بائع فاكهة بالقاهرة: شوك التين ولا نار السياسة

يحلم بورشة نجارة صغيرة ويحب أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب

البائع يعرض بضاعته بأحد أسواق القاهرة ({الشرق الأوسط})
البائع يعرض بضاعته بأحد أسواق القاهرة ({الشرق الأوسط})
TT

بائع فاكهة بالقاهرة: شوك التين ولا نار السياسة

البائع يعرض بضاعته بأحد أسواق القاهرة ({الشرق الأوسط})
البائع يعرض بضاعته بأحد أسواق القاهرة ({الشرق الأوسط})

فاجأني طارق الشاب بائع التين الشوكي، وهو يرد على سؤالي المباغت له عن علاقة التين الشوكي بالسياسة قائلا: «التين الشوكي حلاوته في شوكه، أما شوك السياسة فيخرب بيوتا وبلادا».
وتابع بجلبابه البلدي وابتسامة عريضة وهو يقدم لي ثمرة أخرى «معسلة» من التين: «الشوك بيحرس ثمرة التين، حتى تستوي وتنضج حلاوتها وتنزعها بسلاسة لتستمع بمذاق الثمرة، لكن السياسة هي اللي بتحرس نفسها، لو كانت عادلة وتعمل لمصلحة الناس، أصبحت زي التين الشوكي، ممكن الناس تتحمل شوكها، أما لو كانت ظالمة، فلن يتحمل أحد هذا الشوك وممكن يحرقوا الشجرة نفسها».
وأردف طارق وهو ينظر إلي بعين شاحبة، لا تخلو من ومضة زهو «باين عليك صحافي، بس يا ريت أكون أقنعت حضرتك بوجهة نظري».
طمأنته بأنني فعلا صحافي، وأنه فتح نفسي على الدردشة معه بشكل أوسع، وقبل أن أبادر بسؤاله عن أحواله المعيشية بادرني قائلا: «أنا حاصل على دبلوم صنايع في الخراطة والنجارة، اشتغلت في بعض الورش، لكن دائما كنت أختلف مع أصحابها، خاصة أن بعضهم يغش في خامة الخشب، فيه أثاث لازم يتعمل من خامات معينة، لكي يتحمل ويعيش، مثلا لا يصلح الخشب المضغوط لصناعة أرجل ترابيزة السفرة (الطعام)، أو الكراسي، لأنه ضعيف، لازم خشب قوي مثل الزان أو البلوط، لكنهم يغشون، بالطلاء والبريق الخادع، كل ذلك مقابل مرتب هزيل، كنت أنفقه في المواصلات».
فجأة، تهلل وجه طارق مرحبا بثلاث فتيات، يبدو أنهن عاشقات للتين الشوكي، تحلقن حول العربة البسيطة بميدان مسجد مصطفى محمود الشهير بحي المهندسين بمحافظة الجيزة، وتلفت الزبائن بنظافتها.
بمهارة البائع الشاطر داعب طارق الفتيات قائلا والابتسامة تطل من شفتيه «أحلى تين لأحلى بنات». كدت أغبطه وأنا أسمع عبارات الإطراء تتناثر على تينه وشوكه من الفتيات اللاتي أكلن بنهم وشهية، وأخذن معهن باقة من ثمار التين رصها طارق لهن في علبة كرتونية صغيرة غلفها بطبقة من البلاستيك الشفيف.
ابتسم طارق وهو يلتفت إلى صائحا «وشك حلو علي يا أستاذ».. ثم أردف، وابتسامته اتسعت قليلا «يا ريت كل يوم حضرتك تصبّح علي وأنت في طريقك للشغل».
سألته عن ظروفه الأسرية قال وملامح الإصرار تكسو وجهه الشاب: «أنا لدي أخ صغير في المدرسة الابتدائية وأخت في الإعدادية. أبي مات منذ سنوات بسبب المرض، وأمي تعمل ساعية بمدرسة أختي، ونسكن في شقة متواضعة بحي (الكيت كات) الشعبي.. الحياة صعبة لكن الحمد لله ربنا سترها».
حاولت أن أعطيه سيجارة لكنه رفض قائلا: «ربنا يكفيك شرها، يا ريت تبطلها، علشان صحتك».. ثم أضاف بسرور: «أنا صنعت هذه العربة من بعض مخلفات الخشب، مستغلا خبرتي كنجار، معظم الباعة يستأجرونها من التجار.. على فكرة التين مكسبه حلو، وأنا كل يوم الصبح أشتري جوال تين من عند أحد التجار بأسعار الجملة».
صمت بائع التين الشاب لبرهة ثم بادرني «نفسي في ورشة نجارة صغيرة، أنا بحب الفن والقراءة والثقافة، وأغاني أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وفيروز، أنا عندي خيال، وتصاميم وأفكار خاصة بالأثاث، لو نفذتها سوف تعجب الناس، وتوفر عليهم الكثير من الأموال».
قصة طارق تتكرر يوميا مع شباب آخرين امتهنوا حرفا ومهنا فرضتها عليهم ظروف وضغوط الحياة القاسية، خاصة في الواقع المصري الذي بدأ يشم عافيته بعد أكثر من ثلاث سنوات من الاضطراب الأمني والسياسي والاقتصادي، ارتفعت خلالها معدلات البطالة بحسب إحصاءات رسمية إلى 13.4 في المائة العام الماضي، من نسبة سكان مصر التي تبلغ نحو 90 مليونا.
ويطلق المصريون اسم «التين الشوكي» على ثمار شجرة الصبار التي تنمو في الأرض الصحراوية بسيناء والوادي الجديد ومناطق شتى من الفيوم والإسماعيلية والجبل الأصفر بمدينة الخانكة بمحافظة القليوبية المتاخمة للعاصمة القاهرة، وتتميز بقشرة سميكة يتراوح لونها بين الأصفر والأخضر، وتحيط بها أشواك رفيعة حادة لا تكاد ترى بالعين، تقبع بداخلها ثمرة حلوة المذاق غنية بالفيتامينات والأملاح المعدنية. وتعتمد شجرة الصبار على نفسها، فلا تحتاج سوى ماء قليل وتربة صالحة، بعيدا عن أية أسمدة كيماوية، كما تنمو في الصحراء على مياه المطر.
وفي فصل الصيف يتربع «التين الشوكي» على عرش الفواكه الشعبية في مصر نظرا لأسعاره الزهيدة ووفرة العرض وكثرة الطلب، إضافة إلى أنه يمتع بفترة عرض طويلة زمنيا بالأسواق، تبدأ تباشيرها من منتصف شهر يونيو (حزيران) إلى نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، حيث يتولى الباعة الجائلون على عرباتهم الخشبية الترويج له في الأماكن المكتظة بالسكان، ولا يكاد يخلو ميدان أو شارع بالقاهرة وبقية المدن المصرية من وجود بائع أو أكثر يعرض التين الشوكي، الذي يشترك في عشقه غالبية الطبقات الاجتماعية.
ولا يحتاج بائع التين الشوكي سوى عربة (يد) صغيرة، متنقلة يدفعها بيديه، ودلو مملوء بالماء وقفاز يقيه من الشوك، لكن بعض العربات أضافت أدوات للتغليف وعلبا كرتونية جذبا للزبائن.
أودع طارق فتى التين الشوكي الطازج، وأشد على يديه، وأطمئنه: إن شاء الله سيتحقق حلمك، سيكون لديك ورشتك الصغيرة، وسوف أزورك.. ثم أربت على كتفيه مازحا: أوعى السياسة تقرب من التين فيرد ببشاشة «شوك التين ولا نار السياسة».



إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».