سكاراموتشي: أنصح ترمب بالحفاظ على سياساته لكن بشكل أقل جنوناً

قال لـ«الشرق الأوسط» إن مشروع «نيوم» عبقري وأشاد بالتقدم والإصلاحات السعودية

سكاراموتشي يتحدث في مؤتمر بواشنطن في يوليو الماضي (غيتي)
سكاراموتشي يتحدث في مؤتمر بواشنطن في يوليو الماضي (غيتي)
TT

سكاراموتشي: أنصح ترمب بالحفاظ على سياساته لكن بشكل أقل جنوناً

سكاراموتشي يتحدث في مؤتمر بواشنطن في يوليو الماضي (غيتي)
سكاراموتشي يتحدث في مؤتمر بواشنطن في يوليو الماضي (غيتي)

سيظلّ اسم أنتوني سكاراموتشي مرتبطاً بالفترة القصيرة التي قضاها في منصب مدير الاتصالات في البيت الأبيض، التي لم تصل إلى أسبوعين. وكثيراً ما يجادل سكاراموتشي أنه أمضى إحدى عشر يوماً في منصبه بالبيت الأبيض، وليس عشرة أيام فقط، وهو المنصب الذي عيّنه فيه الرئيس دونالد ترمب من 21 إلى 31 يوليو (تموز) 2017.
لكن سكاراموتشي القادم من دوائر الاستثمار وإدارة الثروات الذي أسس عدة شركات استشارية، لم يختف من الساحة السياسية بل استمرّ وجهاً مألوفاً من خلال تنظيمه منتدى «سولت» الذي أسسه في عام 2009 بهدف جمع «نجوم السياسة والاقتصاد» من جميع أنحاء الولايات المتحدة وخارجها. وتعكس الفترة القصيرة التي قضاها سكاراموتشي في البيت الأبيض جانباً كبيراً من الصراعات الداخلية التي ظهرت مع اختياره، وتعيينه، وإقالته.
وفي حوار مع «الشرق الأوسط» على هامش منتدى «سولت» الذي انعقد في لاس فيغاس من 7 إلى 9 مايو (أيار)، تحدّث سكاراموتشي عن تجربته في البيت الأبيض، وفرص تحقيق السلام في الشرق الأوسط، فضلاً عن خططه لعقد المنتدى في أبوظبي، وإعجابه بمشروع نيوم «العبقري»، وبالإصلاحات التي تقودها السعودية.
لا شك أن أول سؤال يتبادر للذهن عند الحديث مع سكاراموتشي، هو عن فترته القصيرة للغاية في البيت الأبيض وظروف إقالته. وقال سكاراموتشي بهذا الصدد إنه «لم يكن لديه خيار سوى الرحيل»، معترفا بأنه ارتكب خطأ اعتبره الرئيس ترمب وكبير الموظفين في البيت الأبيض جون كيلي «خطأ لا يمكن التسامح معه». وقد أثار سكاراموتشي جدلا كبيرا بعد أن استخدم لغة جارحة لوصف زملائه في البيت الأبيض، في محادثة مع مجلة «نيويوركر».
وأوضح بهذا الخصوص: «وثقت في ذلك الوقت بالمراسل الصحافي، وقلت كلاما اعتقدت أنه ليس للنشر، وقلت أشياء غير لائقة عن بعض الناس. وأراد هذا المراسل أذيتي، ونشر هذا الحديث. وقد كلفني ذلك منصبي، وأتحمّل المسؤولية عن خطئي ولا ألوم أحدا». وتابع: «لقد كان شرفا لي أن أخدم الرئيس ترمب، سواء لمدة 11 يوما أو 11 ساعة».
وفي ردّه على المعايير التي يجب أن تتوفر في من يعمل في منصب المتحدث باسم البيت الأبيض، قال سكاراموتشي: «أعتقد أن أهم معيار هو أن يكون لدى الشخص جلد سميك، يتحمّل الضربات واللكمات القادمة من كل الجهات».
وتابع: «لقد تلقيت الكثير من اللكمات خلال عملي في البيت الأبيض، وتلقيت لكمات أكثر حينما تمت إقالتي من البيت الأبيض، لكن في النهاية على الشخص أن يتعلم كيف يتلقى اللكمات ويتعامل معها».
وأضاف أنه «عندما تعمل في البيت الأبيض، عليك أن تتذكر أنه للأسف لا يمكن الوثوق بأي شخص، وقد قال هاري ترومان عن واشنطن: «إذا أردت صديقا، فاشتر كلبا». وللأسف، فإن حتى الكلاب أصبحت تعض في واشنطن. وبالنسبة لي، تعلمت أن أكون أقل ثقة (في الناس). كن مهذبا ومهنيا ولطيفا، لكن لا تثق بأحد لأنه عالم مليء بالوحوش».
