الممثلة إيما ستون: نجاح «سبايدر مان» ساعد مهنتي كثيرا و«بيردمان» غيرها تماما

حضرت عرض فيلمها في مهرجان فينيسيا السينمائي

إيما ستون  -  إيما ستون بين مخرج «بيردمان» أليخاندرو إيناريتو والممثل إدوارد نورتون.
إيما ستون - إيما ستون بين مخرج «بيردمان» أليخاندرو إيناريتو والممثل إدوارد نورتون.
TT

الممثلة إيما ستون: نجاح «سبايدر مان» ساعد مهنتي كثيرا و«بيردمان» غيرها تماما

إيما ستون  -  إيما ستون بين مخرج «بيردمان» أليخاندرو إيناريتو والممثل إدوارد نورتون.
إيما ستون - إيما ستون بين مخرج «بيردمان» أليخاندرو إيناريتو والممثل إدوارد نورتون.

حطت الممثلة إيما ستون لثلاثة أيام مع فريق فيلم «بيردمان» الذي تكون من زملائها إدوارد نورتون ومايكل كيتون وناومي ووتس والمخرج أليخاندرو غونزاليس أناريتو. وبعد أن حضروا الافتتاح أموا المؤتمر الصحافي وأجرى كل منهم بعض المقابلات بعد أن التقوا بأعضاء جمعية الصحافيين الأجانب في هوليوود، في سهرة استمرت لبضع ساعات. في نهاية هذا الأسبوع سيتوجه فريق الفيلم إلى تورنتو حيث يعتقد أن الفيلم سيسجل حضورا كبيرا تتلقفه الصحافة الأميركية مما يساعده على تحقيق نجاح جماهيري أيضا هو بحاجة إليه.
إيما ستون، ابنة السادسة والعشرين أنجزت الكثير من الأفلام في فترة قصيرة نسبيا. بعد عامين من العمل في التلفزيون، التحقت بركب السينما 2007 وأنجزت حتى الآن، أي في أقل من 10 سنوات، 21 دورا من بينها «زومبيلاند» (2009) و«المساعدة» (2001) و«سبايدر مان المذهل» (2012) ومثلت بصوتها في الفيلم الكرتوني «ذ كرودز» (2013) ثم عادت إلى جزء ثان من «سبايدر مان» قبل أن تؤدي شخصية ابنة مايكل كيتون التي تنظر إلى والدها بقلق رغم العلاقة الصعبة بينهما.
«الشرق الأوسط» التقت النجمة الشابة ودار معها الحوار التالي:
* تؤدين في «بيردمان» دور ابنة مايكل كيتون.. الطريقة الوحيدة لكي تمثلي فيها أمام هذا الممثل الجيد؟
- (تضحك) تستطيع أن تقول ذلك. إنه سبب مهم ولكن يجب أن أقول إنه ليس السبب الوحيد (يتدخل كيتون الجالس على مقربة ويقول: سمعت ذلك … I heard that)
* هل أستطيع أن أقول إنك تابعت أفلامه السابقة وبالتالي فإن السؤال هو ما الشعور الذي انتابك حين علمت أنك ستمثلين أمامه؟
- بالتأكيد شاهدت أفلامه التي قام بها في مراحل متعددة. شاهدت «باتمان» على الأخص واعتقدت منذ البداية أنه قدم لونا من تلك الشخصية لم يقدمها أحد سواه. من الصعب التمثيل تحت قناع، لكنه فعل.
* هل كنت تشاهدين الأفلام وأنت في مطلع سنوات الشباب؟
- كانت حياتي العائلية هادئة. والداي شجعاني على الاتجاه للتمثيل منذ أن أدركا أنني متعلقة بحلم أن أصبح ممثلة. مثل شخصيتي في فيلم «آل كرودز» (The Croods) ولا أدري إذا شاهدته، كنت أقرر خطواتي تبعا لأحلامي وليس لأي سبب آخر. كنت أشاهد الأفلام كثيرا وكنت أتحيز للتمثيل. أظن أنني شاهدت الأفلام من زوايا التمثيل وليس من زوايا القصة أو الكتابة أو الترفيه مثلا. نعم كنت أشاهد السينما منذ صغري وأحببت التمثيل بسبب ذلك.
* هناك شيء تفصيلي دقيق في دورك هنا: أنت تحبين والدك في هذا الفيلم وفي الوقت ذاته تختلفين معه، ثم هناك ذلك الممثل الآخر، إدوارد نورتون، الذي تختلفين وإياه أولا ثم يشملكما نوع من التقارب. هل طلب منك أن تدرسي هذه الناحية وتتصرفين أداء على أساس تحليلها مثلا؟
- السيناريو المكتوب لهذا الفيلم هو سبب الأساسي الذي من أجله أحببت جدا العمل فيه. في الواقع هو فيلم مايكل (كيتون) بالكامل لكن السيناريو في اعتقادي يولي نفس الاهتمام لكل الشخصيات الأخرى المحيطة به. الناحية التي تذكرها كانت واضحة كخط سرد في الفيلم، لكني لاحظت بالفعل أن شخصيتي هي لفتاة ما زالت في طور التطور اجتماعيا وعاطفيا. الذي أعجبني كثيرا أيضا هو أنها صادقة جدا مع نفسها وفي الوقت ذاته هي نوع من الذي يدرس الطباع ولديها فكرة عما يمر به والدها لذلك هي قريبة منه رغم اختلافهما في المواقف. كانت شخصية مثيرة جدا بالنسبة إلي لم أمثل مثلها من قبل.
