معسكر غوانتانامو المتهاوي يتحدى خطط غلقه

70 سجينا «خطرا» رفض الكونغرس نقلهم إلى سجن داخل الولايات المتحدة

محتجزان في معسكر غوانتانامو يتبادلان الحديث عبر الأسلاك الشائكة (نيويورك تايمز)
محتجزان في معسكر غوانتانامو يتبادلان الحديث عبر الأسلاك الشائكة (نيويورك تايمز)
TT

معسكر غوانتانامو المتهاوي يتحدى خطط غلقه

محتجزان في معسكر غوانتانامو يتبادلان الحديث عبر الأسلاك الشائكة (نيويورك تايمز)
محتجزان في معسكر غوانتانامو يتبادلان الحديث عبر الأسلاك الشائكة (نيويورك تايمز)

بعد ظهيرة أحد الأيام في الشهر الماضي، وصلت طائرة عسكرية طراز بوينغ c - 17 إلى القاعدة البحرية في غوانتانامو. كانت تنتظر نقل ستة من السجناء غير الخطرين إلى حياة جديد في أوروغواي بعد 12 عاما من السجن.
قبل أيام من ذلك اتصل نائب الرئيس جوزيف بايدن برئيس أوروغواي جوزيه موخيكا ليلح عليه من أجل إعادة توطين الرجال. وكان الرئيس الأجنبي قد عرض استقبال السجناء في يناير (كانون الثاني) الماضي، ولكن عندما أصبحت الولايات المتحدة مستعدة لنقلهم في الصيف الحالي، أعرب موخيكا عن قلقه من أن تنفيذ هذا الإجراء سوف يحمل خطورة سياسية بسبب اقتراب موعد الانتخابات في بلاده، وفقا لما صرح به مسؤولون في إدارة أوباما.
بعد أربعة أيام من المفاوضات بين الحكومتين كانت فيها الطائرة على مدرج الإقلاع، غادرت بوينغ c - 17 من دون ركابها المقصودين.
وعلى الرغم من أن الرئيس أوباما تعهد في العام الماضي بإحياء جهوده الرامية إلى غلق غوانتانامو، فإن الإدارة الأميركية لم تستطع سوى الإفراج عن سجين واحد فقط غير خطر في العام الحالي، وتبقى 79 سجينا جرت الموافقة على نقلهم إلى دول أخرى. كما لم تستطع الإدارة إقناع الكونغرس برفع حظره على نقل المحتجزين الأكثر خطورة ويبلغ عددهم 70 سجينا إلى سجن داخل الولايات المتحدة.
يقول الجنرال جون إف كيلي، رئيس القيادة الجنوبية في الجيش الأميركي، والتي تشرف على قوة العمل المشتركة في غوانتانامو: «لا يزال وقت إغلاقه بعيدا. من الواضح أن الرئيس يبذل جهدا كبيرا، حيث يحاول المسؤولون إقناع الدول باستقبال السجناء، ولكن في النهاية، سوف يتطلب الأمر تدخل الكونغرس» لإلغاء الحظر على نقلهم.
بعد مرور أكثر من 12 عاما على إرسال إدارة بوش أول سجين إلى غوانتانامو، تتزايد التوترات حول ما إن كان أوباما سيتمكن من غلق السجن قبل أن يترك منصبه، وفقا لحوارات مع عشرات المسؤولين في الإدارة والكونغرس والجيش الأميركي. بدأ الانقسام في الظهور بين مسؤولي وزارة الخارجية، الذين يبدون متحمسين من أجل تحقيق هدف أوباما، وبعض مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية الذين يقولون إنهم يشاركونهم طموحهم ولكنهم أكثر قلقا فيما يتعلق بالإفراج عن محتجزين أقل خطورة.
من جانب آخر، تتزايد الضغوط القانونية حيث توشك الحرب في أفغانستان على الانتهاء رسميا، ويزداد عدم الارتياح داخل السلطة القضائية تجاه ممارسات الجيش بالإطعام القسري للسجناء المضربين عن الطعام. أما المسؤولون العسكريون في السجن، والذين يواجهون بنية تحتية منهارة وسجناء في سن كبيرة، فيتخذون خطوات يقولون إنها ضرورية من أجل استمرار تشغيل غوانتانامو، ولكنها أيضا تساعد على إضفاء طابع مؤسسي عليه.