وقدّم سكاراموتشي نصيحة للرئيس ترمب وهو على أعتاب خوض غمار الانتخابات الرئاسية 2020 لولاية ثانية، مفادها أن «يستمر في سياسات نفسها، لكن بشكل أقل جنوناً». وأوضح: «أنا أعتبر الرئيس دونالد ترمب رجلا عظيما، وشخصا أحترمه ويقوم بعمل رائع، ويحظى بتقدير على السياسات والمواقف التي يتّخذها. كما أثبت أنه يمكن تحقيق نمو اقتصادي وإنجازات اقتصادية من خلال تبنّي سياسات صحيحة». وأشار إلى أن «النقاشات على مدى خمس سنوات، كانت تدور حول معدلات نمو للاقتصاد الأميركي في حدود 1 في المائة، وكان خصوم ترمب السياسيين يقولون إنه لا يوجد وسيلة لدفع الاقتصاد أكثر من ذلك، وإن ترمب لا يملك عصا سحرية». وتابع: «لكنه أثبت أنه يمكن تنفيذ السياسات الصائبة التي تؤدي إلى نتائج اقتصادية إيجابية».
وفي تعليقه على أسلوب الرئيس الأميركي، قال سكاراموتشي إنه «في بعض الأحيان، يتعلق الأمر بطريقة وأسلوب تقديم السياسة، وهو ما يُحدِث في النهاية خلافا وصراعا مشتعلا. ولا أعني بذلك أنه رجل لا يجيد القتال وتوجيه اللكمات، فقد فاز برئاسة الولايات المتحدة وأصبح زعيما للعالم الحر، وهو لا يزال يقوم بعمل جيد في البيت الأبيض ويقوم بالسياسات التي تخدم الناخبين»، لافتا إلى أن شعبية الرئيس ارتفعت ما بين 60 إلى 65 في المائة.
وسألت «الشرق الأوسط» سكاراموتشي عن سبب تنبّئه بفوز الرئيس ترمب بولاية ثانية في عام 2020، فأجاب: «أعتقد أن السباق سيكون بين الرئيس ترمب والمرشح الديمقراطي جو بايدن. وأنا أتوقع فوز الرئيس ترمب، لأنني كنت أحد العاملين في حملته الانتخابية السابقة، ورأيت الطريقة التي يتعامل بها ويجذب بها الناخبين. لذا أتوقع نجاحه في إعادة انتخابه، وأرى أنه يتمتّع بغريزة سياسية أفضل منـي، ولذا هو يحتل منصب رئيس الولايات المتحدة».
وعن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تحدّث سكاراموتشي عن ضرورة بقاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، سواء دبلوماسيا أو عسكريا. وقال: «أعتقد أن خطة السلام التي يعمل عليها جاريد كوشنر (كبير مستشاري الرئيس الأميركي) وجيسون غرينبلات (المبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط) ستكون بمثابة خطة شاملة، يمكن أن تؤدي إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والأوضاع في منطقة الشرق الأوسط كلها مرتبطة بها».
وتابع: «ربما يعد ذلك أحد الأسباب في عدم نجاح السياسات السابقة في تحقيق السلام في المنطقة، فالتعامل مع قضايا المنطقة المتشابكة يشبه لعبة مكعب الألوان، الذي يستدعي مهارة خاصة في تحريك المكعبات الصغيرة حتى تحصل على النتائج اللونية الصحيحة. وفي السياسة، إذا أرضيت جماعة فالأخرى تنزعج. ولذا يتطلب الأمر مهارات في التعامل، والعالم الآن يتعامل مع رئيس أميركي ينفذ ما يقوله، ورئيس من طراز مختلف وليس مع سياسي كلاسيكي».
وأضاف: «رأينا توجّهات جديدة في التعامل مع كوريا الشمالية والصين وروسيا. وفي منطقة الشرق الأوسط، حقق (الرئيس الأميركي) نجاحا في القضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق، وكل العيون تتطلع إليه فيما يمكن أن يحققه من نتائج، سواء في هذا الضغط على إيران لكبح طموحاتها النووية ومنعها من زعزعة الاستقرار، أو في تحقيق السلام في أفغانستان، أو التوصل إلى اتفاق سلام حقيقي بين الفلسطينيين والإسرائيليين».
