هندسة المناخ... هل تمدّد عمر الوقود الأحفوري؟

بركان بيناتوبو (غيتي)
بركان بيناتوبو (غيتي)
TT

هندسة المناخ... هل تمدّد عمر الوقود الأحفوري؟

بركان بيناتوبو (غيتي)
بركان بيناتوبو (غيتي)

في منتصف يونيو (حزيران) 1992، أدّت الثورة العنيفة لبركان «بيناتوبو» في الفلبين إلى تشكّل سحابة هائلة من الرماد والغازات، قُدّر وزنها بنحو 20 مليون طن، وتجاوز تأثيرها المنطقة المحيطة مع وصولها إلى طبقات الجو العليا؛ حيث دفعتها تيارات الرياح العاتية إلى جميع أنحاء كوكب الأرض. وفيما كان العلماء يتعقبون رحلة الرماد والغازات باستخدام الأقمار الاصطناعية، لاحظوا حصول انخفاض في متوسط حرارة الكوكب بمعدل 0.6 درجة مئوية لمدة سنتين بعد ثوران البركان. هذه الملاحظات والأبحاث التي تلتها أطلقت جدلاً واسعاً في الأوساط العلمية والسياسية حول التحكم بالظواهر الجوية، أو ما يعرف بهندسة المناخ.

- بين المؤامرة والوقائع
يعتقد كثيرون أن لدى الحكومة الأميركية مشروعاً سرياً يحمل اسم «هارب» (برنامج أبحاث الـشفق القطبي العالي التردد) تستخدمه كسلاح متطور من أجل التلاعب بالظواهر الطبيعية على مساحات واسعة. وينسب أنصار نظرية المؤامرة لهذا المشروع كل حدث طارئ أو ضرر غير معتاد، كأنماط الطقس المتطرفة أو التغيرات في الغلاف الجوي أو الاحترار العالمي. وتجد هذه الأفكار تأييداً واسعاً بين منكري الدور البشري في حصول التغير المناخي.
وبعيداً عن برنامج «هارب» المعلن عنه، المخصص لتطوير الاتصالات اللاسلكية والمراقبة باستخدام الغلاف الأيوني للأرض، فإن الأبحاث حول التدخل البشري للتحكم بأحوال الطقس قائمة، وأكثرها معروف منذ زمن بعيد. وتوجد بعض قصص النجاح في هذا المجال، كما في استمطار السحب اصطناعياً، الذي بدأت أولى تجاربه الناجحة في أستراليا سنة 1947. وطبقته لاحقاً كثير من الدول، بما فيها بلدان عربية.
يمكن أن تتم عملية الاستمطار بأكثر من طريقة، لكن الطريقة الأكثر شيوعاً تتمثل في حقن السحب الركامية بمادة يوديد الفضة أو بعض المركبات الأخرى، ما يتسبب بزيادة كثافة السحب، وتحويل قطرات الماء فيها إلى بلورات ثلجية ثقيلة تنهمر نحو الأرض. وبفعل ارتفاع درجة الحرارة قرب السطح، تعود الثلوج ثانية إلى حالتها السائلة، فتتساقط على شكل مطر.
وفيما يعدّ الاستمطار الاصطناعي حلاً رائجاً على الرغم من كلفته المرتفعة، فما زال البعض ينظر إلى تطبيقات هندسة المناخ لتعديل حرارة كوكب الأرض بكثير من الحذر والريبة. غير أنّ الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، لحظت في تقريرها الأخير «احترار عالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية» تطبيقات هندسة المناخ، ضمن السيناريو الذي يهدف إلى تحقيق مقاصد اتفاقية باريس المناخية.
واللافت أن مجمل السيناريوهات الواردة في التقرير تفترض أن الحرارة العالمية ستعاود الانخفاض ما دون عتبة 1.5 درجة مئوية في سنة 2100 بعد أن تتجاوزها في منتصف هذا القرن. لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب إنقاص غازات الدفيئة الموجودة في الجو، أو خفض الحرارة التي تصل إلى الأرض بتدخل بشري واسع من خلال هندسة المناخ.
ووفقاً للتقرير، يستطيع سرب من الطائرات، التي تحلق على ارتفاع نحو 20 كيلومتراً، أن يحقن ملايين الأطنان من غاز ثاني أوكسيد الكبريت في الجو، لخفض الإشعاع الشمسي والعودة إلى عتبة باريس المناخية، بكلفة تتراوح ما بين مليار و10 مليارات دولار سنوياً. لكن هذا لا يأخذ في الاعتبار الآثار الجانبية الكبيرة التي قد تنشأ عن الكبريت، وما قد يتسبب به من مخاطر وأضرار واسعة نتيجة هشاشة منظومة المناخ العالمي.