بدأت أجزاء المستعمرة العقابية، التي كانت الهدف منها إيواء المساجين لفترة مؤقتة، في التآكل. تقع الوحدة التي تضم أسوأ المحتجزين المشهورين على أرض غير مستقرة، وسوف تحتاج إلى إحلال لها إذا تقرر استخدامها لأجل طويل. وفي المبنى الذي يحتوي على المطبخ، ترتفع درجة الحرارة إلى 110 درجات فهرنهايت في منتصف النهار، كما تآكلت الدعامات الحديدية، ويجب على العمال تغطية السلع المخزنة بأغطية بلاستيكية أثناء العواصف بسبب ترسب المياه عبر السقف. وفي المكان المخصص للقوات، يجب على كل ستة حراس الإقامة في كشك صغير ليس به تهوية مناسبة أو دورات مياه ملحقة.
كما أثارت جودة المنشآت الطبية المخاوف، نظرا لأن الكونغرس يمنع إرسال حتى السجناء الذين يعانون من حالات مرضية حرجة إلى الولايات المتحدة. وبعد أن رفضت دول أميركا اللاتينية استقبال أحد المحتجزين إذا ظهرت حالة طارئة، توصل محامو البنتاغون إلى أنه من القانوني عدم نقل سجين من أجل الحصول على رعاية طبية عاجلة، وفقا لوثيقة داخلية في البنتاغون، حصلت عليها «نيويورك تايمز» في قضية حرية المعلومات.
ومن أجل الاستعداد بطريقة أفضل لوقوع أي أزمة طبية، أصدر الجيش الأميركي أوامره إلى أطباء متخصصين بالاستعداد للسفر بالمعدات على الفور إلى غوانتانامو عند استدعائهم. ولكن تظل هناك حدود لما يستطيع الفريق الطبي فعله من دون وجود معدات المستشفيات المعقدة.
ويطالب أوباما بغلق غوانتانامو بسبب ارتفاع تكاليف تشغيله، التي تصل إلى 3 ملايين دولار سنويا لكل سجين، وبسبب تعريضه الأمن القومي للخطر، كما أنه أصبح رمزا لكراهية الولايات المتحدة لما يشير إليه من عمليات تعذيب وانتهاكات ضد السجناء. وقد استغل متطرفو داعش، الذين قتلوا صحافيا أميركيا في سوريا في الشهر الماضي، هذه المشاعر بإجباره على ارتداء زي برتقالي اللون يشبه ذلك الذي يرتديه محتجزو غوانتانامو. وتؤكد إدارة أوباما على أن عمليات النقل إلى أوروغواي سوف تتم بعد إجراء الانتخابات، كما صرح مسؤولون مطّلعون على سير العملية بأنه قد يجري الإفراج عن 14 سجينا آخر مع نهاية العام الحالي إذا جرت الموافقة على ذلك. ولكن أضاف بعضهم أن السرعة ضرورية.
وقال كليف سلوان، مبعوث وزارة الخارجية المختص بعملية نقل السجناء: «كل شهر يمر يحدث فارقا. الفترة من اللحظة الراهنة وحتى نهاية العام لها أهمية بالغة، حيث إن الطريق إلى غلق المكان يتطلب تحقيق تقدم كبير في نقل السجناء من غوانتانامو».
جدير بالذكر أن منشآت السجن المقامة في هذه المنطقة القاسية شهدت توسعا على الرغم من انخفاض عدد المحتجزين. في عام 2003، كان 680 سجينا يقبعون في زنازين «معسكر دلتا»، وهو مجمع مترامي الأطراف يحتوي على ثلاث وحدات من الزنازين في الهواء الطلق، ومساحة أخرى من الزنازين الجماعية.
واليوم يقبع 149 سجينا متبقيا في مبان جديدة، بينما يظل «معسكر دلتا» خاليا. وفي الشمال، يوجد المجمع الأصلي، «معسكر إكس - راي»، الذي يحتوي على أقفاص تشبه بيوت الحيوانات والتي كانت تستخدم لمدة أربعة أشهر في عام 2002، أثناء بناء معسكر دلتا - وهو سجن أشباح، تسكنه الفئران والقوارض الاستوائية في حجم الأبوسوم.
*خدمة «نيويورك تايمز»



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.