وعن ثقته في قدرة كوشنر وغرينبلات على تحقيق السلام، قال سكاراموتشي: «أنا أتمنى ذلك، لكني شخص واقعي وأفهم التاريخ الطويل لهذا الصراع. وأعتقد أنه إذا لم نستطع التوصل إلى سلام، فعلى الأقل يمكن تحقيق مستوى من الأمن لكل دولة. وهناك فارق كبير بين السلام والأمن. فعلى سبيل المثال، انتهت الحرب بين كوريا الشمالية والجنوبية منذ أكثر من 60 عاما، لكنها فعليا لم تنته لأنه لم يتم توقيع اتفاق سلام ينهيها، وإنّما مجرد وقف إطلاق النار ومنطقة منزوعة السلاح. وأدّى ذلك إلى تحقيق الأمن «دون سلام». وعندما نفكر في الأمر من هذا السياق، أعتقد أن المنطقة والجهات والدول الفاعلة في المنطقة يمكن أن تدفع باتجاه تحقيق الأمن، ويبقى التحدي والسؤال هو إمكانية تحويل هذا الأمن إلى سلام».
في سياق آخر، تطرق سكاراموتشي إلى منتدى «سولت» الذي عقدت دورته العاشرة هذا العام. وقال إن أهم «إنجازات هذا المنتدى هي تحقيق التواصل بين رجال السياسة والاقتصاد ورجال الأعمال. وعلى مدى السنوات الماضية، اجتذب المنتدى شرائح مختلفة من رجال السياسة والأعمال والكثير من شركات التكنولوجيا. وقد جاء نحو 30 في المائة من المشاركين من خارج الولايات المتحدة، وهذا أمر جيد لأنه يتيح فرصة عقد الاجتماعات في مكان واحد خلال ثلاثة أو أربعة أيام».
وأوضح سكاراموتشي أن «أهدافه على مدى السنوات العشر الماضية بسيطة للغاية، فالهدف الأول هو عقد الاجتماعات والتفاعل بين رجال الأعمال والسياسة، والثاني هو خلق هيكل تحريري حيث يمكن للمشاركين الاستفادة من خبرة شخصيات سياسية هامة مثل الجنرال بترايوس أو السفير رايان كروكر، والسفيرة نيكي هالي وغيرهم. أما الهدف الثالث، هو استمتاع المشاركين بوقتهم في لاس فيغاس، بينما يصيغون اتفاقاً لصفقات ناجحة».
وأكد المسؤول الأميركي السابق أنه يعمل مع حكومة أبوظبي ومع هيئة أبوظبي للسياحة لعقد المنتدى في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم في منطقة الشرق الأوسط، حيث سيتم التركيز على سياسات المنطقة وعلى الاستثمارات. وسيشارك الكثير من صناع السياسة في واشنطن، «وما نخطط له هو نسخة من المنتدى في لاس فيغاس لكن بنمط شرق أوسطي، وقد عقدنا المنتدى في عامي 2012 و2013 في سنغافورة وطوكيو، وسيكون المنتدى في أبوظبي الأول في الشرق الأوسط. وقد نجحت أبوظبي في وضع سياسات وإنشاء مدن ومشروعات مهمة، ونسعى ليكون خطوة لعقد المنتدى في دول مهمة أخرى، مثل السعودية والكويت ومصر.
وأوضح سكاراموتشي أن «المنتدى لا يسعى لإثارة الجدل، بل البحث عن حلول. واسم شركتي هو sky bridge، وهذا هو جوهر عمل المنتدى، أي بناء الجسور بين الناس والنقاش وجهاً لوجه. ودول منطقة الشرق الأوسط معروفة بالضيافة والثقافة والحضارة العريقة».
وقد ركزت إحدى جلسات المنتدى في لاس فيغاس هذا العام على مشروع «نيوم»، وقال سكاراموتشي بهذا الشأن: «أنظر إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها المستقبل، وأنظر إلى مسار الإصلاحات الجارية، والتقدم الذي يتم إحرازه وهذا أمر مثير، وأُحيي هذا التقدم». وتابع: «أنا معجب للغاية بمشروع نيوم وتأثيره على مستقبل المنطقة، وعلى جلب الرخاء والاستقرار وتحقيق طموحات شعوب المنطقة. والمشروع عبقري في فكرته وموقعه ومشروعاته، فهو يبني مدينة تكنولوجية على أحدث طراز على البحر الأحمر، ويخلق طرقا جديدة للتجارة الدولية ويزيد من فرص النمو الاقتصادي. وعند رؤية المشروع، تنبهر من الشكل الذي ستكون عليه مدن المستقبل بكل التكنولوجيات الحديثة، والانسجام بين التكنولوجيات الحديثة والحفاظ على الثقافة والتقاليد العربية في الوقت نفسه، وهذا أمر مذهل للشرق الأوسط».