- من يعيد المارد إلى القمقم؟
يعود الانخفاض الموقت لدرجة حرارة الأرض بعد ثورة بركان «بيناتوبو» إلى قدرة الجزيئات البركانية المنطلقة إلى الجو في تشكيل غيوم داكنة تحجب أشعة الشمس. وعندما يصل ثاني أوكسيد الكبريت المنبعث من البركان إلى طبقات الجو العليا، فإنه يجتمع مع الماء لتكوين قطرات صغيرة من حمض الكبريت. وتلتصق القطرات معاً لإنتاج هباء (ضباب دقيق يحتوي مواد كيميائية) يعكس أشعة الشمس.
ويمكن للبشر محاكاة هذه الظاهرة، التي تتسبب في تعديل الإشعاع الشمسي، من خلال حقن الهباء في طبقات الجو العليا وزيادة لمعان الغيوم فوق البحار وتعديل الانعكاس عن سطح الأرض. كما يمكن خفض حرارة الكوكب عن طريق امتصاص ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه بشكل دائم في مكامن جيولوجية، أو بواسطة تحقيق الانبعاث السلبي لغازات الدفيئة، عبر اتباع تدابير واسعة للحد من انطلاق هذه الغازات.
من الأفكار التي طرحت لخفض تركيز الكربون في الجو إثراء المحيطات بالحديد، بهدف توفير غذاء يساهم في زيادة كمية العوالق النباتية البحرية، التي تمتص ثاني أوكسيد الكربون عبر عملية التركيب الضوئي. وتبدو الفائدة مضاعفة في هذه الحالة، لأن زيادة كمية العوالق تعني في المحصلة زيادة إنتاجية المصائد السمكية. لكن التجارب الفعلية أظهرت عدم إمكانية التحكم في أماكن انتشار الحديد، ما قد يؤدي إلى خلل في السلسلة الغذائية للكائنات البحرية. كما أن العمر القصير للعوالق يجعل من زراعة الأشجار ذات العمر المديد أكثر جدوى في مواجهة تغير المناخ.
ولا تخلو مقاربات هندسة المناخ من مخاطر كبيرة، بما فيها تلك الطريقة الواردة في التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. فنشر كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكبريت في الجو قد يؤدي إلى تشكل الأمطار الحمضية، كما قد يتسبب ثاني أوكسيد الكبريت في إلحاق ضرر بطبقة الأوزون. والإشكالية الكبرى هي في كيفية التحكم بمقدار التبريد الحاصل وآلية انتقال غيوم ثاني أوكسيد الكبريت عبر الغلاف الجوي للأرض، ما قد يؤثر على أنماط هطول الأمطار وغيرها من أحداث الطقس.
لم تتمكن المعرفة البشرية بعد من إيجاد الأساليب لضبط الأماكن التي ستستفيد من إنقاص الإشعاع الشمسي. وبغياب السيطرة الكاملة، فإن أجزاء من الكرة الأرضية ستتعرض للفيضانات، فيما ستواجه مناطق أخرى حالات جفاف شديدة. وفي الحالتين، ستكون المجتمعات الفقيرة والمهمشة هي الأكثر عرضة للخطر.
إن الكلفة الرخيصة نسبياً لهندسة المناخ في مقابل مخاطرها الواسعة جعلتها موضع اهتمام جمعية الأمم المتحدة للبيئة خلال اجتماعها الأخير في نيروبي خلال شهر مارس (آذار) 2019. وكانت سويسرا، وبدعم من 11 بلداً آخر، اقترحت إجراء تحليل أعمق لهندسة المناخ، كخطوة أولى نحو إشراف أكبر على التجارب التي يمكنها تغيير العالم وترك آثارها، المتمثلة بنقص الإمدادات الغذائية وتراجع التنوع البيولوجي وغياب المساواة وفقدان الاستقرار في جميع أنحاء العالم. لكن المقترح السويسري لم يلق التأييد المطلوب لتمريره، بعد رفضه من قبل الولايات المتحدة والبرازيل ودول نفطية.
ويرى كثيرون أن الاعتراض على بحث مخاطر هندسة المناخ مرتبط بمصالح الدول المنتجة والمستهلكة للوقود الأحفوري، التي تفضل توجيه الأنظار إلى البدائل عن الخوض في الأسباب. فالدول النفطية تجد في هندسة المناخ مخرجاً محتملاً للحفاظ على مستويات مرتفعة من الإنتاج، أما الدول المستهلكة فترى في هذه الوسيلة بديلاً مقبولاً لخفض انبعاث غازات الدفيئة.
وفيما ستتصدى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لهذه المسألة في تقريرها الذي سيصدر سنة 2022، فإن النقاش حول هندسة المناخ يعلو يوماً بعد يوم، ويجتذب الدعم والانتقاد على حد سواء. ومع غياب إجابات صريحة عن أسئلة مثل؛ ما هي التقنية الأنسب؟ وكيف ستكون السيطرة عليها؟ ومن يتحمل أضرارها الجانبية؟ يجب اتباع مبدأ الحيطة وتوخي الحذر، لتفادي المخاطر غير الواضحة على صحة الإنسان والبيئة.


