورد منتجات أساسية منها. تستهدف التنظيمات الإرهابية كلا النمطين من الدول وتقلص هجماتها استجابة للجهود الدفاعية لمكافحة الإرهاب داخل بلد ما. ويؤدي هذا الواقع إلى تعزيز الدولة المتقدمة لجهود مكافحة الإرهاب، وبالتالي يتضاعف تنفيذ الإجراءات. على النقيض، تحد الدول المتقدمة إجراءات مكافحة الإرهاب الدفاعية بسبب تراجع أسعار صادراتها.
وقد درس الباحثون الذين وضعوا الدراسة نموذجاً من الدول المتقدمة (الولايات المتحدة) وآخر من دولة نامية (باكستان) بالنظر إلى سلعتين ـ واحدة مصنعة وأخرى أساسية. تستورد الدولة النامية السلعة المصنعة وتصدر السلعة الأساسية. أما الدولة المتقدمة، فتستورد السلعة الأساسية، وتصدر السلعة المصنعة إلى دول نامية.
وعند اتخاذ قرار بخصوص أي الإجراءات الدفاعية المكافحة للإرهاب يتعين اتخاذها، يجب على الدولة النامية موازنة الخسارة التجارية في مواجهة المكاسب التي ستحصل عليها من وراء احتواء الإرهاب بالداخل. بينما ينطبق النقيض تماماً على الدولة المتقدمة، والتي يسهم خيارها الدفاعي المستقل ليس فقط في تعزيز مواقفها التجارية كدولة مصدرة لسلع مصنعة تتولى هي إنتاجها والتي تصبح بمرور الوقت أغلى سعراً، وإنما كذلك في إعادة تغيير مسار الهجمات المحتملة باتجاه الخارج. وعليه، فإن لدى الدولة المتقدمة حافزاً لزيادة إجراءاتها الدفاعية.
ويعتبر هذا التباين بين هذين النمطين من الدول اكتشافاً جديداً تماماً. وعليه، فإن احتمالات الرفاه العالمية ترتفع إذا ابتليت الدولة النامية بالإرهاب بدرجة أكبر، وبالتالي يصبح توجيهها الأولي للموارد لمجال مكافحة الإرهاب أكبر نسبياً عنه داخل الدولة المتقدمة.
والآن، لننظر إلى الإجراءات الفاعلة بمجال مكافحة الإرهاب والتي تقلص الموارد الإرهابية وعادة ما تعاني من النقص في الدول المستهدفة. الآن، تشعر الدولة المتقدمة بحافز كي تعزز الإجراءات الفاعلة لديها. ونظراً لأنها تنتج وتستفيد من السلع الأمنية المصنعة، فإنها سوف تستفيد من إنتاج المزيد منها. أما الدولة النامية فلديها حافز لتقليص جهودها الفاعلة دون المعيارية.
ومع هذا، يحمل هذا الوضع دلالات مختلفة بالنسبة للرفاه العالمي، ذلك أن الدولة المتقدمة تبذل مزيداً من الجهد لتناول نقص الإمداد بها من أجل تحقيق مكاسب أمنية واقتصادية، مما قد يرفع مستوى الرفاه العالمي.
وعلى المدى الطويل، تؤدي مثل هذه الإجراءات إلى خفض أسعار السلع الأساسية المصدرة. ويسلط هذا التباين بين الإجراءات الفاعلة من جانب الدول المستهدفة، الضوء على كيف أن التجارة تضيف اعتبارات جديدة تؤدي بطريقة ما إلى نتائج أكثر تفاؤلاً على صعيد الرفاه.
وفيما يتعلق بالتداعيات بمجال الرفاه، فإن التباين بين كيفية تحديد الدولة النامية والأخرى المتقدمة لأولوياتها المرتبطة بخيارات مكافحة الإرهاب تتبدل، وذلك مع تحرك الدولة المتقدمة نحو تحسين مستوى كفاءتها. ونظراً لأن الدولة المتقدمة عادة ما تكون المصدر الأساسي للإجراءات الفاعلة بمجال التصدي للإرهاب، من المحتمل أن تؤدي إجراءات مكافحة الإرهاب إلى تأثير تجاري يحسن مؤشرات الرفاه العالمية.
وأوضح تود ساندلر، أحد القائمين على الدراسة أن: «هذه الدراسة تكشف ضرورة تفحص الإرهاب على نحو يأخذ في الاعتبار التداعيات التجارية الدقيقة والمهمة». وقد نشرت الدراسة الموسومة: «شروط التجارة والعوامل الخارجية لمكافحة الإرهاب»، في الدورية التي تصدرها مطبعة جامعة أكسفورد، في الولايات المتحدة الأميركية. ويمكن الاطلاع عليها عبر الرابط الإلكتروني: https:--doi.org-10.1093-oep-gpz037.


مقالات ذات صلة

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
المشرق العربي إردوغان وإلى جانبه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال المباحثات مع بيلنكن مساء الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بلينكن باستمرار العمليات ضد «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا أنها ستتخذ إجراءات وقائية لحماية أمنها القومي ولن تسمح بالإضرار بعمليات التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا. وأعلنت تعيين قائم بالأعمال مؤقت في دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».