مقالات ذات صلة

ألف سباح يلفتون الأنظار في خليج «نيوم»

رياضة سعودية البطولة شهدت مشاركة 70 رياضياً ورياضية من 17 جنسية بينهم سعوديان (نيوم)

ألف سباح يلفتون الأنظار في خليج «نيوم»

شهدت «بطولة نيوم للألعاب الشاطئية» اختتاماً مميزاً باستضافتها لأول مرة نهائيات «كأس العالم نيوم وورلد أكواتيكس للسباحة في المياه المفتوحة».

«الشرق الأوسط» (نيوم)
رياضة سعودية المرحلة النهائية من السباق تضمنت المرور عبر محمية طبيعية (نيوم)

«ألعاب نيوم الشاطئية»: 242 دراجاً يُنهون سباق تيتان الصحراوي

استضافت بطولة نيوم للألعاب الشاطئية في جبال بجدة «سباق نيوم تيتان الصحراوي للدراجات»، في نسخته الثالثة على التوالي، والذي يُعد حدثاً رياضياً عالمياً متميزاً.

«الشرق الأوسط» (نيوم)
الاقتصاد تستهدف «بوني» تقييماً يصل إلى 4.55 مليار دولار في طرحها العام الأولي (موقع الشركة)

«بوني» الصينية المدعومة من «نيوم» السعودية تسعى لجمع 260 مليون دولار في طرحها بأميركا

قالت شركة «بوني إيه آي»، الأربعاء، إنها تستهدف تقييماً يصل إلى 4.55 مليار دولار في طرحها العام الأولي الموسع في الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (بكين)
رياضة سعودية البطولة اختتمت بمشاركة 93 من أفضل المتسلقين من 31 دولة (الشرق الأوسط)

93 لاعباً يشعلون منافسات «نيوم ماسترز» لرياضة التسلق

اختتمت الأربعاء فعاليات بطولة «نيوم ماسترز لرياضة التسلق»، بمشاركة 93 لاعباً من أفضل المتسلقين من 31 دولة، في أجواء استثنائية شهدتها قرية نيوم الجبلية في جدة.

