في حوار مع أولا كالينيوس المدير التنفيذي الحالي لشركة «مرسيدس بنز»، جرى في دبي في أثناء إدارته للقطاع الرياضي في الشركة، كان تقييمه لمستقبل قيادة السيارات في العالم خلال العقدين المقبلين هو أن السائق سوف يتحول إلى راكب ويخضع لجميع الحدود التي تفرضها عليه التكنولوجيا والقوانين المدنية بحيث تنتهي حريته وتتلاشي خياراته. وأضاف: «استمتع بالقيادة الآن قبل ذلك الوقت الذي سوف تُحرم منها».
ويبدو أن نبوءة كالينيوس تتحقق رويداً رويداً بتقدم تقنيات القيادة الذاتية واستعداد أوروبا لفرض حدود قصوى لسرعة السيارات تماثل السرعات القانونية ولا تتخطاها. ليس هذا فقط بل إن تصنيع السيارات التي تعمل بالديزل والبنزين سوف يتم منعه تماماً على حدود عام 2040 من بعض الدول الأوروبية، وقبل ذلك من دول أخرى.
العوامل البيئية تقف وراء معظم القوانين المضادة لاستخدام سيارات الاحتراق الداخلي بوتيرة تماثل ما كان عليه الوضع خلال القرن العشرين وأول عقدين من هذا القرن. فالانحباس الحراري يهدد بإذابة جليد القطبين خلال 50 عاماً لو استمرت وتيرة حرق الوقود العضوي بالمعدلات الحالية. وهذا يعني ارتفاع منسوب مياه البحر بنحو سبعة أمتار واختفاء مدن بأكملها تحت سطح المياه، ومنها دلتا النيل في مصر.
وعلى الرغم من أن قيادة السيارات ليست المسؤول الأخطر ولا الأكبر عن رفع حرارة البيئة العالمية، فإنها تبدو الهدف السهل لتحجيمها بالضغط على الشركات للتحول إلى وقود بديل مثل الكهرباء وخلايا الوقود أو خفض استهلاك الوقود العضوي بنسب كبيرة عبر الخلط بينه وبين الدفع الكهربائي في صيغة سيارات هايبرد بالشحن الخارجي يمكنها دخول المدن والخروج منها من دون بث أي عادم كربوني.
تحديات المستقبل
وتسلب الحكومات الغربية في الوقت الحاضر حرية السائقين وخياراتهم عبر العديد من الإجراءات التي تفرض على ملكية السيارات أعباء جديدة وتدفع المستهلك إلى البحث عن خيارات أخرى مثل المشاركة في الملكية أو الاستغناء عن السيارات بالمرة. ومن أبرز التحديات التي يواجهها السائق خلال العقدين المقبلين:
• زيادة الضرائب على ملكية السيارات وفرض رسوم إضافية على دخول المدن، مثل لندن، بالسيارات العادية إلى درجة تجعل استعمال السيارة غير الكهربائية داخل المدن عملية غير اقتصادية.
• إصدار الحكومات، ومنها الحكومة البريطانية، قرارات بمنع تصنيع سيارات البترول والديزل العادية بداية من عام 2040 وهناك من يطالب بتقصير هذه المدة إلى 2030، أي بعد عشر سنوات من الآن.
• تشجع الحكومات دخول تقنيات القيادة الذاتية إلى التطبيق العملي بحيث تقود التقنيات الحديثة السيارة التي تتحول إلى مركبة متحركة بركاب يقومون بوظائف أخرى مثل قراءة الصحف أو النوم، ولكن ليس القيادة.
• بعد ثلاث سنوات سوف يطبق بعض الحكومات الأوروبية قراراً بمنع بيع السيارات التي لا تحمل محددات السرعة بحيث لا تزيد على السرعات القانونية القصوى (70 ميلاً في الساعة في بريطانيا) وبذلك ينتهي عملياً عصر السيارات السوبر ذات السرعات اللامحدودة. ويطالب البعض بأن تكون هذه الخطوة اختيارية في السيارات الجديدة.
• تشمل الإجراءات خفض السرعات داخل المدن في المناطق السكنية إلى 20 ميلاً في الساعة بدلاً من 30 ميلاً في الساعة حالياً.
