السيناتورة غيليبراند: زملائي «عاكسوني» داخل الكونغرس

كتابها يثير ضجة في مجلس النواب الأميركي ووسائل الإعلام

السيناتورة كريستين غيليبراند (غيتي).. وفي الاطار غلاف الكتاب
السيناتورة كريستين غيليبراند (غيتي).. وفي الاطار غلاف الكتاب
TT

السيناتورة غيليبراند: زملائي «عاكسوني» داخل الكونغرس

السيناتورة كريستين غيليبراند (غيتي).. وفي الاطار غلاف الكتاب
السيناتورة كريستين غيليبراند (غيتي).. وفي الاطار غلاف الكتاب

تصدر، في الأسبوع المقبل، السيناتورة كريستين غيليبراند (ديمقراطية من ولاية نيويورك) كتاب «أوف سايدلاينز» (بعيدا عن الخطوط الأمامية: ارفعي صوتك، وغيري العالم). الكتاب أثار ضجة قبل صدوره، بسبب ما جاء فيه عن «تحرشات جنسية» داخل الكونغرس.
في الكتاب، قالت السيناتورة إن «سكشوال هاراسمنت» (إحراج، أو معاكسة، جنسية) لا يجب أن تستخدم فقط لوصف الاعتداء الجنسي، أو حتى اللمس، بل يمكن أن ينطبق الوصف على الكلام. هذه مقاييس متفق عليها (ربما وسط كل النساء، ووسط بعض الرجال). لكن، أضافت السيناتور، أن بعض كلمات «الغزل» يمكن أن تكون كلمات «معاكسة».
من بين الأمثلة التي ذكرتها أن أكثر من عضو من أعضاء الكونغرس، خاصة زملاءها السيناتورات في مجلس الشيوخ، علقوا على وزنها (هي بدينة قليلا). غير أن الصورة التي وضعتها على غلاف الكتاب لا توضح أنها بدينة. كما وضعت صورة في داخل الكتاب لها عندما كانت صبية، وتبدو فيها ممتلئة بعض الشيء. قالت في الكتاب، إن من بين العبارات التي سمعتها من زملائها.. أولا: «أنت جميلة حتى إذا كان وزنك كبيرا». أو «اخشي أن تصبحي مثل الخنزير إذا لم تسيطري على وزنك»، و«زوجتي تميل نحو البدانة، وأنا أحب النساء البدينات»، «لا بأس من البدانة في أجزاء معينة من جسم المرأة».
في الكتاب، لم تسمِّ السيناتور أي أسماء لكن، كالعادة في مثل هذه الحالات (صدور كتاب في واشنطن من سياسي أو سياسية عن بقية السياسيين والسياسيات) يكثر الذين يتحدثون مع طلب عدم الإشارة إلى أسمائهم.
قال واحد: «لماذا تعتقد السيناتورة أن مثل هذه العبارات إساءة؟ ألا يمكن أن تكون إعجابا؟»، وقال آخر: «الرجال من المريخ، والنساء من الزهرة» (هذه إشارة إلى كتاب طبيب نفسي أميركي، صدر قبل 20 سنة تقريبا، عن الاختلاف بين الرجل والمرأة في طريقة التفكير).
ثارت ضجة حول هذا الموضوع رغم أنه ليس الموضوع الرئيس في الكتاب. لكن، طبعا، لا بد أن السيناتورة كانت تعرف أنها عندما تشير إلى مواضيع جنسية، أو حساسة، ستثير اهتمام القارئ. خاصة، إذا كانت اتهامات لزملائها (حتى إذا لم تذكر أسماءهم).
هذه بعض عناوين أجزاء الكتاب:
أولا: كنت صبية عدائية.
ثانيا: حملاتي الانتخابية وسط الناس والأبقار.
ثالثا: لننظف أرضية الكونغرس غير النظيفة.
رابعا: الطموح ليس كلمة سفيهة.
خامسا: «يجب أن تعودي جميلة كما كنت».
سادسا: الود أهم من القوة.