«الشرق الأوسط» (نيوم)
الاقتصاد المهندس أيمن المديفر

تعيين أيمن المديفر رئيساً تنفيذياً مكلفاً لـ«نيوم»

أعلن مجلس إدارة شركة «نيوم» تعيين المهندس أيمن المديفر رئيساً تنفيذياً مكلفاً للشركة، وذلك بعد مغادرة نظمي النصر.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

السعودية وبريطانيا تؤكدان ضرورة خفض التصعيد الإقليمي

الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً كير ستارمر في قصر اليمامة بالرياض (واس)
الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً كير ستارمر في قصر اليمامة بالرياض (واس)
TT

السعودية وبريطانيا تؤكدان ضرورة خفض التصعيد الإقليمي

الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً كير ستارمر في قصر اليمامة بالرياض (واس)
الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً كير ستارمر في قصر اليمامة بالرياض (واس)

أكدت الرياض ولندن، الخميس، ضرورة خفض التصعيد الإقليمي، والالتزام بالمعايير الدولية، وميثاق الأمم المتحدة، وذلك في بيان مشترك عقب زيارة كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني للسعودية هذا الأسبوع، التي جاءت انطلاقاً من أواصر علاقتهما المميزة.

وذكر البيان أن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، وستارمر أكدا خلال جلسة مباحثات رسمية على أهمية الدور الذي يقوم به مجلس الشراكة الاستراتيجية في تعزيز التعاون بين البلدين، واستعرضا التقدم الكبير المحرز في تطوير العلاقات الثنائية وتنويعها.

وأكد الجانبان أهمية تعزيز الشراكة الاقتصادية بينهما، والتزامهما برفع حجم التجارة البينية إلى 37.5 مليار دولار بحلول عام 2030، وزيادة الاستثمار في صناعات الغد، بما يحقق النمو المستدام. كما اتفقا على برنامج طموح للتعاون يهدف لتعزيز الازدهار المتبادل، والأمن المشترك، ومعالجة التحديات العالمية.

وأشادا بنمو الاستثمارات المتبادلة، ونوّها بالاستثمارات السعودية الكبيرة في المملكة المتحدة خلال عام 2024، ومنها لصندوق الاستثمارات العامة، مثل «سيلفريدجز» و«مطار هيثرو»، والاستثمار الإضافي في نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم، ما يعزز العلاقات المتنامية بين شمال شرقي إنجلترا والسعودية.

ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء البريطاني خلال جلسة مباحثات رسمية في الرياض (واس)

وبينما تعدّ المملكة المتحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في السعودية، نوّه الجانبان بإعلان الهيئة البريطانية لتمويل الصادرات عن خططها لزيادة حجم تعرضها السوقي إلى 6 مليارات دولار أميركي، وذلك في ضوء نجاح التمويل (المتوافق مع الشريعة الإسلامية) بقيمة تبلغ نحو 700 مليون دولار للاستثمار بمشروع القدية (غرب الرياض).

وأعربا عن تطلعهما إلى تطوير شراكات استراتيجية طويلة الأمد تخدم المصالح المتبادلة، والمساهمة في النمو الاقتصادي المستدام. ورحّبا بالتقدم الكبير المحرز بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي والمملكة المتحدة.

وأشادا بالتعاون القائم بين البلدين في قطاع الطاقة، وأكدا أهمية تعزيزه بمجالات الكهرباء، والطاقة المتجددة، والهيدروجين النظيف وتطبيقاته، والتكنولوجيا النظيفة، وابتكارات الطاقة والاستدامة. واتفقا على العمل المشترك لإنشاء تحالف الهيدروجين النظيف بين جامعاتهما بقيادة جامعتي «الملك فهد للبترول والمعادن»، و«نيوكاسل».

وأكدا أهمية تعزيز موثوقية سلاسل التوريد العالمية، وتحديداً مع إطلاق السعودية مبادرة لتأمين الإمدادات، وخاصة بمجالات الطاقة المتجددة، وإنتاج الهيدروجين، والمعادن الخضراء، والبتروكيماويات المتخصصة، وإعادة تدوير النفايات، والمركبات الكهربائية.