ويرى خبراء أن بعض هذه الإجراءات يحمل معه أخطاراً أعلى خصوصاً أن السيارات القديمة التي لا تطبق السرعة المحددة سوف تختلط في المرور بسيارات جديدة محدودة السرعة، الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من الحوادث. ومع انخفاض السرعة المقترحة على لوحات الطرق السريعة حالياً من 70 إلى 40 ميلاً في الساعة، لأي سبب طارئ، تستمر السيارات الحالية في الانطلاق بسرعة متوسطة بين هذه الحدين. أما السيارات الجديدة التي تطبق حدود السرعة القانونية فسوف تفعّل تشغيل المكابح فجأة للالتزام بسرعة 40 ميلاً في الساعة مما يشكّل خطر الاصطدام من السيارات القديمة خلفها.
يقول الخبراء أيضاً إن من غير العملي تطبيق سرعات قصوى لا تتخطى 20 ميلاً في الساعة داخل المدن خلال ساعات الليل بينما الشوارع شاغرة ولا يضر رفع السرعة حينذاك إلى 30 ميلاً في الساعة. كذلك سوف يكون من الصعب تخطي سيارات بطيئة على الطريق بسرعة محددة سلفاً نظراً إلى خطورة ذلك من السيارات القادمة من الاتجاه المعاكس.
- البدائل
إذا كانت السيارات هي في واقع الأمر وسيلة مواصلات فهي تعد خدمة وليست سلعة في عرف التفكير الجديد لمواصلات المستقبل. ولذلك ينشط العديد من خدمات تأجير السيارات وقت الحاجة إليها. وفي المستقبل سوف يستطيع المستخدم تأجير سيارة بقيادة ذاتية (من غير سائق) عبر تطبيق على الهاتف الجوال بشكل مماثل لاستئجار سيارات «أوبر» حالياً. ويعيد المستخدم السيارة بعد استخدامها من دون تحمل أي من الأعباء التي يتحملها حالياً من دفع ضرائب وتأمين وصيانة ووقود. وفي النهاية تكون المحصلة أن استخدام السيارات بنظام المشاركة سوف يكون أرخص بكثير من شراء سيارة كاملة الملكية وتحمل تكاليفها، وأكبر هذه التكاليف هو تراجع قيمتها بالتقادم.
- البيئة شبه غائبة عربياً... والبعض يطالب باستيراد التلوث!
> تتفاوت درجات الوعي البيئي بين الدول العربية بالتناسب مع أولويات الحكومات والإعلام المتخصص. وفي دول الخليج ودول مثل الأردن ولبنان بلغت درجة الوعي البيئي مرحلة دعت الشركات وموزعيها إلى البدء في استيراد السيارات الهايبرد والكهربائية. كما تدخل الأسواق أحدث نماذج نظيفة تطلقها الشركات بالتزامن مع بقية الأسواق العالمية. ويسهم في ذلك أيضاً وعي المشتري الذي يطلب الأحدث والأنظف، مع تشديد الحكومات على توضيح درجة البث الكربوني من السيارات الجديدة قبل بيعها.
الغريب أن مثل هذه القضية البيئية غائبة في بعض الدول العربية الأخرى. وفي مصر مثلاً التي تعاني فيها القاهرة من أعلى معدلات التلوث العالمية، ما زال الإعلام المحلي مهموماً بخفض أسعار السيارات عبر حملة «خليها تصدي» وأيضاً بمطالبة الحكومة بفتح أبواب استيراد السيارات المستعملة. وفي كلا الحالتين تبدو المساعي الإعلامية كأنها تطالب بالمزيد من التكدس والازدحام المروري في شوارع مكتظة بالفعل بالمرور، والتلوث، طوال ساعات النهار، وبجلب المزيد من السيارات المستعملة التي تبث معدلات أعلى من التلوث. ويبدو هذا الوضع كأنه إغفال تام للوعي البيئي الذي يجب أن يقوده الإعلام المتخصص في الوقت الحاضر.
استمتع بالقيادة الآن قبل أن تُحرم منها
الحفاظ على البيئة يتحكم في مستقبل الصناعة
استمتع بالقيادة الآن قبل أن تُحرم منها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة