جمهورية الدومينيكان... ما بين طبيعة خلابة ومعالم تفوق الـ300

الاستعمار الإسباني منحها نكهة أوروبية... وجغرافيتها وطقسها أغدقا عليها جاذبية

مرفأ سانتو دومينغو
مرفأ سانتو دومينغو
TT

جمهورية الدومينيكان... ما بين طبيعة خلابة ومعالم تفوق الـ300

مرفأ سانتو دومينغو
مرفأ سانتو دومينغو

موقعها الجغرافي بين بورتوريكو وهايتي... تنام بين أحضان البحر الكاريبي بكل ما يعنيه من مياه لازوردية ورمال ذهبية وطبيعة خضراء؛ فـ70 في المائة منها عبارة عن حديقة وطنية مفتوحة. ما يزيد من سحرها أيضاً توفرها على كل عناصر صناعة السياحة المتقدمة كونها ثاني أكبر اقتصاد في منطقة البحر الكاريبي. هذه هي جمهورية الدومينيكان التي لا يتجاوز عدد سكانها 10 ملايين نسمة، لكن توفر طبقاً سياحياً دسماً ومتنوعاً. إلى جانب منتجعات ومزارات تتوفر على كل مظاهر الترف ووسائل الرفاهية، توجد بها أخرى تقدم خدمات مصممة خصيصاً للعائلات وذوي الإمكانات المتوسطة. ومع ذلك من الخطأ الاعتقاد أن شواطئها وسواحلها المترامية هي عناصر جذبها الوحيدة، ففي جميع أرجاء البلاد آثار الإسبان الذين مروا عليها، وأيضاً كهوف تركها هنود «التاينو»، وهم السكان الأصليون الذين عاشوا في هذه المناطق قبل وصول الاستعمار الإسباني إليها.
لهذا إذا كانت النية التعرف على هذا التاريخ والمعالم، فإن زيارة إلى العاصمة، سانتو دومينغو، ضرورية، كونها الوجهة الثقافية والتاريخية الأولى في جميع أنحاء قارة أميركا اللاتينية.
ففي المنطقة الاستعمارية الواقعة في قلبها، أكثر من 300 معلم من المعالم السياحية المدرجة على قوائم اليونيسكو، والمنظمة بعناية فائقة.
وليس هناك أفضل من كتابات الأديب البيروفي ماريو فارغاس يوسا، الحائز على جائزة نوبل في الأدب، تجسيداً وتخليداً لمعالم الجمال والتاريخ في مدينة سانتو دومينغو. ففي روايته «عيد الماعز»، ورغم أنها ركزت على الحقبة الديكتاتورية للحاكم العسكري الأسبق رافائيل تروخيو، يمكن للقارئ أن يتخيل ما تحمله عاصمة جمهورية الدومينيكان من تاريخ وفن وجاذبية. لا يختلف اثنان على أنها من المدن التاريخية العريقة، التي تحتل مكاناً عميقاً في قصة الإنسانية وقارة أميركا اللاتينية بأسرها. فقد كانت أول مدينة يبنيها الإسبان في الأميركتين. كما كانت أول موضع يكتشفه الرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس، بعد رحلة طويلة بدأت من سواحل إشبيلية الإسبانية القديمة، وضيَّع الطريق إلى الهند فيها. واليوم، لا تزال منطقتها التاريخية، التي أُدرجت على مواقع التراث العالمية التابعة لمنظمة «اليونيسكو»، مصونة دونما تغيير لتقف شاهدة على مُخلفات الاستعمار الإسباني للبلاد. وربما هذا أول ما سيثير انتباه السائح إلى المدينة: تلك المباني القديمة بهندستها المميزة والشوارع المرصوفة بالحجارة التي تشكل بيئة من التناقضات والألوان على لوحة تشع زُرقة البحر على خلفيتها. ونظراً لجمالها، تم تقليدها في كثير من المدن الأخرى المطلة على البحر الكاريبي.
للمشي عبر شوارعها وأزقتها الضيقة القديمة نكهة خاصة، تعطي السائح إحساساً وكأنه انتقل إلى زمن غابر. فالحي الواقع في قلب المدينة مثلاً يتألف من قصور وساحات وميادين متعددة، من بينها كاتدرائية سانتو دومينغو، أول كاتدرائية تُبنى في قارة أميركا اللاتينية، في عام 1514. هناك أيضاً حديقة «كولون بارك»، التي أُنشِئَت تكريماً لمكتشف قارة أميركا اللاتينية، وعدد من المتاحف التي تتيح للزائر تقدير فنون العمارة الهندسية للعصور القديمة، وأنماط الحياة التي كان يعيشها الإسبان.
ولا يمكن الحديث عن المباني المميزة في المدينة من دون ذكر متحف «ألكازار دي كولون»، المبني على الطراز الإسباني أيضاً، وكان محل إقامة دييغو، نجل كولون. تم بناؤه بين عامي 1510 و1514 على مساحة شاسعة من المناظر الطبيعة الخلابة، ويضم مبناه 55 غرفة و72 باباً ونافذة. أما بالنسبة للقلاع، فحدِّث بلا حرج. فهي بأعداد كثيرة، ومن أشهرها قلعة أوزاما، وهي من أقدم قلاع القارة، بتاريخ يعود إلى القرن السادس عشر. أهميتها تنبع من أنها لعبت دوراً كبيراً في الدفاع عن مدينة سانتو دومينغو ضد القراصنة.