جانب من جلسة المباحثات بين الأمير محمد بن سلمان وكير ستارمر (واس)

كما رحّبا بإطلاق السعودية 5 مناطق اقتصادية خاصة تستهدف الصناعات والقطاعات الاستراتيجية، وتوفر للشركات البريطانية فرصة الاستفادة من مزايا وحوافز على جميع مستويات سلاسل التوريد.

وأكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون في قطاع الخدمات المالية، ومجال تطوير قطاعات التعدين المستدامة، وتنويع إمدادات المعادن النادرة المستخدمة في التقنيات النظيفة. وأعربت بريطانيا عن دعمها وعزمها المشاركة على مستوى رفيع في «منتدى مستقبل المعادن السعودي» خلال شهر يناير (كانون الثاني) 2025.

كما أكدا على مركزية الاتفاقية الأممية الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية باريس، ونوّها بنتائج مؤتمر الأطراف «كوب 29»، وأهمية العمل لتحقيق نتيجة طموحة ومتوازنة في «كوب 30» عام 2025. ورحّبت بريطانيا بطموحات الرياض وقيادتها عبر مبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، ورئاستها لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر «كوب 16».

وأعربت بريطانيا أيضاً عن دعمها جهود السعودية في مجالات البيئة والتغير المناخي من خلال تنفيذ نهج الاقتصاد الدائري للكربون الذي أطلقته الرياض، وأقرّه قادة مجموعة العشرين، مؤكدة دعمها القوي لـ«رؤية 2030»، والتزامها بالفرص التي تتيحها في إطار الشراكة بين البلدين.

ولي العهد السعودي يصافح رئيس الوزراء البريطاني لدى وصوله إلى قصر اليمامة (واس)

ورحّب البلدان بتزايد عدد الزوار بينهما، وعبّرا عن تطلعهما إلى زيادة هذه الأعداد بشكل أكبر خاصة في ظل زيادة الربط الجوي بينهما، وتسهيل متطلبات الحصول على التأشيرة من الجانبين.

واتفقا على أهمية تعزيز التعاون في مختلف القطاعات الثقافية، بما في ذلك من خلال إطلاق برنامج تنفيذي جديد لتعزيز مشاركة بريطانيا في تطوير محافظة العُلا (شمال غربي السعودية)، كما رحّبا بالاتفاق على إطلاق شراكة بين الهيئة الملكية للعلا والمجلس الثقافي البريطاني تزامناً مع احتفال الأخير بمرور 90 عاماً على تأسيسه.

وأشادا بنتائج تعاونهما الاستراتيجي في مجالات التعليم والتعليم العالي والتدريب. ورحّبا بالخطط الاستراتيجية لزيادة عدد المدارس البريطانية في السعودية إلى 10 مدارس بحلول عام 2030، وافتتاح فروع للجامعات البريطانية في السعودية، كما عبّرا عن التزامهما بمواصلة التباحث حول زيادة التعاون في مجالات الاحتياجات التعليمية الخاصة، والتدريب التقني والمهني.

وأكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون في مجال الرعاية الصحية، ومواجهة تحديات الصحة العالمية. ونوّها بالمناقشات الجارية بين الجامعات البريطانية والشركاء السعوديين المحتملين لإنشاء كلية لتدريب الممرضين بالسعودية. كما اتفقا على أهمية الاستفادة من فرصهما لزيادة التعاون بمجالات السلامة الغذائية، والمنتجات الزراعية.

ولي العهد السعودي يستقبل رئيس الوزراء البريطاني (واس)

واتفق الجانبان على تعزيز التعاون في الأنشطة والبرامج الرياضية، وأشادا بالمشروع المشترك بين الجامعات السعودية والبريطانية لدعم تطوير القيادات النسائية المستقبلية بمجال الرياضة، والشراكة المتنامية بمجال الرياضات الإلكترونية.