سابعا: الحلقة الخاصة التي أعيش داخلها.
عنوان الجزء الخامس على لسان واحد من أعضاء الكونغرس. وهذا الجزء هو الذي أثار الضجة.
ثار سؤال بين الإعلاميين في هذه الضجة: «هل كان يجب أن تسمي المعاكسين؟».
من بين الصحافيين الذين علقوا على هذه النقطة، جون بريسناهان، وهو صحافي في صحيفة «بوليتيكو» (تصدر في واشنطن، وتركز على أخبار الكونغرس) حيث كتب في «تويتر» أنه لا يصدق السيناتور فيما قالت. وقال: «لو حدث ما تقول، لكانت قالت الأسماء». لكنه، في وقت لاحق، اعتذر عن اتهام السيناتور بالكذب.
كارين تامالي، وهي صحافية عريقة في صحيفة «واشنطن بوست»، وقضت سنوات تغطي الكونغرس قالت: «يجب ألا تدهش مثل هذه الاتهامات أي شخص قضى أكثر من بضع دقائق في الكابيتول (مبنى الكونغرس)».
وقالت إنها، عندما بدأت تغطي الكونغرس في عام 1980، بعد 70 عاما منذ دخول أول امرأة الكونغرس، كان انطباعها أنه «كونغرس رجالي»، رغم وجود نساء. وكانت قاعة الألعاب الرياضية من دون مكان للنساء لتغيير ملابسهن، ومن دون حمام للنساء. وأضافت الصحافية، من دون أن تذكر حالات مشاغبات جنسية تعرضت لها: «يأتي التغيير بطيئا».
وهذه حقيقة. في انتخابات عام 1992 اجتاحت 55 امرأة الكونغرس، مع فوز بيل كلينتون (بمساعدة زوجته هيلاري كلينتون). ومع غضب نسائي عمّ كل أميركا بعد اتهامات بالمعاكسة الجنسية على لسان محامية سوداء، انيتا هيل، ضد قاضٍ أسود، كلارنس توماس. كان الكونغرس يناقش تعيينه عضوا في المحكمة العليا (التي تفسر الدستور). وفاز فعلا، رغم فظاعة اتهامات المحامية.
وفي عام 1993، عمت الكونغرس إثارة حقيقية: اتهامات نساء في الكونغرس ضد السيناتور بوب باكوورد (ديمقراطي من ولاية أوريغون) بأنه تحرش بهن جنسيا.
كانت واحدة من أكثر اللحظات إثارة، أثناء استجواب السيناتور، طلب تقديم يوميات السيناتور. ولسوء حظ النساء، دخل الكونغرس، ووسط منظمات الحقوق النسائية، والجمعيات الأنثوية، ولوبي حركة تحرير المرأة، صوتت لجنة التحقيق (كلها رجال) مع الرجل. وسريعا، عم الغضب شوارع واشنطن، وحاصرت نساء مبنى الكونغرس، بقيادة السيناتور باتي ميوراي (ديمقراطية من ولاية واشنطن). وفي اليوم التالي، انتقل الموضوع من اللجنة إلى مجلس الشيوخ، وصوت 94 من أعضاء المجلس بطرد السيناتور باكوود.
على أي حال، ليس هذا أول كتاب عن التحرشات الجنسية في الكونغرس. ففي عام 1997. أصدرت الصحافية كلارا بينغهام كتاب «وومان أون هيل» (نساء في الكونغرس). قالت الصحافية على لسان السيناتورة باتي ميواري، إن باتي وجدت نفسها وحيدة في مصعد مع السيناتور البالغ من العمر 91 عاما، ستروم ثورموند (جمهوري من ولاية ساوث كارولينا). قالت إنه لم يكن يعرف أنها سيناتورة مثله؛ نظر إليها من أعلى وأسفل، وقال: «أيتها المرأة الصغيرة، هل أنت متزوجة؟» وقبل أن تجيب، سارع بلمس صدرها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».