* اسمها سام.. وهي اسم شخصية لم تمثليها من قبل أيضا.
- (تضحك) لا أعتقد أنني فعلت. معك حق.
* هناك شيء أليف حول المكان نفسه.. المسرح وشخصياته. هل وجدت أن الفيلم يغازل حبك للمسرح على نحو ما؟ هل أيقظ عندك الرغبة في العودة إليه؟
- المكان الذي صورنا فيه كان كبيرا. وصورنا في جزء محدد منه. لكنه كان كافيا لأن يظهر ذلك الانتماء إلى المسرح.. أليس كذلك؟ اعتقدت حين شاهدت الفيلم هنا لأول مرة أنني أشتم رائحة الخشب القديم والهواء المضغوط. نعم هناك ألفة تنبع بين جدران الكواليس. وتعلم شيئا؟ كوني في الفيلم لست ممثلة بل الفتاة التي تعمل وراء الكواليس فتح أمامي الباب على الجانب الآخر من العمل في المسرح. (المخرج أليخاندرو (إيناريتو) رسم الصورة كاملة في اعتقادي في ذلك السيناريو.
* ذكرت قبل قليل فيلم الأنيميشن السابق «ذ كرودز» الذي أفهم الآن أنك سوف تعودين لهذا الدور في جزء ثان؟ كيف يختلف التمثيل لفيلم أنيميشن عن فيلم حي؟
- من ناحية هما متشابهان جدا. التمثيل للأنيميشين والتمثيل لفيلم حي يتشابها في أن الخطوات لتنفيذ كل منهما هي واحدة. ونحن نؤدي الشخصيات في كلتا الحالتين على الأساس نفسه. أقصد أن هناك قدرا من التمثيل في أفلام الرسوم ولو أن المشاهد لا يرى الممثل وهو يؤدي. لأنه من غير المطلوب أن يقرأ الممثل الحوار أمامه بل عليه أن يؤديه تماما كالأفلام الحية. المختلف هو التحضير. الدراما فيها تحضير مختلف تماما لأن وجودك على الشاشة عليه أن يملأ تاريخ الشخصية وسلوكها الفعلي أيضا.
* هل أثر فيلم «سبايدر مان» الأول الذي قدمك في شخصية الفتاة التي تحب سبايدر مان إيجابيا في مسيرتك؟
أعتقد أن الجواب هو نعم إلى حد كبير. في الكثير من الحالات تجد أن الممثل يستفيد من فيلم تجاري ناجح خصوصا في مطلع سنوات مهنته. تقدمه إلى الجمهور الواسع الذي قد لا يقبل على أفلامه الأخرى. نجاح ذلك الفيلم ونجاح الجزء الثاني أيضا ساعد مهنتي بحيث إنني بت أمتلك فرصا لم تكن معروضة علي من قبل.
* ماذا عن «بيردمان». كيف تشعرين حيال الاستقبال الكبير الذي حظي به هنا؟
- أوه.. أنا سعيدة جدا. لا تتصور مقدار سعادتي أنني جزء صغير من هذا المشروع. قلت لك أن سبايدر مان ساعد مهنتي كثيرا. لكني أعتقد أن «بيردمان» غير مفهومي للفن. بت أكثر طموحا. هذا من الصعب شرحه لكني أريد في المستقبل أن أمثل دورا أول فيه مثل هذا الثراء النفسي وفيه مثل هذه الدراما المعقدة.
* كنت بدأت تلفزيونيا هل ساعدك ذلك على نحو معين؟
- لا أستطيع أن أقول إنه ساعدني في الانتقال إلى التمثيل في السينما، لأن ما حدث هو أنني عملت لعامين فقط في حلقات تلفزيونية (عام 2005) ثم ساعدني وكيل أعمالي في إيجاد الفرصة التي أنتظرها على الشاشة الكبيرة (سنة 2007). لكن ربما ساعدتني تلك التجربة بالانضباط. تستطيع أن تعتبريها تدريبا.
* ظهرت في فيلم جديد آخر هذه المرة مع وودي ألن هو «سحر في ضوء القمر»… كيف كانت هذه التجربة بالنسبة إليك؟
- أحببتها لأنها المرة الأولى التي أمثل فيها في فيلم من إخراج وودي والمرة الأولى التي التقي فيها مع ممثلين وممثلات كثيرين انغمسنا جميعا في العمل كما لو كنا في خلية نحل. كنا جميعا مشغولين في المشاركة في عمل واحد وأنت تعرف أفلام وودي وكيف يكتبها.. هناك شيء خاص لكل شخصية وشخصياته كثيرة. وبيننا كنت أتوق لأن ألعب دورا كوميديا.. وفعلت.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)