وأشادا بمستوى تعاونهما بمجال الدفاع والأمن على مرّ العقود الماضية، وأكدا التزامهما بشراكة دفاعية استراتيجية طموحة ومستقبلية، بما يسهم في تطويرها لتركز على الصناعة وتطوير القدرات، وزيادة التشغيل البيني، والتعاون بشأن التهديدات المشتركة بما يسهم في تحقيق الأمن والازدهار في البلدين.

واتفقا على توسيع التعاون في مجالات النشاط السيبراني والكهرومغناطيسي، والأسلحة المتقدمة، والقوات البرية، والطائرات العمودية، والطائرات المقاتلة. كذلك تعزيزه أمنياً حيال الموضوعات المشتركة، بما فيها مكافحة الإرهاب والتطرف.

وأكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون في مجال العمل الإنساني والإغاثي، وشدّدا على ضرورة مواصلة التعاون في المحافل والمنظمات الدولية لمعالجة التحديات الاقتصادية العالمية، والتزامهما بتوحيد الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، وعقد حوار استراتيجي سعودي - بريطاني سنوياً بشأن المساعدات والتنمية الدولية، واتفقا على التمويل المشترك لمشاريع في هذا الإطار بقيمة 100 مليون دولار.

الأمير محمد بن سلمان وكير ستارمر قبيل جلسة المباحثات في قصر اليمامة (واس)

وحول تطورات غزة، أكد الجانبان ضرورة إنهاء الصراع، وإطلاق سراح الرهائن فوراً وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، مشددين على الحاجة الملحة لقيام إسرائيل بحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية لإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب الفلسطيني، وتمكين المنظمات الدولية والإنسانية من القيام بعملها.

وبحثا كيفية العمل بينهما لتنفيذ حلّ الدولتين بما يحقق إحلال السلام الدائم للفلسطينيين والإسرائيليين. وأعربت بريطانيا عن تطلعها إلى انعقاد المؤتمر الدولي الرفيع المستوى بشأن الحل السلمي، الذي سترأسه السعودية وفرنسا في يونيو (حزيران) 2025.

وفي الشأن السوري، رحّب الجانبان بأي خطوات إيجابية لضمان سلامة الشعب السوري، ووقف إراقة الدماء، والمحافظة على مؤسسات الدولة ومقدراتها. وطالبا المجتمع الدولي بالوقوف بجانب الشعب، ومساعدته في تجاوز معاناته المستمرة منذ سنوات طويلة، مؤكدين أنه حان الوقت ليحظى بمستقبل مشرق يسوده الأمن والاستقرار والازدهار.

وفيما يخص لبنان، أكدا أهمية المحافظة على اتفاق وقف إطلاق النار، والتوصل لتسوية سياسية وفقاً للقرار 1701. كما اتفقا على ضرورة تجاوزه لأزمته السياسية، وانتخاب رئيس قادر على القيام بالإصلاحات الاقتصادية اللازمة.

ولي العهد السعودي يصافح الوفد المرافق لرئيس الوزراء البريطاني (واس)

وبشأن اليمن، أكد الجانبان دعمهما الكامل لمجلس القيادة الرئاسي، وأهمية دعم الجهود الأممية والإقليمية للتوصل لحلٍ سياسيٍ شاملٍ للأزمة اليمنية، وضمان أمن البحر الأحمر لتحقيق استقرار الاقتصاد العالمي.

وحول الأوضاع السودانية، أكدا أهمية البناء على «إعلان جدة» بشأن الالتزام بحماية المدنيين في السودان عبر مواصلة الحوار لتحقيق وقف كامل لإطلاق النار، وحل الأزمة، ورفع المعاناة عن شعبه، والمحافظة على وحدة البلاد، وسيادتها، ومؤسساتها الوطنية.

ورحّب الجانبان باستمرار التواصل بين البلدين بشأن الحرب في أوكرانيا، مؤكدين أهمية بذل كل الجهود الممكنة لتحقيق السلام العادل والمستدام الذي يحترم السيادة والسلامة الإقليمية بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة.

جانب من مراسم الاستقبال الرسمية لرئيس الوزراء البريطاني في قصر اليمامة بالرياض (واس)