مقالات ذات صلة

مصر: غالبية الدول تعتبر مشاريع قرارات «كوب 27» متوازنة

شمال افريقيا وزير الخارجية المصري سامح شكري (إ.ب.أ)

مصر: غالبية الدول تعتبر مشاريع قرارات «كوب 27» متوازنة

أكد رئيس مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب27) سامح شكري اليوم (السبت) أن «الغالبية العظمى» من الدول تعتبر مشاريع القرارات التي قدمتها رئاسة مؤتمر المناخ «متوازنة» بعدما انتقدها الاتحاد الأوروبي. وأوضح وزير خارجية مصر سامح شكري للصحافيين بعد ليلة من المفاوضات المكثفة إثر تمديد المؤتمر في شرم الشيخ أن «الغالبية العظمى من الأطراف أبلغتني أنها تعتبر النص متوازنا وقد يؤدي إلى اختراق محتمل توصلا إلى توافق»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. وتابع يقول «على الأطراف أن تظهر تصميمها وأن تتوصل إلى توافق».

«الشرق الأوسط» (شرم الشيخ)
بيئة البيئة في 2021... قصص نجاح تعزز الأمل في تخفيف أزمة المناخ

البيئة في 2021... قصص نجاح تعزز الأمل في تخفيف أزمة المناخ

شهدت سنة 2021 الكثير من الكوارث والخيبات، لكنها كانت أيضاً سنة «الأمل» البيئي. فعلى الصعيد السياسي حصلت تحولات هامة بوصول إدارة داعمة لقضايا البيئة إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. كما شهدت السنة العديد من الابتكارات الخضراء والمشاريع البيئية الواعدة، قد يكون أبرزها مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» التي أطلقتها السعودية. وفي مجال الصحة العامة، حقق العلماء اختراقاً كبيراً في مواجهة فيروس كورونا المستجد عبر تطوير اللقاحات وبرامج التطعيم الواسعة، رغم عودة الفيروس ومتحوراته. وفي مواجهة الاحتباس الحراري، نجح المجتمعون في قمة غلاسكو في التوافق على تسريع العمل المناخي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق فرقة «كولدبلاي» تراعي المعايير البيئية في جولتها سنة 2022

فرقة «كولدبلاي» تراعي المعايير البيئية في جولتها سنة 2022

أعلنت فرقة «كولدبلاي» البريطانية، الخميس، عن جولة عالمية جديدة لها سنة 2022 «تراعي قدر الإمكان متطلبات الاستدامة»، باستخدام الألواح الشمسية وبطارية محمولة وأرضية تعمل بالطاقة الحركية لتوفير كامل الكهرباء تقريباً، فضلاً عن قصاصات «كونفيتي» ورقية قابلة للتحلل وأكواب تحترم البيئة. وذكرت «كولدبلاي» في منشور عبر «تويتر» أن «العزف الحي والتواصل مع الناس هو سبب وجود الفرقة»، لكنها أكدت أنها تدرك «تماماً في الوقت نفسه أن الكوكب يواجه أزمة مناخية». وأضاف المنشور أن أعضاء فرقة الروك الشهيرة «أمضوا العامين المنصرمين في استشارة خبراء البيئة في شأن سبل جعل هذه الجولة تراعي قدر الإمكان متطلبات الاستدامة» و«

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق بعد انخفاضها بسبب الإغلاق... انبعاثات الكربون تعاود الارتفاع

بعد انخفاضها بسبب الإغلاق... انبعاثات الكربون تعاود الارتفاع

انخفضت انبعاثات الغازات المسببة للاحترار العالمي بشكل كبير العام الماضي حيث أجبر وباء «كورونا» الكثير من دول العالم على فرض الإغلاق، لكن يبدو أن هذه الظاهرة الجيدة لن تدوم، حيث إن الأرقام عاودت الارتفاع بحسب البيانات الجديدة، وفقاً لشبكة «سي إن إن». وتسببت إجراءات الإغلاق لاحتواء انتشار الفيروس التاجي في انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 7 في المائة على مدار عام 2020 - وهو أكبر انخفاض تم تسجيله على الإطلاق - وفق دراسة نُشرت أمس (الأربعاء) في المجلة العلمية «نيتشر كلايميت شينج». لكن مؤلفيها يحذرون من أنه ما لم تعطِ الحكومات الأولوية للاستثمار بطرق بيئية في محاولاتها لتعزيز اقتصاداتها الم

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
بيئة 5 ملفات بيئية هامة في حقيبة بايدن

5 ملفات بيئية هامة في حقيبة بايدن

أعلن الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أن وزير الخارجية السابق جون كيري سيكون له مقعد في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، وهي المرة الأولى التي يخصّص فيها مسؤول في تلك الهيئة لقضية المناخ. ويأتي تعيين كيري في إطار التعهدات التي قطعها جو بايدن خلال حملته الانتخابية بإعادة الولايات المتحدة إلى الطريق الصحيح في مواجهة تغيُّر المناخ العالمي ودعم قضايا البيئة، بعد فترة رئاسية صاخبة لسلفه دونالد ترمب الذي انسحب من اتفاقية باريس المناخية وألغى العديد من اللوائح التشريعية البيئية. وعلى عكس ترمب، يعتقد بايدن أن تغيُّر المناخ يهدّد الأمن القومي، حيث ترتبط العديد من حالات غياب الاستقرار

«الشرق الأوسط» (بيروت)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.