غطاء الرأس من «غوتشي» يُثير غضب السّيخ

اعتبروه قطعة مهينة لمعتقداتهم

غطاء الرأس من غوتشي (غيتي)
غطاء الرأس من غوتشي (غيتي)
TT

غطاء الرأس من «غوتشي» يُثير غضب السّيخ

غطاء الرأس من غوتشي (غيتي)
غطاء الرأس من غوتشي (غيتي)

تعرّضت دار أزياء «غوتشي» لانتقادات بسبب بيعها غطاء رأس يشبه العمامة، وتزايدت حدّة الهجوم على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اتُّهم مستخدمو دار الأزياء الإيطالية بخدش المشاعر الدّينية لأتباع الطائفة «السّيخيّة»، والتقليل من احترامهم. ولفتت القطعة، التي حملت اسم «إندي فول توربان» أو «عمامة إندي الكاملة»، انتباه المنتقدين حين ظهرت على موقع «نوردستروم» الأميركي للبيع الإلكتروني بالتجزئة بسعر 790 جنيها إسترلينيا، مما دفع ائتلاف السّيخ إلى الكتابة على موقع «تويتر» أنّ العمامة «ليست مجرد جزء من زي، لكنّها معتقد ورمز ديني مقدس». حسب ما جاء في «الغارديان» البريطانية.
وذكرت صحيفة «ويمنز وير دايلي» اليومية، التي تعمل في مجال الأزياء، أنّ موقع التجزئة المذكور قد غير اسم المنتج إلى «إندي فول هيد راب»، على الرّغم من أنّ الإعلان عنه حاليا يجري باسم «فول هيد راب» فقط، ويشير الموقع إلى نفاد جميع القطع من المنتج. واعتذر موقع «نوردستورم» على موقع «تويتر»، وطالب ائتلاف السّيخ «غوتشي» بالقيام بالمثل، وقد جرى الاتصال بدار أزياء «غوتشي»، لكنّها لم تعلق بعد على الأمر.
العمامة، التي ظهرت للمرة الأولى في فبراير (شباط) 2018، من المجموعة الجديدة التي تضم أيضا قميص بولو ذا الرقبة، ويبلغ سعره 689 جنيها إسترلينيا، الذي سحبته الدار من الأسواق بعدما وردت شكاوى من أنّه يشير إلى وجه أسود. واعتذر أليساندرو ميشيل، مدير الإبداع لاحقًا، وصرح للصّحافيين قائلا: «سأتعلم شيئا من حزني وأسفي. سنتعلم درسا وستقدّم هذه الشركة المنتجات بشكل مختلف». من جانبه، قال ماركو بيزاري، الرئيس التنفيذي لـ«غوتشي» إنّ ذلك الخطأ قد وقع «بسبب جهل ثقافي، لكنّ الجهل ليس عذرا».
ولا تعد دار «غوتشي» للأزياء ولا موقع «نوردستروم» وحدهما من يبيعان العمامات، فقد قدّمت دور الأزياء الفاخرة، ومن بينها «ميسوني» و«آنا سوي»، و«فالنتينو» و«جوليا كلانسي»، قطعا تغطّي الرأس تشبه العمامات، وتتوافر حاليا لدى منصات بيع بالتجزئة على الإنترنت.
السبب وراء الغضب الذي أثارته نسخة «غوتشي» من العمامة، حسب سوخجيفان سينغ، متحدث باسم مجلس السّيخ في المملكة المتحدة، هو أنّها تشبه بشكل كبير العمامات العادية التي يرتديها أفراد الطائفة. وأوضح: «ما يجعل هذه الحالة مختلفة هو أن هذه العمامة تبدو تقليدا مماثلا للعمامة الأصلية. إن متاجرة دار (غوتشي) بالعمامة أمر يحمل قدرا كبيرا من الإهانة والانتقاص من قدر الطائفة، فهي تمثّل كرامتنا وشرفنا».
ويعود تبني مجال الأزياء الفاخرة للعمامة إلى عام 1955 عندما أضافها كريستيان ديور إلى إحدى مجموعاته. وارتبطت شخصيات شهيرة أنيقة مثل الأميرة مارغريت، وإليزابيث تايلور، وجوان كولينز، بالعمامة خلال العقود التالية رغم منع أفراد طائفة السّيخ حق ارتدائها في أماكن العمل إلّا بعد إقرار قانون التوظيف في المملكة المتحدة عام 1989.
وأضاف سينغ: «طائفة السيخ الدينية منفتحة للغاية. لقد رأيت أغطية رأس أخرى أو أوشحة رأس مطوية بطريقة لا تجعلها تبدو مثل عمامة السّيخ. لو وُضعت تلك الحساسية الثّقافية في الاعتبار من جانب (غوتشي)، لا أعتقد أنّ تلك المسألة كانت لتثير هذا الغضب العارم، لأن هذا لم يحدث في الماضي». وتابع أنّه يأمل حقا في ألّا يكون ذلك مقصودا. وبالتالي فهو يرحب بأي تصريح من «غوتشي» يوضح موقفها. وأضاف قائلا: «نظرا لأنّها دار أزياء كبرى وناضجة، يحدوني الأمل في أن تُقدّم نوعا من الاعتذار».
وتأتي تلك الواقعة، التي حدثت خلال الأسبوع الحالي، وسط تزايد الاتّهامات الموجهة إلى صناعة الأزياء بالاقتباس الثّقافي، وعدم مراعاة الجوانب الثّقافية. وكانت دار أزياء «دولتشي آند غابانا» قد ألغت عرض أزياء لها في شنغهاي في نوفمبر (تشرين الثاني) خلال العام الماضي، بعدما تلقّت اتهامات بتبني نهج عنصري في التسويق للفعاليّة. وفي ديسمبر (كانون الأول) سحبت دار الأزياء الإيطالية «برادا» مجموعة من سلاسل المفاتيح بدت شبيهة بالقرود السوداء ذات الشفاه المطلية باللون الأحمر بشكل مبالغ فيه، بسبب مخاوف من إشارتها إلى أصحاب البشرة السّوداء. وبعد أسابيع أعلنت عن إنشائها لمجلس استشاري «من أجل توجيه عملها فيما يتعلّق بالتنوع والدّمج والثّقافة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».