ومع تطور صناعة السياحة في البلاد، أصبح من الممكن اليوم الإقامة في القصور التي كان يعيش فيها المستعمر الإسباني القديم. وتوفر المنطقة التاريخية مجموعة مهمة ومتنوعة من هذه القصور التي تحولت إلى الفنادق الفاخرة، يمكن النوم فيها بين أحضان التاريخ. لكن التنوع المناخي والجغرافي يجعلك غير مضطر للبقاء في المدينة طوال الوقت؛ فسانت دومينيكان تحتوي على طبيعة وشواطئ لا يضاهي تنوعها سوى أنشطتها، التي تشمل جولات بواسطة الطائرات المروحية تأخذك من مكان إلى آخر، إذا لم يكن الوقت يسمح أو فقط الاستجمام في منتجعاتها الشاطئية. ومهما كانت الزيارة قصيرة، فلا بد من زيارة بلدة بونتا كانا، الواقعة على أقصى الطرف الشرقي لجمهورية الدومينيكان وتربط البحر الكاريبي بالمحيط الأطلنطي؛ فهي تحتضن بعض أشهر الشواطئ في منطقة بحر الكاريبي، وتتميز بالرمال البيضاء الناصعة والمياه الكريستالية الزرقاء، وبطبيعة الحال، الحرارة المرتفعة التي تميز المناطق الاستوائية.
وهذا الشاطئ هو الوجهة البحرية الرئيسية في المنطقة بأكملها. ويمكن هنا ممارسة كل الرياضات المائية من ركوب الأمواج إلى الغوص، وغيرها. وتُعد هذه المنطقة الساحلية من الأماكن المنعزلة في البلاد، ولكن يمكن للزائر الذهاب انطلاقاً منها إلى جزر أخرى أو إلى «دولفين أيلاند بارك»، حيث يمكن التواصل مع مختلف الحيوانات البحرية، أو إلى «ماناتي بارك» التي تضم مجموعة هائلة ومتنوعة من الطيور والزواحف الاستوائية. تتوفر حالياً رحلاً جوية مباشرة إلى «بونتا كانا» من مختلف البلدان في أوروبا.
ملاعب الغولف تعتبر هي الأخرى من عناصر الجذب في جمهورية الدومينيكان. فهي تحتل المركز الأول على مستوى القارة لرياضة الغولف في منطقة البحر الكاريبي، إذ يوجد بها 26 ملعباً أشرف على تصميمها وبنائها أفضل المهندسين العالميين. لهذا ليس غريبا أن تدرج كثير من الشركات السياحية رياضة الغولف ضمن برامجها.
أما في شبه جزيرة سامانا، الواقعة شمال شرقي البلاد، فمن الصعب تفويت أجمل ما تقدمه الطبيعة من مناظر للكائنات الحية بالبلد. فما بين شهري يناير (كانون الثاني) ومارس، يأتي أفضل موسم لمشاهدة ما يقرب من 2000 حوت من الحيتان الحدباء، وهي تسافر من شمال المحيط الأطلسي، أو من كندا أو من الولايات المتحدة، إلى بحر الكاريبي لتضع صغارها في مياهها الدافئة. وليس من المبالغة القول إنه من المشاهد التي تشد الأنفاس. ويتوفر حالياً ما يُسمى بمأوى الحيتان الحدباء المخصص لرؤية تلك المخلوقات من على متن قارب صغير، وهو ما يُتيح للزوار مشاهدة فريدة للحيتان الحدباء وصغارها حديثة الولادة التي يمكن أن يتراوح طولها بين 3 إلى 5 أمتار، وهي تقفز وتلعب. ويضمن المرشدون السياحيون هناك استمتاع السياح بهذه المناظر الطبيعية مع احترام كامل لمساحة تحرك تحمي هذه الكائنات.
أما إذا كان أقصى ما تطمح إليه عطلة تتواصل فيها بالطبيعة مع قليل من المغامرة، فإن زيارة «بيكو دوراتي»، هي عز الطلب. فـ«بيكو دوراتي» هو أعلى جبل في منطقة البحر الكاريبي، بارتفاع يبلغ 3087 متراً فوق سطح البحر، ويقع بين حديقتين وطنيتين. وتوجد به مسارات مختلفة للمشي والتنزه، يستمر أسرع مسار فيها ليومين كاملين مع إمكانية التخييم بين الغابات.
- نكهة البلانتين اللذيذة
> جميع الوجبات وفي جميع الأوقات تأتي مصحوبة بالبلانتين الأخضر (أو الموز المخصص للطهي). ويؤكل البلانتين بمختلف التحضيرات، مثل القلي، ولكن المفضل منه هو المهروس مع الجبن. وهو بسيط في إعداده، ورائع في طعمه، ووصفة تحضيره تناقلتها الأجيال في تلك البلاد وتستحق التجربة.
فالجميل في الدومينيكان أنها مزيج من ثقافات مختلفة وهو ما ينعكس على مطبخها، فالوجبات المحلية بسيطة للغاية، وعضوية أيضاً، تعتمد على الفواكه والخضراوات فضلاً عن المأكولات البحرية.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».